أنا صاحبة رسالة «نور الظلام» التى بعثتها إلى الأستاذ الراحل عبدالوهاب مطاوع، ونشرها ضمن رسائله الأخيرة رحمه الله، وقد تناولت فيها قسوة الأب والأم وصعوبة الحياة التى عانيت فيها الكثير، وطلبت فى نهايتها أبا وأما بديلين، وتفضل بنشر قصتي، واختارتنى أمى ناهد السمرة هى وزوجها لكى تصبح لى أما فوجدتها نعم الأم، فلقد عشت معها الأمومة الحقيقية، والحب والعطف، عشت فى كنفها حياة جميلة خالية من أى مصالح، ووجدت أمى ناهد سيدة رائعة بكل المعانى تفرح لفرحى فوق ما يتخيل الآخرون، وتبكى لحزنى وتظل صامتة، وتكتم أحزانها فى داخلها حتى لا أتألم لحزنها، فصارت أمى الحقيقية وليست البديلة، وحرصت على أن تكون كل شيء فى حياتى بعد زواجي، ولم يمر عيد واحد إلا وهى معي، فتسعدنا وتسعد أولادى بلمساتها الرقيقة، وطيبتها التى لا حدود لها. ومرت الأيام ومات زوجها، وحزنت كثيرا لفراقه، فلم أتركها وحدها، وكنت معها على الدوام، وهاهى أمى ناهد السمرة ترحل عن الحياة، ولقد كانت بيضاء القلب والبشرة، ولم تكن الأم التى ولدتني، ولا حتى التى ربتني، ولكنها الأم التى أسعدتني، وأدخلت الفرحة إلى قلوب أسرتى الصغيرة. إنهم يقولون دائما: إن الأم هى التى ربت، وليست التى أنجبت، ولكن أمى ناهد كان نوعا ثالثا من الأمومة، فهى الأم التى أسعدتنى وتأثرت بحالي، وبكت كثيرا من أجلى.. لقد جعلتنى أبتسم للحياة، وأرجو أن أكون قد أسعدتها أيضا، وأن تكون راضية عني.. والآن أكتب إليك هذه الكلمات، وأنا افتقد أمي، فلأول مرة منذ أن عرفتها أجدنى غير قادرة على الوصول إليها، وإننى من منبرك هذا عرفت أمي، ومنه أودعها، نعم أودع أمى التى جعلتنى أشعر بطعم الحياة، أودع الحنان، والعطف، أودع كل لحظة جميلة عشتها معها، وأطلب منك ومن قرائك الذين ينتشرون فى كل بقاع الأرض الدعاء لها بالرحمة والمغفرة وأن يعيننى الله على فراقها، ولكم منى المحبة والسلام . ولكاتبة هذه الرسالة أقول: ما أعظم الوفاء يا سيدتي، فكأنى أقرأ رسالتك لأول مرة، مع أنى عايشت أحداثها مع الراحل الكبير عبدالوهاب مطاوع، وقد وقع اختياره على السيدة ناهد السمرة من بين عشرات الاستجابات التى طلب أصحابها أن يكونوا لك آباء وأمهات، وأن يتواصلوا معك، فلقد كلفنى وقتها بدراسة كل العروض المقدمة للتواصل معك، وأن أرشح له أربعة فقط من بينها، وكانت السيدة ناهد السمرة صاحبة واحد من هذه العروض، وما إن نظر إلى أوراق من اخترتهم، حتى اختار هذه السيدة العظيمة بحسه الإنسانى الجميل، وكانت نظرته ثاقبة، فلقد أحسن الاختيار، وكانت رؤيته لك أنك نقية نقاء لا يتوافر للكثيرين. رحم الله الأستاذ عبدالوهاب مطاوع، ورحم السيدة ناهد وزوجها، وأثاب الجميع من فضله وكرمه، وأهلا بك صديقة دائمة لبريد الأهرام.