وهل الحرية سوى تلك الطاقة والفطرة التى ولدنا بها,وعرفناها أطفالا ثم قولبنا لننساها وكبرنا لنصير عبيدا يحلمون بالحرية من جديد ولا يعرفون كيف يحددون معناها؟! الحرية صرخة الوليد تلك وتمرده وعطشه للحب بلا شروط.الحرية التى تملك نظامها الخاص ومواسمها كالفصول وأمواج البحر والرياح والعواصف والإبداع والخلق الفنى والضحك من القلب والمشى بخفة لا تحتمل كل ذلك الثقل الذى كبل به الإنسان نفسه عبر أفكاره وعاداته وممارساته وخوفه عبر القرون. أذهب مع أحبائى إلى حديقة الحيوانات فى الجيزة.نتمشى فى الزحام العارم ليوم الجمعة.الأشجار الكثيفة والقديمة تلقى بظلالها وبأوراق الخريف على الأرض والممرات.الحيوانات الجميلة فى الأقفاص:الطيور والبط والأوز والقرود والخراتيت والدببة السوداء والزرافات والجمال والأسود والنمور والثعابين والتماسيح والماعز الجبلى والجواميس والغزلان والوعول.قطط حرة تلعب هنا وهناك.وكلهم يتوق إلى الطعام وقطع الخيار والجزر والخس وفتات الخبز.رائحة الأرض والعشب والبشر والكائنات تختلط مع هواء الخريف الصباحى وتحت شمس الضحى ,تلك الرائحة المميزة والتى أشتاق إليها بين حين وآخر. الناس بعائلاتهم يتمشون أو يفترشون الأرض ويأكلون والأطفال مذهولون والدهشة فى عيونهم ينظرون إلى تلك الحيوانات فى أقفاصها ويتحرشون بها أحيانا ويشاغبونها.بعضهم يلهو بالبلالين او يلعبون الكرة أو يلحسون المصاصات والفريسكا ويأكلون غزل البنات. جاءوا إلى الحديقة من أجل الأشجار والحيوانات والتنفس فى الهواء الطلق واللعب بحرية على العشب فى ممرات الحديقة. أتأمل اوشو وكلماته التى سجلت فى كتاب أن تعيش بشروطك أو كما يلائمك.اوشو أكبر المحرضين على حرية الإنسان ومن داخله فى القرن العشرين ذلك المعلم الذى كان ضد المردسات وأرسى قيم التأمل وحرية الفرد والتفكير وطالب الإنسان بعودته إلى نفسه والغوص بداخله والتمتع بالفطرة والضحك والسعادة والحكمة وصفاء النفس.اوشو الذى آمن أن كل إنتصار للعقل على حساب القلب هو هزيمة ذريعة للوجود الإنسانى وأن البصيرة هى فى القلب وفى ان يتبع كل إنسان فطرته وأن الحكمة ليست موروثة وإنما مكتسبة عبر الخبرة الفردية للبشر.لم يؤمن بالثورات الضخمة ولا الدموية, بل آمن بتمرد الإنسان على نفسه وعلى قوالبه وجهاده ليصل إلى السلام فى هذه الحياة أولا قبل أن يجير الآخرين لأغراض أيديولوجية أو عقائدية أو سياسية من أجل تحقيقى أهداف بشر يتاجرون باسم الحرية والثورة للوصول إلى السلطة, كل أشكال السلطة, وهذه فى رأيه لا علاقة لها بالحرية بل بالجشع والطمع والطموحات الدنيوية لأولئك.على الناس أن يعيشوا لحظة وعيهم فى الحاضر,ولا يكونوا ضحايا تكرار الماضى أو الخوف من المستقبل.عليهم أن يكونوا مراقبين كى يفهموا ويدركوا ذواتهم والكون والآخرين.كل فرد هو كون بنفسه والكل متساوون ولكن غير متشابهين. لا أحد يستطيع أن يصلح الكون مهما إدعى أصحاب السياسة ذلك.البشرية فى صراع منذ الأزل ولاتزال غير أن الإنسان يستطيع أن يصلح من أمر نفسه ويهذبها ويكتشف أبعادها.وعليه أن يتقبل نفسه كما هو بقصوره ومحدوديته ووحوده القصير فى هذه الدنيا. نحتاج إلى الشجاعة :شجاعة الوجود والتفكير وأن تكون ذواتنا التى هى نحن بطبيعتنا وألا نتحول إلى الماضى للقولبة والأفكار الجاهزة ولا نقبل بأن نصبح أدواتا وعبيدا نستخدم فى أنظمة شبه معقدة تحولنا إلى قطيع واحد متشابه ومبرمج ويخضع لأهداف لا تخدم وجوده الإنسانى.المجتمعات لا ترغب فى وجود أسود فيها بل تشجع على تربية الخراف السلسة والقابلة لأن تقاد بالسلاسل والحبال إلى الذبح بسهولة.والحياة ليست سعادة أو تعاسة أبدية فكل شىء يعبر وعلى الإنسان أن يتذكر فى أحلك ظروفه وأحسنها بأن هذا سوف يعبر أيضا.حين نتذكر ذلك لا يثقل علينا شىء بل نعيش اللحظة بكاملنا ونتجاوز ما يحدث لنا مدركين أن كل شىء يتغير طوال الوقت. إنها دائرة الحياة : أنت طفل اليوم ثم تصبح شابا وتكبر لتشيخ.أنت حى اليوم ,وستموت فى يوم ما.كل شىء يمضى فى التحول.لا شىء ثابت فلا تتشبث بشىء وتمتع بكونك حيا بكامل معنى الكلمة.كن نفسك وتعلم معالم الطريق عبر المشى فيه.إكتشفه لتكتشف نفسك ولا ترضخ لتعليمات الطريق الجاهزة.كل له طريقه وكل له مشيته ومشيئته فى هذه الدنيا.تستحق الحياة أن نحتفى بها وأن نحتفل ونفرح وأن نكون سعداء لا لسبب آخر سوى فرصة كوننا أحياء.الحياة ليست للنضال والصراع والتعب والإقتتال والطموح بل هى للتأمل والفرح والحياة للحياة يكفى فى حد ذاته. صيحات الأطفال فى حديقة حيوان الجيزة ,صيحات تشبه صيحات الحرية الأولى لأطفال فى مدينة ضخمة ومزدحمة جاءوا للبحث عن العشب والشجر والكائنات الأخرى التى تعيد لهم ذاكرة الحرية رغم أنها تشاهدهم من وراء قضبان الأقفاص.