منذ اللحظة التى فكرنا فيها أن نحتفى بالأم فى عيدها، بدت كل الأفكار متشابهة، حوارات مع الأمهات المثاليات اللائى تكرمهن الدولة كل عام، أو ربما ننقل قصصا لأمهات لا تسلط عليهن الأضواء، أو نحتفى بأمهات الشهداء. كل الأفكار كانت عظيمة ومهمة لكننا حسمنا الأمر فى النهاية لصالح القارئ، اخترنا أن ننجو من مأزق الاختيار، وأن نبتعد عن السؤال صعب الإجابة «لماذا هذه الأم وليست تلك؟، وعلى أى أساس اخترتم أمهات الشهداء؟». قررنا فى النهاية أن يحتفل كل قارئ بعيد الأم على طريقته، أن يكتب لها ما يشاء على صفحات جريدته، وأن يصيغ عبارات الود والحب والامتنان بكلماته الخاصة. وجاءتنا الرسائل رقيقة، ومعبرة، لا تخلو من موقف أو تضحية أو قصة مؤثرة، تساقطت مع بعضها دموعنا، وابتسمنا مع بعضها الآخر. فاجأتنا رسالة من طفلة لأمها تخبرها كم تشفق عليها من مصاعب الحياة، وأخرى من سيدة حرمها القدر من الأمومة لكنه منحها ابنة بديلة، ورسالة من ابن لأمه التى رحلت عن حياته منذ الصغر، ورسائل كثيرة جسدت معنى حقيقيا وواقعيا لعيد الأم. ولأن الكتابة أحيانا تختصر الكثير من العقبات النفسية التى تقف أمام قدرتنا على التعبير والكلام، خصصنا تلك المساحة فى ذلك اليوم لكل الأبناء، الذين نسوا، أو خانتهم الكلمات، أو لم يمهلهم القدر فرصة ليقولوا لأمهاتهم «أحبك» أن يقولوها الآن، وأن يقدم كل ابن أو ابنة دعوة لأمه يرد بها جميلها عليه، ويردد مع صوت فيروز «أمى يا ملاكى يا حبى الباقى إلى الأبد». أفتقدك وأعلم أنك فى الجنة أتحدث لك يا أمى فى هذة الرسالة بقلبى وليس بلسانى، لأنك حبيبتى وروحى، احبك من كل قلبى، اشتاق اليك واتذكرك فى كل وقت وحين، وادعو لك فى كل صلواتى بالخير، وأن يدخلك الله فسيح جناته، وأن يجمعنى ان شاء الله معك فى الجنة. انا الآن فى السادسة عشرة من عمرى، وكنت فى الرابعة وقت رحلتى. اكتب لك هذة الرسالة كى اعبر لك عما بداخلى من اشواق وحنين للماضى الجميل الذى افتقده كثيرا هذه الايام، اشعر بالحزن لفراقك واشعر بالوحدة من دونك، فأنت الام العزيزة والطيبة والحنونة، انتِ من سهرت الليالى من اجلى، واجتهدتى وعملت لتوفير حياة هنية لى، كنت تمديننى بالحنان والعطف والاحساس بالامان، كنت تبتسمين فى وجهى فأشعر بالطمأنينة وتحولى بكائى إلى سرور عارم، كنتِ مصدر بهجة لى، ومنبع العطف والحنان الذى يطمئننى فى حياتى، ويشعرنى انى لست وحيدا. كنتِ أمًا وزوجة مثالية تهتم بزوجها وولدها واهلها وعملها، كنت امرأة عظيمة تحرص دائما على صحتى ونظافتى، وأذكر فى يوم من الايام كنت مريضا واعانى كثيرا فى وقت متأخر من الليل فإذا بكِ تسرعين بى إلى الطبيب، وتسهرين معى فى المستشفى، ولا تذهبين إلى عملك. حقا كم كنت عظيمة يا امى، كنت تفعلين ما لا تتحمله الا ام مثلك صابرة وعظيمة. اشتاق اليك كثيرا وعندى حنين إلى الماضى وايامه، واحتجت وجودك فى عدة مواقف مثل وفاة جدى وايضا نجاحى التعليمى المستمر الحمد لله، ومواقف كثيرة كنت أشعر بالحزن لعدم مشاركتك فرحتى فيها، وهو ما كان فى اغلب الاوقات يطفئ فرحتى ويخمدها، رغم أن بعادك عنى له اثر سلبى ولكن فى النهاية ما يجعلنى مسرورا انك فى مكان افضل وهو أنك فى الجنة. ابنك المشتاق إليك أحمد ست الحبايب أمى عجز اللسان عن التعبير عما أكنه لك يا أمى من مشاعر، أقدر بها مدى شقائك وعنائك طوال السنين معى ومع أشقائى السبعة، حتى أصبحنا رجالا ونساء صالحين نفيد المجتمع. ورغم وفاة والدى فقد كنتِ لنا بمثابة الأب والأم، جمعتِ الحزم والحنان فى آن واحد، وبفضل رعايتك وتضحيتك من أجلنا حصلنا على أعلى الشهادات والمراكز. ولم تكتف بذلك فقط، ولكن نهر الحنان والعطاء لم ينضب، بل ما زلت تعطى لأحفادك كل ما بداخلك من مشاعر ورعاية، حتى وصلوا إلى أعلى المناصب، كما تحيطيننا جميعاً بالدفء والأمان لوجودك معنا، فشكراً لك على ما بذلته معنا.. حفظك الله وأمد فى عمرك لنستطيع رد جزء بسيط من تضحياتك العظيمة لم أنس لكِ يا أمى عندما كان أخى يريد أن يدخل الجامعة ولم تكن ظروفنا تتحمل أعباء مادية اضافية، ولكن استطعتِ أن تدخلى أخى الكبير الجامعة ولم تحرميه من هذه الأمنية. وعندما كان أخى مريضا وطلبتِ أن تتبرعى له بكليتك حتى يرتاح من الألم، ولن أنسى آلامك عندما فارقنا أخى ورحل عن الحياة. حتى أنا لم تتخل عنى حتى الآن، وعندما كنتِ تدعى لى دائماً أن يرزقنى الله طفلاً لكى يسعدنى، ولم تنقطع دعواتك حتى أراد ربنا أن يرزقنى هذا الطفل بفضل دعواتك يا أمى، وبعد ذلك قمتِ برعايته، ومساعدتى فى تربيته، وهو عندك أغلى الحبايب. أدعو الله يا امى أن يمنحنى الصحة حتى أرد لك أفضالك علينا، وأن يقدرنى على اسعادك.