الوقت حاد وحازم وحاسم وصارم تماما.. موجود منذ الأزل وإلى الأبد.. نولد ونكبر ونشيخ ونموت على إيقاع دقاته.. ولكنه أبدا لا يكبر ولا يشيخ هو فقط يواصل نقراته المنتظمة على دف القدر.. ونحن إما نتعامل مع تلك النقرات على أساس أنها خلفية يمكننا أن نمارس حياتنا على إيقاع «التمبو» بتاعها.. وإما نتعامل معها على أساس أنها نقرات مريحة للأعصاب تصلح كخلفية لنوم هادئ ومستريح وغير منشغل الباب بأى حاجة «الاختيار اختيارنا» اخترع الإنسان الساعة لإرساء قاعدة عامة تمكننا من التعامل معه.. ولكنه لم يخترعه.. يختلف إحساسنا به من فرد لآخر.. ويختلف إحساس الفرد الواحد به من حالة لأخرى، ولكنه هو نفسه لا يختلف.. قد نسرع أحيانا وقد نبطئ ولكن عقارب الساعة نفسها لا تسرع ولا تبطئ هى تسير دوما وفق خطة ال24 ساعة الأزلية التى تجدد نفسها من تلقاء نفسها وفقا ل«تيمبو» دق القدر.. تسير العقارب بسرعة ثابتة وهى جاهزة دوما للدغ اللى ما ياخدش باله منها.. وربما كان هذا هو السبب المنطقى لإطلاقنا ذلك الاسم عليها.. «عقارب»! الوقت هو الشىء الوحيد فى التجربة البشرية الذى تم تقسيمه بين جميع قاطنى الكوكب بمنتهى العدالة كل بنى آدم يتم منحه يوميا ومع كل حضن لعقربى الساعة عند الرقم 12 24 ساعة جديدة.. 24 ساعة بالتمام والكمال لا تستطيع قوة بشرية أيا كانت قوتها انتقاص «فيمتو ثانية» واحدة منهم هذا طبعا فى حالة ما إذا لم يكن للأقدار رأى آخر! أغنى بنى آدم وأفقر بنى آدم.. أنجح رجل وأفشل رجل أجمل سيدة وأوحش سيدة الجميع نصيبهم اليومى من الوقت 24 ساعة بالتمام والكمال.. إذن.. لماذا ينجح شخص ويفشل آخر؟ لماذا يتقدم أحد للأمام بينما يتقهقر آخر للخلف؟ ما الذى يجعل ال24 ساعة بتوع دا مختلفة تماما عن ال24 ساعة بتوع دا؟ وإذا كانت المادة الخام للوقت يتم توزيعها على الجميع بدون وجود أدنى فتفوتة ظلم أو أدنى شبهة لغياب العدالة إذن.. لماذا كل هذا التفاوت فى تقدير الوقت.. لماذا يستيقظ معظم اليابانيين والصينيين وهم أشبه بجيوش النحل «الشغالة»، التى تعلم أن هناك خلايا ينبغى ملء مسدساتها بالشمع.. بينما يستيقظ معظم المصريين والعرب عموما وهم أشبه بجيوش أفراس النهر «اللى مش شغالة»، والتى تكتفى بانفاق وقتها فى التثاؤب والبلبطة فى المياه؟ تكمن الإجابة على مثل تلك الأسئلة فى المكان الذى ذهبنا إليه جميعا فى الصغر.. ثم أخذنا إليه أولادنا وبناتنا فى الكبر فى المكان الذى كان ينبغى أن تخرج منه «نحل»، ولكن شاءت لنا أقدارنا أن تخرج منه «أفراس نهر» قد الدنيا.. المدرسة! فى المدرسة هناك أشياء ينبغى أن نتعلمها أهم من المناهج وأفيد من الحصص.. يأتى على رأس هذه الأشياء قيمة الوقت.. وقيمة الوقت لا تحتاج إلى كتب لشرحها ولا إلى حصص لفهمها ولا إلى امتحانات للتأكد من حفظها وصمها قيمة الوقت تحتاج إلى تطبيق عملى مستمر طوال سنوات الدراسة بحيث تتخلل نفسية التلميذ أو التلميذة من دول وتذوب فى اللاوعى بتاع الطالب أو الطالبة من دول.. إذا شعر المسئولون عن التعليم فى مصر بقيمة أو أهمية الوقت سوف يشعر بها الطلبة بشكل تبعى ولكن.. الكارثة الحقيقية أن الطلبة يرون أمامهم إدارة مدرسية ومدرسون ومدرسات فى بداية اليوم زهقانين أكثر منهم.. ولا يوجد فى خيالهم سوى صورة وحيدة لساعة تشير إلى الثانية بعد الظهر ميعاد جرس المرواح.. وإذا كنتم تظنون أن «هييييه»، التى يطلقها الطلبة عقب سماع جرس المرواح مقصورة عليهم فقط تبقوا غلطانين.. فبالتدقيق وبالاستماع وباستخدام أحدث وسائل التصنت سوف تكتشفون أن اللاوعى بتاع المدرسين والمدرسات يقول «هيييه» مع الطلبة عقب جرس المرواح أخبركم أن «هيييه» بتاعة اللاوعى بتاع المدرسين والمدرسات لا تقل فرحة ولا سعادة عن «هييييه» بتاعة الوعى بتاع الطلبة والطالبات.. واحتمال اكتر الجميع مدرسون وطلبة سعداء سعداء ليه؟! لأنهم نجحوا فى قتل 6 ساعات من ال24 ساعة المصروفين لهم لهذا اليوم.. وعليهم أن يستعدوا طلبة ومدرسين لاستكمال جريمتهم وقتل الوقت الباقى من ساعات يومهم فى تمثلية الدروس الخصوصية! لا تنتظروا أبدا من طلبة يقتلون 6 ساعات يوميا فى عبث مثل عبث التعليم المصرى أن يعرفوا قيمة الوقت؟! لا تنتظروا أبدا من نظام تعليم يوجد فيه ما يسمى بالحصة الاحتياطى أن يخرج لنا بنى آدمين تعلم كيف تنفق وقتها بشكل مفيد والحصة الاحتياطى «من لا يعرفون» هى الحصة التى يغيب مدرس أو مدرسة مادتها فيأخذها مدرس أو مدرسة مادة أخرى ليخبر العيال أمامه فى الفصل بالجملة التعليمية المصرية الأزلية الخاصة بالحصص الاحتياطى «اللى عايز يعمل حاجة يعملها وهو ساكت.. مش عازيز أسمع صوت» ثم يضع كرسى على باب الفصل ويشعل سيجارة ويجلس ليتشمس. أعزائى كل من يقرءون الآن اعلموا أعزكم الله أن حياتنا ما هى إلا تلك الدائرة التى يدفعنا فيها عقرب سمان طوال الوقت وجاهزين للدغنا إذا تباطأنا ونحن أمام أحد اختيارين أن نحافظ على إيقاع دوران العقارب فنسبها باستمرار وننجو من لدغاتها أو نتباطأ ونأنتخ، وتظل العقارب تلدغنا وتدفعنا للأمام ونحن ثابتون على اننتختنا لحد ما جتتنا تنحَّس أن نكون نحل شغال يستيقظ فى الصباح لملء مسدسات خليته بالشمع أو نكون أفراس نهر كسلانة تستيقظ بعد الظهر لتتثاءب وتبلبط فى الميه شوية ثم تأكل ثم تنام! أن تكون نحلة شغالة أو فرس نهر كسلان ذلك هو الاختيار وتلك هى المسألة!