رغم عشرات التصريحات والقرارات الوزارية والحكومية عن مكافحة الدروس الخصوصية وحظرها خارج المدارس لوقف نزيفها، فقد تحولت إلى أمر واقع متجذر يصعب اقتلاعه فى الشرقية، وأصبحت مراكز الدروس الخصوصية تحتل أكبر وأعرق شوارع العاصمة والمدن جهارا نهارا، وتنتشر إعلاناتها فى كل مكان تحت سمع وبصر المسئولين دون تدخل من أحد، ففى منطقة فلل الجامعة بمدينة الزقازيق عاصمة الشرقية، حيث تتجلى الظاهرة التى تحولت إلى آفة، يقع أحد أشهر مراكز الدروس الخصوصية للثانوية العامة محتلا لإحدى الفيلات المخصصة لسكن أعضاء هيئة التدريس بجامعة الزقازيق، يهدد سكان المنطقة بصخبه وإزعاجه، حتى إنهم باتوا يفكرون فى مغادرة منازلهم والهروب بعيدا، بعد أن ملوا ضجيجه الذى لا يتوقف ليل نهار، وطوال الإجازات والمناسبات . يقول أحد قاطنى المنطقة: أكاد أشعر بالجنون بسبب البقاء بجوار المركز، الذى يبدأ العمل فى السابعة صباحا، وينتهى مع التاسعة أو العاشرة مساء، حتى إننا لم نعد نجد الوقت الكافى للراحة والخلود إلى النوم إلا بعد انتهاء عمله وإغلاق أبوابه، وما هى إلا ساعات قليلة نستيقظ بعدها على ضجيج طلابه وأصوات تجمعهم مرة أخرى مع تباشير صباح اليوم الجديد ويشير عمر محمود، أحد السكان، إلى أن المعاناة تبدأ مع الثامنة صباحا، مع بدء توافد الطلاب فى الساعات الأولى للصباح وما يحدثونه من جلبة وضوضاء لكثرة أعدادهم وكأنها مدرسة أوجامعه، لحين توزيعهم على قاعات الدرس، ونظرا لمتاخمة موقع الفيلا للفلات والعمارات السكنية المحيطة، وارتفاع صوت المدرسين لمواكبة الأعداد الغفيرة بكل قاعة، والتى تفوق أعداد الطلاب بفصول المدرسة، فإننا نكاد نتقاسمهم الشرح والاسئلة والأجوبة ونغفو ونستيقظ عليها مهما حاولنا غلق النوافذ، حتى كدنا نصاب بالجنون من اضطرارنا قسرا لتلقى المناهج ومشاركتهم التفاصيل وهى المعاناة التى تتكرر سنويا طوال مدة الدراسة بالثانوية العامة، التى تمتد بطول عام تقريبا من شهر أغسطس وحتى شهر يوليو من العام الذى يليه فيما شكا أحد القاطنين بالمنطقة بالقرب من المركز، وهو صيدلي، من صعوبة تمكنهم أحيانا وزوجاتهم وبناتهم من دخول منازلهم بسبب تكدس الطلاب وسيارات البعض منهم طوال اليوم بجوارها، وفى مداخل بواباتها، سواء للدفعات من الطلاب التى أنهت درسها أو تلك التى تأتى وتبقى انتظارا لدورها، أما الدكتور عبد المنعم القط، أستاذ الطاقة الذرية بكلية الهندسة، وأحد القاطنين فى مواجهة المركز، فيؤكد بالرغم من مخاطبة المسئولين عدة مرات، وتقديم شكاوى لمحافظ الشرقية ومدير الأمن لوقف تلك المهزلة لما تسببه من إزعاج يؤرق مضاجعنا ويزاحمنا ساعات يومنا ويحرمنا الراحة نهارا ومساء، فإن أحدا لم يستجب، ومازال الحال على ماهو عليه، والمعاناة مستمرة، لدرجة أن نجلى الطالب بالماجستير اضطر لهجر ومغادرة منزله الكائن معه بنفس المبنى، واستئجار شقة خاصة طلبا للهدوء، وليتمكن من المذاكرة والتركيز بعيدا عن هذا الضجيج والإزعاج ويتساءل الدكتور القط أليس مثل هذا المركز بمواعيده التى تبدأ من الصباح وتستمر طوال ساعاته يعد تحريضا على ترك الدراسة بالمدارس، أو ليس وجود طالب فى مثل هذه المواعيد سواء فى التاسعة صباحا أو الحادية عشرة دليلا كافيا على غيابه عن المدرسة، وأين هى تصريحات الوزراء عن مكافحة الدروس ومراجعة جداول الحضور والغياب يوميا، ومن المسئول عن تشغيل المركز فى نفس ساعات الدراسة، وأين هى تلك الإجراءات التى نسمع عنها بين الحين والآخر للقضاء على الظاهرة ويشير كمال شاهين، موجه الجغرافيا السابق، وعضو لجنة تحسين التعليم بالهيئة للقومية للجودة إلى أن مثل هذه المراكز أفقدت المدارس هيبتها ووظيفتها الحقيقية، وأصبحت تشكل عبئا على كاهل الأسرة، وتلتهم حوالى ربع ميزانيتها، بعد أن تحولت لتجارة فيما، أرجع إقبال الطلاب وأولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بتلك المراكز إلى ضعف مستوى التعليم بالمدارس، سواء الحكومية أو الخاصة، التى تحولت لصورة مكررة من مدارس الحكومة بتكدس أعداد الطلاب وعدم مبالاة المدرس بتوصيل المعلومة بشكل جيد، استنادا لحصوله على دروس فى جميع المواد، كذلك تعقد وصعوبة المناهج التى تفوق أعمار الطلاب فى المراحل الأولى، و اعتياده الاعتماد على مبدأ التلقين والحفظ دون فهم وعدم الاستعانة بالوسائل الإيضاحية والتكنولوجيا الحديثة فى تعميق وصول المعلومة بالتالى لا يستطيع الطالب الإلمام بالدرس وفهمه بسهولة، لتبدأ رحلة البحث عن مثل هذه الدروس وطالب شاهين بالتركيز على تأهيل المعلمين الجدد، والاستعانة بأساليب تعلم ووسائط حديثة تساعد المتعلم على الاعتماد على نفسه وتشجعه على البحث، حتى يصبح بدوره مشاركا فى العملية التعليمية وليس مجرد متلق بحاجة دوما للدروس والضغط والتكرار للتحصيل.