العلاقات الأوروبية المصرية مرت بمحطات كثيرة خلال الفترة الماضية، وتحديدا منذ نشوب ثورة 30 يونيو. وطالما أكدت الأحداث الحرجة التى يمر بها الشرق الاوسط حاجة الأوروبيين لمصر قوية ومستقرة لتكون نقطة توازن ضد انزلاق المنطقة فى غياهب المجهول. فى حوار ل »الأهرام« يستعرض الخبير الإيطالى باولو ماجرى مدير مركز ايسبى البحثى ما وصلت اليه العلاقات الثنائية. ويعد »ايسبي« الرافد البحثى الرئيسى المغذى للخارجية الإيطالية فى وقت تتولى فيه روما رئاسة الاتحاد الأوروبي.
18 شهرا مرت على نشوب ثورة 30 يونيو ضد الحكم الطائفى فى مصر، ما التغيير الذى تراه فى الموقف الأوروبى تجاه القاهرة؟ - بروكسل لديها مصلحة رئيسية فى وجود حكومة مصرية مستقرة، والتى من شأنها أن تكون وسيطا يمكن الاعتماد عليه فى محادثات السلام الاسرائيلية الفلسطينية، وحليفا قويا فى مكافحة الإرهاب، ومنع الهجرة غير الشرعية. لهذا تنظر أوروبا بإهتمام للنهج المصرى الجديد. بالاضافة الى ذلك، أوروبا مهتمة بشكل خاص فى خطط الإصلاح الإقتصادى والإستثمار التى أعلنتها الحكومة المصرية، حيث يجب أن تستعيد ثقة الشركات الأوروبية المهتمة بالاستثمار فى مصر. الاتحاد الأوروبى يبدو كأنه أدار ظهره للمتوسط، فى ظل غياب آلية ملموسة للمساعدة سواء فى مجال مكافحة الإرهاب أو حتى المجال الاقتصادي، كيف ترى ذلك؟ - بالطبع الاتحاد الأوروبى أضاع فرصا عديدة للعب دور قيادى فى المنطقة. ومع ذلك فمن غير العدل إلقاء اللوم على الاتحاد بأنه أدار ظهره لمنطقة المتوسط، فأوروبا تظل الشريك التجارى الرئيسى لدول المتوسط، والممول السخى للاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلا عن المساعدات المالية. أما حول الإرهاب، فيجب فعل المزيد. الاتحاد الأوروبى لايزال يفتقر الى الإمكانات و الآليات للاستجابة، ودمج نواحيها السياسية والاقتصادية والمخابراتية. وذلك رغم إتخاذ خطوات مهمة للتعامل مع التهديد الإرهابى وزيادة التعاون خلال الأشهر القليلة الماضية. الجنرال عبد الرازق الناظورى رئيس هيئة أركان الجيش الليبى اتهم الغرب مؤخرا بأنه لايبدو راغبا فى التعامل مع الوضع بجدية فى ليبيا، هل توافق؟ - على العكس، فالغرب قلق للغاية إزاء مستقبل هذه البلاد. لكن فى ليبيا، جميع القوى اللاعبة تقدم نفسها، بحجج مختلفة، على أنها الممثل الشرعى »الوحيد« للبلاد. وجميعهم يزعمون الشرعية لأسباب مختلفة (إما نتائج الإنتخابات، أو الثورة، أو الإسلام، أو مكافحة الإرهاب..إلخ). من الضرورى إعادة بناء شرعية جديدة للبلاد وأوروبا بإمكانها لعب دور مهم فى ذلك. القلق حول وقوع ليبيا فى يد المتطرفين الإسلاميين يمثل قيدا ثقيلا على التحركات السياسية والدبلوماسية للأطراف المؤثرة بقوة فى القدرة على إيجاد نقطة توازن بين القوى فى ليبيا. عمليا، من الصعب للغاية التوفيق بين وقف إطلاق النار مع بدء حوار بين الأحزاب، فى الوقت نفسه الذى تحتوى فيه التهديد الجهادي. حلف الأطلنطى (الناتو) دمر 90% من قدرات الجيش الليبى أثناء القتال ضد القذافي. هل تعتقد أنه كان قرارا ضروريا؟ - الخطأ كان فى تسليح الميلشيات المتعددة. لقد خلقنا نوعا من طالبان جديدة. ومع ذلك، الفترة الحرجة للغاية التى تمر بها ليبيا منذ شهور لها أسباب عميقة وجذور بعيدة. وتتراوح ما بين ضعف الهوية الوطنية الليبية، وحتى إرث الحرب الأهلية فى عام 2011، التى لم تنته بسقوط نظام القذافى وقتله. التحالف الدولى ضد داعش يبدو أنه يتحرك بشكل انتقائي، يظهر دعما قويا لمدينةعين العرب (كوباني)، بينما يتجاهل الأنبار فى العراق، لماذا فى رأيك؟ - استهداف كوبانى أسهل بكثير من مهاجمة الأنبار. فالأخيرة أكبر بكثير (مساحتها تبلغ نحو ثلث الأراضى العراقية) وشهدت تواجدا مستمرا لداعش منذ عام 2013 على الأقل. والسكان المحليون للأنبار (من العرب السنة) ليسوا معارضين بشكل كامل لداعش. بالطبع هناك قبائل ومدن تعارض داعش، لكن معظم مناطق الأنبار تخضع لنفوذ المتطرفين. على الجانب الآخر، كوبانى مدينة تسيطر عليها الميليشيات الكرديةالتى تتمتع بدعم محلى واسع. الوحدة الكردية فى الدفاع عن كوبانى أثبتت أنها أحد عوامل مواجهة هجمات داعش. هل تعتقد أن المفاوضات النووية بين إيران و الغرب ستتضمن صفقة فى الشرق الأوسط؟ ما ملامحها؟ - من الصعب للغاية القول بذلك فالمسئولون الأمريكيون نفوا بشكل متوالى وجود صفقة كبيرة على الطاولة. من المطلوب أن يكون هناك حل إيرانى سعودى - أمريكى للصراع فى سوريا. السيناريو الأكثر احتمالا حاليا هو إبرام اتفاق يمثل آلية أولى لبناء الثقة، كخطوة أولية تجاه تعاون مستقبلى حول القضايا الأمنية. هل تعتقد أن الحدود ستتغير فى المنطقة؟ كيف ستبدو؟ - الأزمات الإقليمية تتحدى وجود الدول والحدود كما تم إنشاؤها عقب الحرب العالمية الأولي. من غير المستبعد أن ينتج عن الاضطراب الراهن فى الشرق الأوسط تفكك بعض الدول تحت تأثير القوى الانقسامية الإثنية-الطائفية أو القبلية. هذا السيناريو قد يحدث فى ليبيا وسورياوالعراق. لو أن هذه الدول انفجرت فسنشهد منطقة تتسم بتزايد التشرذم وعدم الإستقرار. ألا تعتقد أن التسليح الزائد للأكراد سيؤثر على استقرار المنطقة؟ - قرار تسليح الأكراد لمحاربة داعش كان الخيار الوحيد على الطاولة أمام أوروبا والولاياتالمتحدة، بالنظر الى إستراتيجية أوباما للقيادة من الخلف، وعدم الرغبة الأوروبية للدخول فى مواجهة عسكرية مباشرة. يجب ألا نقلل من مخاطر النشاط الكردى فى المنطقة- فلايزال حزب العمال الكردستانى على قائمة المنظمات الإرهابية. لكن فى الوقت نفسه، لاتمثل الحركات الانفصالية الكردية تهديدا كبيرا للمصالح الإستراتيجية فى المنطقة. لهذا جاء قرار تسليح البشمركة بتوافق عام بين الدول الأوروبية. الرأى العام فى العالم العربى ينتقد الاتحاد الأوروبى لاتباعه الخطط الأمريكية فى المنطقة، رغم أن أوروبا أقرب جغرافيا، وأكثر عرضة للتداعيات، ما رأيك؟ - لماذا لا نعتبر ضعف الدور الأوروبى حول بعض القضايا أو غياب عملها السياسى الملموس كدليل على السلبية الأوروبية فى مواجهة الولاياتالمتحدة. فى الواقع، موقف الاتحاد الأوروبى فى المنطقة لم يكن متقاربا دائما مع سياسة واشنطن. المشكلة الحقيقية أن الدول أعضاء الاتحاد تواجه صعوبات فى تحديد سياسة مشتركة تجاه الشرق الأوسط. ومع ذلك، نطاق قدرة الاتحاد تجاه المنطقة من خلال القوى الناعمة و العلاقات الاقتصادية والمساعدات الإنسانية أكبر من حدود الدبلوماسية.