بحلول الاثنين الأول من ديسمبر 2014، واصل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان تطاوله على مصر وقيادتها السياسية زاعما فى مؤتمر صحفى عقده فى أنقرة مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن الرئيس المصرى المنتخب يقبع فى السجن بينما الرئيس الحالى وصل للحكم بطريقة غير ديمقراطية، وقد نعتت الخارجية المصرية هذه التصريحات بالجهل وعدم إدراك حقائق الأمور والاصرار على العيش فى أوهام مرتبطة بتغليب نظرية الإيديولوجية الضيقة للأمور. ولأن التاريخ يعالج أحداث الماضى وصولا لاستشراف المستقبل فيمكن الزعم بأن احتدام الصراع للهيمنة على الشرق الأوسط قد بدأ - على الأرجح - عام 1944 حين أدركت الولاياتالمتحدة الأهمية البالغة لهذا الشرق فى الصراع الدولي، كما تأكدت أن الحرب العالمية الثانية قد استنفدت بالفعل القوى العسكرية والاقتصادية للامبراطوريات، الاستعمارية القديمة. ومن ثم احقيتها فى وراثتها، كما تنبهت مبكرا للأهمية الخاصة للدور الذى تلعبه مصر كدولة محورية بحكم حقائق التاريخ والجغرافيا فشرعت فى الإعداد للهيمنة عليه بعد انسحاب البريطانيين الذين كانوا يحتلون مصر والعراق والأردن وفلسطين، والفرنسيين الذين كانوا يحتلون سوريا ولبنان والجزائر والمغرب، والإيطاليين الذين كانوا يحتلون ليبيا. - كانت البداية عندما اتصل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالولاياتالمتحدة طالبا مساعدتها فى اقناع الانجليز والضغط عليهم للجلاء عن قناة السويس، وقد ساعدوه بالفعل، بيد أن هذه المساعدات سرعان ما كشفت عن أن هدفها الاستراتيجى هو تحويل الشرق الأوسط إلى حزام أمريكى لتطويق الاتحاد السوفيتي، ومن ثم حاولت اقناع مصر بأن الحفاظ على استقلالها فى إطار من العزة والكرامة لا يتعارض مع مشاركتها فى حلف للدفاع عن الشرق الأوسط تحت المظلة الأمريكية، فعارض عبدالناصر هذا التوجه بشدة وقاد حملة شعواء ضده، وتتابعت الأحداث التى أدت إلى تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو عام 1956 وتعرضت مصر لعدوان ثلاثى انجليزى فرنسى إسرائيلى انتهى باندحاره نتيجة إدارة عبدالناصر للحرب على المستوى الوطنى والإقليمى والدولي، وعلى المستوى العسكرى والسياسى والنفسى بكفاءة اثارت الإعجاب فى ظروف شديدة التعقيد، وفى مواجهة توازن دولى متشابك وخطير. - تعاونت المخابرات البريطانية والأمريكية فى وضع سيناريو لمخطط جديد للهيمنة على الشرق الأوسط بإحداث تغيير شامل فى الحكومة السورية، وبينت المخابرات البريطانية أنها تستطيع أن تقوم بهذه العملية بمفردها، لكنها ستلجأ عند الاقتضاء إلى العمل المشترك مع «العراقوتركيا» واحتمالا مع إسرائيل لإقامة حكومة سورية موالية تماما للعراق، ومن ثم خضعت سوريا اعتبارا من منتصف عام 1955 لضغوط شديدة من تركيا وتهديدات من إسرائيل دفعتها للاتفاق مع الشقيقة مصر على إرسال قوات مصرية إلى ميناء اللاذقية عام 1957 لدعم الموقف السورى للصمود ضد الضغوط والتهديدات الأمر الذى ضاعف الشعور بالمد الوحدوى بينهما انتهى بالإعلان عن قيام الوحدة بين البلدين التى أعلنها صبرى العسلى رئيس وزراء سوريا من شرفة مبنى مجلس الوزراء المصرى ظهر الأول من فبراير عام 1958 وسميت دولة، الوحدة الجمهورية العربية المتحدة. وأذكر فى أثناء خدمتى بالإقليم الشمالى (سوريا) عام 1959 أن الرئيس عبدالناصر قاد حملة شعواء على تركيا مطالبا بعودة إقليم الإسكندرون التى تم سلخه من سوريا وضمه لتركيا بموجب اتفاقية سايكس - بيكو عام 1916، وقد اكتسبت الحملة زخما قويا على المستوى الإقليمى والدولى لولا وقوع الانفصال بين سوريا ومصر يوم 28 سبتمبر عام 1961. ويبدو بعد 53 عاما أن التاريخ قد أعاد نفسه بمخطط جديد لتقسيم الشرق الأوسط منذ 98 عاما عام 1916 إلى دويلات متناحرة يسهل احتواؤها للسيطرة على منابع النفط وطرق مواصلاته فيها تحسبا من حلول عام 2025 عندما سيصبح العالم متعدد الأقطاب، وها هى تركيا تقوم بنفس الدور الذى قامت به بعد إنشاء حلف بغداد عام 1955، وتبذل المستحيل حاليا كى تنجح فى اسقاط سوريا عام 2014 فيما فشلت فيه منتصف خمسينيات القرن الماضى تمهيدا لسقوط باقى دول الشرق الأوسط، تباعا بأسلوب نظرية الدومينو، حيث إن الهدف النهائى من المخطط هو افشال مصر فى استعادة مكانتها الإقليمية والدولية بالشرق الأوسط. وتأسيسا على ما تقدم يتضح أن الرئيس التركى قارئ سيئ للتاريخ، وحتى لو قرأه فهو لم يستوعبه وعليه أن يغوص ويتعمق فى تحليل ما حدث يومى 30 يونيو ، 3 يوليو عام 2013. واختتم بأن أسوأ سوءات الحياة أن تضطرك الظروف إلى خوض حرب قذرة. اللواء د. إبراهيم شكيب