يمثل قرار وزراء الخارجية العرب الأخير بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لطلب تحديد سقف لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية، خطوة مهمة فى طريق حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة لكنها تواجه تحديات ضخمة.فإعلان الدولة يعد ورقة مهمة لتدويل القضية الفلسطينية فى مواجهة السياسة الإسرائيلية المتعنتة والمساعى لإقرار يهودية الدولة, والتى تقضى على أية آمال متبقية فى عملية السلام, كما أن الخطوة ترسخ الحقوق الفلسطينية وأنه مهما فعلت إسرائيل على أرض الواقع من ممارسات عدوانية وطمس للهوية وانتشار سرطان الاستيطان وتهويد القدس, إلا أنها لن تفلح فى القضاء على المطالب المشروعة للشعب الفلسطينى, كما أن الخطوة تكتسب أهمية كبيرة فى ضوء تزايد التعاطف الدولى مع القضية الفلسطينية, والذى انعكس فى اعتراف العديد بالدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة مثل السويد, وأقر البرلمانان البريطانى والأسبانى قرارات غير ملزمة يدعوان حكومتيهما بالاعتراف بالدولة الفلسطينية, وهى تضاف إلى الإنجازات التى تحققت باعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 2012 بفلسطين كدولة مستقلة, ثم الانضمام الفلسطينى للعديد من المنظمات والهيئات الدولية, وكلها مثلت ضغوطا على الحكومة الإسرائيلية وكشفت ممارساتها العدوانية أمام المجتمع الدولى. لكن مع ذلك فإن الرهان الفلسطينى على إعلان الدولة يواجه العديد من التحديات أبرزها الفيتو الأمريكى فى المجلس, والذى غالبا ما يتوقع انحيازه للموقف الإسرائيلى حيث استخدمت الولاياتالمتحدة حق الفيتو أكثر من 40 مرة فى مجلس الأمن ضد مشروعات قرارات تدين الانتهاكات الإسرائيلية, وحتى لو نجحت الجهود العربية فى حشد أعضاء المجلس الأخير, سيظل الفيتو الأمريكى عائقا أمام استصدار قرار, كما أن التحدى الآخر هو هل سيكون القرار الصادر عن مجلس الأمن, إذا ما تم تمريره, وفقا للفصل السابع أن يكون ملزما فى مواجهة إسرائيل, ويتضمن فرض عقوبات عليها فى حال عدم تنفيذه, وهو أمر صعب أيضا فى ظل سيطرة الولاياتالمتحدة على مجلس الأمن. لكن التحدى الأخطر أمام رهان إعلان الدولة ينبع من الموقف الفلسطينى ذاته, فمن الصعب أن تؤتى الجهود الفلسطينية ثمارها فى ظل استمرار حالة الانقسام, ورغم الجهود السابقة فى اتجاه المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية, إلا أنها لم تترجم حتى الآن إلى خطوات عملية على الأرض ومازالت حالة الانقسام بين السلطة وحماس, وحالة الصراع على المناصب وتوزيع الوزارات هى السائدة, وأغفل الفلسطينيون أن الطرف المستفيد الأول من حالة الانقسام هو إسرائيل, وأنه لا يوجد مقومات دولة حقيقية على الأرض يمكن التصارع عليها, فما تبقى من الأراضى المحتلة يتناقص يوما بعد الآخر فى ظل سياسة الاستيطان الإسرائيلية فى الضفة الغربية وتهويد القدس المستمرة, كما يعانى الاقتصاد الفلسطينى من تدهور كبير ويعيش الفلسطينيون أوضاع صعبة, وهنا مكمن الخطر, ففى ظل الجهود المبذولة لاكتمال إعلان الدولة, فإن الواقع يعكس حقيقة انقراض الدولة الفلسطينية, ومن ثم تصبح تلك الجهود كأنها حبر على ورق, وعندما تعلن الدولة ستكون مجرد اسم يصعب تطبيقه على أرض الواقع. وبالتالى أصبح التحدى الآن هو كيف يمكن الحفاظ على ما تبقى من الأراضى الفلسطينية, وفى ذات الوقت التحرك على المستوى الدولى لانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية, وهذا يتطلب عدة أمور: أولا: الإسراع بإنهاء الانقسام الفلسطينى وتوحيد الصف كنقطة انطلاق لتفعيل الجهود باتجاه إعلان الدولة وعدم إعطاء الذرائع لإسرائيل بتوظيف الانقسام للزعم بغياب شريك فلسطينى فى مفاوضات السلام. وثانيا: أن ضمان نجاح المساعى فى مجلس الأمن يتطلب تحركا عربيا جماعيا لحشد التأييد الدولى من قبل الدول الأعضاء فى المجلس, بحيث تكون موافقتهم الجماعية إحراجا للموقف الأمريكى ويدفعه لعدم استخدام الفيتو, وهذا التحرك يكون فى إطار استراتيجية متكاملة دبلوماسية وإعلامية وشعبية, ومن خلال كشف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة, سواء بالتهويد أو إعلان يهودية الدولة أو الاستيطان, ومخاطرها على عملية السلام ذاتها وعلى الاستقرار فى المنطقة, وثالثها, أن تتخذ الجامعة العربية موقفا حازما يقضى بالاعتراف الجماعى بالدولة الفلسطينية المستقلة, والتحرك على مستوى المنظمات الإقليمية الأخرى مثل الاتحاد الإفريقى ومنظمة المؤتمر الإسلامى لدفع دولها بالاعتراف الانفرادى بالدولة الفلسطينية, كما فعلت السويد وعدد من دول أمريكا اللاتينية. ورابعها: أن تتحرك الدول المهمة فى النظام العربى مثل مصر والسعودية والإمارات للضغط على الولاياتالمتحدة لتفعيل دورها فى عملية السلام وعدم إحباط المسعى الفلسطينى فى مجلس الأمن, ولديها من الأوراق ما يمكنها من فعل ذلك. ورغم أن الخيارات الفلسطينية أضحت محدودة فى إقامة الدولة, فى ظل الانشغال العربى بثوراته وأزماته, وفى ظلال الخلل فى موازين القوى مع إسرائيل والانحياز الأمريكى لها, ووجود حكومة يمنية دينية متطرفة لا ترغب ولن تقدم تنازلات حقيقية فى المفاوضات, إلا أن التحرك على صعيد مجلس الأمن يعيد القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى صدارة الأجندة والاهتمام الدولى, ويؤكد أن القضية الفلسطينية لن تموت أو تنتهى الحقوق الفلسطينية مهما فعلت إسرائيل من القمع وإرهاب الدولة. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد