إن الموت حقيقة مفروغ منها، كل يوم نسمع عن موت الكثيرين، هناك من نتأثر بموتهم وهناك من يعدى علينا الخبر كروتين يومى عادى لأنه سنة الحياة، إلا يوم ما علمت ان استاذتى و معلمتى رحلت يوم الاحد الماضى مع رحلة طويلة مع المرض. رضوى عاشور استاذ الادب الانجليزى بجامعة عين شمس, اول معرفتى بيها عند التحقى بكلية الاداب عام 1995 وقامت بالتدريس لى العام الاول والثانى فى الجامعة، تذكرت عند سماع نبأ وفاتها صوتها الهادى ، الحنون وهى تلقى علينا المحاضرة كما كانت رائعة، تذكرت كلامها عن زوجها الفلسطينى الشاعر مريد البرغوثى وابنها الوحيد تميم وكيف كانت تعيش بعيد عنهما، وتقوم بزيارتهما بين الحين والأخر، لكن تلك الزيارات كانت تستوجب العديد من الاجراءات الروتينية. فقد كان له قول مأثور "يحكى الواحد منا عن أمر موجع لحجب الأمر الأكثر ايلاما". كان لها مواقف معنا تذكرتها وأنا استجمع ذكرياتى عنها، قسم اللغة الانجليزية كان يشترط أن يكون المتقدمين اليها حاصلين على درجات أكثر من 40 من 50، كان عدد المتقدمين الى قسم اللغة الانجليزية كبير للغاية، وقررت إدارة الجامعة عمل امتحان للمتقدمين، كانت حينئذ رئيسة القسم فقررت إن خريجات مدرسة راهبات الأرمن الكاثوليك وهى مدرستى والتى أشرف أننى من خريجتها، لا يحتاجون الى امتحان فهن من صفوة المدارس الموجودة فى مصر ونحن نقبل ابنائها مغمضى العين وتم الغاء الامتحان لان اغلب الدفعة كانت من تلك المدرسة. الانسان مواقف وتصرفات، فلا يمكننا ان ننسها ولا ننسى فضلها فى تعليمنا.كانت رضوى عاشور لمن يحضرها قلباً وقالباً فحسب، قلباً يتنفس ويبتسم ويتكلم ، لا شك أن رحيل رضوى عاشور سيترك فجوة في فضائنا وفي ثقافتنا، الحب والطيبة سيفتقدانها بالتأكيد ، سينقص شيء في هوائنا وفي سمائنا . لقد فقدنا بسمة الطفلة التى علمتنا الكثير . كانت رضوى كاتبة روائية كبيرة اتسمت أعمالها بأسلوب مختلف من الكتابة والتعبير، فالإلهام دائمًا ما يجد طريقه إليها، متدفقًا. تركت بصمات عميقة فى الحياة الأدبية ومجرى النضال العربى فى مصر، من اعمالها ثلاثية غرناطة، والطنطورية، وقطعة من أوروبا، ورأيت النخيل، فقد كانت عضواً نشيطاً فى لجنة الدفاع عن الثقافة القومية واللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية. رضوى عاشور وهبت حياتها من أجل مصر، سواء بالعمل السياسي أو العمل العام ثم بالعمل الأدبي من خلال الرواية والقصة والترجمة، ستبقى صاحبة إبداعات روائية أثّرت كثيرا في الأجيال التي تلتها من كاتبات الرواية والقصة القصيرة، كما تبنت مشروع تأريخ مهم، وهو تأريخ أحداث المنطقة العربية ستظل د. رضوى عاشور حية في وعينا ووجداننا تشع بفكرها وتجربتها الناضجة القادريْن على منحنا الأمل ، مادمنا قررنا معها أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا.. [email protected] لمزيد من مقالات داليا مصطفى سلامة