في الصحافة التي تعبر عن شعبها، تتقدم قصة إنسانية لتحتل الصدارة، فالإنسان أغلى ما في الوجود، والفعل السياسي ليس كل شئ، وإنما مقياس نجاحه أو فشله ما يحدث في دنيا الناس، وعلى أرض الواقع. القصة الإنساية مقروءة جدا.. وقد اهتم بها القرآن الكريم، وأفرد لها صفحات بل سورا خاصة. إن رجلا بسيطا كفيفا كعبدالله بن أم مكتوم ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن انشغاله -صلى الله عليه وسلم- عنه بدعوة كبراء قريش كان حريا بأن يتم جذب الأنظار إليه، والتنبيه الإلهي إلى ضرورة إنصاف هذا الرجل في هذا الموقف، ومعاتبة الرسول الكريم في ذلك، في قرآن يتلى إلى قيام الساعة، يقدم الدليل على صدقه، وإنصافه. فقد خلد القرآن الكريم ذكر هذا الرجل البسيط، مشددا على الدلالة فيه.. فقال تعالى: "عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴿1﴾ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴿2﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴿3﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى" ﴿4﴾.(سورة "عبس"). وهذه امرأة تعاني من مشكلة مع زوجها، فتشكو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فتكون مثار تكريم الله تعالى لها، بوضعها في آية واحدة معه سبحانه، ورسوله الكريم.. قال تعالى: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير".(المجادلة:1). إن المصريين ليسوا أرقاما، فلكل واحد منهم -رجل أو امرأة- قصة إنسانية كبيرة. والصحافة الواعية هي التي تنقل تلك القصة، وتعكس آمال كل مواطن، وآلامه.. فما أعظم أن تكون الصحافة "صوت من لا صوت له". إن عشرات القصص تضيع كل يوم، برغم أنها تحتاج إلى من يستقصيها، ومن يقدم ما في ثناياها، ويكشف ما وراءها.. ذلك الشاب الذي فضل أن تكون نهايته بشنق نفسه على لوحة إعلانات بطريق الإسماعيلية، أو الآخر الذي فضل أن يشنق نفسه من شرفة منزله.. تلك كلها قصص إنسانية عظيمة، تحتاج إلى قلم صحفي ماهر، يسبر أغوارها، وضعها "دون رتوش" أمام الرأي العام.. بسياسييه ومثقفيه. كما أنه من القصص الإنسانية المهمة طرق موضوعات مثل: نقص ألبان الأطفال المدعومة، ومزلقانات الموت، والزحف العمراني على الأراضي الزراعية، والتعدى على النيل، وتفشي أي مرض غامض، وطوابير العلاج بعقار جديد، وتطلعات أصحاب المعاشات، وهموم الفئات المحرومة، وغيرها من الموضوعات التي تحتاج إلى اهتمام أكبر في الصحف، قياما بالدور الاجتماعي المطلوب منها. والأمر هكذا، نحتاج في مصر إلى كتاب متخصصين في القصة الإنسانية، فهي علم قائم بذاته، والحاجة ماسة لدورات متخصصة؛ لامتلاك أدواتها، فإن فائدتها تعم الجميع، وثمرتها تتحقق برقي المجتمع.