تحولت ظاهرة انتشار التنظيمات المسلحة فى الشرق الأوسط إلى مصدر قلق للمنطقة واستقرارها على وجه الخصوص ومصدر قلق للعالم أجمع بشكل عام . فخلال العقود الأخيرة ظهرت فى المنطقة منظمات وجماعات مسلحة من غير الدول يتم دعمها من أطراف خارجية تحرص على أن تظل "غير معلومة" وبوسائل "غير مشروعة". وتمكنت تلك القوى المسلحة الجديدة بعد تدعيمها من الحصول على أدوار فى المنطقة إلى درجة جعلت بعضها يقوم بدور اللاعب المؤثر على المستوى المحلى والإقليمى، ويُستعان بها للقيام بأدوار الحرب بالوكالة خاصة وأنها غالبا ما تتجاهل الالتزام بمبادئ القانون الدولى ولا تتعامل من منطلقات الشرف العسكرى الذى تلتزم به الجيوش النظامية للدول . وكانت دراسة منشورة بصحيفة "بيزنس إنسايدر" الأمريكية قد ألقت الضوء على إحصائية عن أقوى الجيوش فى منطقة الشرق الأوسط. وصنفت الدراسة أقوى 15 جيشا فى منطقة الشرق الأوسط على أساس بحث مستقل لقدراتها العملية ومعداتها بالإضافة لآراء بعض الخبراء. وقد ركزت الدراسة على تأثير الواقع الجيوسياسى المضطرب فى المنطقة على القوى العسكرية للدول، وبالتحديد الحرب الأهلية فى سوريا والصراع الإقليمى بين القوتين السنية والشيعية ، والثورات الاجتماعية التى اجتاحت العديد من العواصم العربية فى السنوات الأخيرة . ووفق الفكر التقليدى ، فإن الدراسة كان من المفترض أن تقتصر على الجيوش النظامية لدول المنطقة وتصنيفها من حيث القوة والقدرة، ولكن الواقع الجديد للمنطقة وظهور لاعبين من غير الدول ممثلين فى التنظيمات والميليشيات المسلحة ذات التأثير الفعلى على موازين القوى فى الشرق الأوسط، أجبر واضعى الدراسة على كتابتها من جزءين. الأول منها يتعلق بالجيوش النظامية للدول، أما الثانى فتم تخصيصه للقوى المسلحة الفاعلة من "غير الدول". فتحت عنوان "الجيوش التى لا تنتمى لدول الشرق الأوسط" تم تصنيف 7 قوى مسلحة جديدة فى المنطقة وهى كما يلى: 1- تنظيم الدولة الإسلامية (داعش): وقدرت الدراسة ثروة التنظيم ب 3 ملايين دولار يوميا وتتراوح قوته البشرية بين 10 آلاف و30 ألف مقاتل من المنطقة العربية وخارجها. وتمت الإشارة إلى امتلاك التنظيم السيارات المدرعة وقاذفات الصواريخ الخفيفة المحمولة على الكتف مع شكوك حول إمكانية امتلاكه صواريخ سكود ! . و"رسميا" يدعى التنظيم عدم وجود حلفاء له، ولكن على النقيض، فقد تدفقت على التنظيم مساعدات مالية وعسكرية واضحة ، كما يتم تغذيته بمقاتلين من الدول العربية وآسيا الوسطى وأوروبا! وقد ظهر التنظيم فعليا بشكله الحالى فى عام 2012 فقط . وفى غضون عام واحد فقط كان التنظيم قد سيطر بالقوة المسلحة على مساحات واسعة فى كل سورياوالعراق وانسحبت من أمامه التنظيمات المسلحة مثل القاعدة . وحاليا يقاتل التنظيم ضد : الجيش السورى والجيش العراقى وعناصر تابعة للحرس الثورى الإيرانى ، كما يقاتل ضد قوات البشمركة الكردية والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بالإضافة إلى عدد من الميليشيات العراقية ، وفوق كل ما سبق يقاتل التنظيم حاليا ضد تحالف دولى بزعامة الولاياتالمتحدة ! 2- حزب الله اللبنانى: قدرت الدراسة ثروته ب 200 مليون دولار، وأكدت حصول التنظيم على دعم مباشر من إيران. وتم تقدير القوة البشرية القتالية لحزب الله ب 20 إلى 30 ألف مقاتل. ويمتلك "الحزب" صواريخ متوسطة المدى وطائرات دون طيار. وقد ظهر حزب الله فى بداية الثمانينيات بدعم من إيران. وكان من المفترض أن يتم نزع سلاح الحزب وفق اتفاق الطائف عام 1989، ولكن الحزب حافظ على قوته العسكرية بدعم من سورياوإيران. ويسعى حاليا إلى خدمة المصالح الإيرانية والسورية والشيعية فى المنطقة ، والقيام بدور قوة طليعية على خط المواجهة ضد إسرائيل . وقد تم اكتشاف خلايا سرية تابعة للحزب فى خمس قارات بما يمكن الحزب من توجيه ضربات فى دول بعيدة . - حماس (قطاع غزة): تتراوح قوته البشرية المقاتلة بين 8 آلاف و20 ألف مقاتل. يمتلك صواريخ متوسطة المدى وأنفاقا ومهاجمين انتحاريين. ظلت حماس تحكم غزة بشكل فعلى ومنفرد لمدة 7 سنوات قبل اتفاق تقاسم السلطة مع السلطة الوطنية. وتضم قائمة الداعمين الرسميين كل من قطر وتركيا وإيران . لدى حماس شبكة دولية لجلب السلاح . وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التى لحقت بترسانتها خلال الصراع الأخير مع إسرائيل وتدمير كم كبير من الأنفاق ومصرع كثير من مقاتليها، إلا أنها مازالت تحتفظ بقدر من قوتها. 4- تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية : يعد مصدر التمويل "مجهولا"، إلا أنها تعتمد على المبالغ التى تحصل عليها مقابل إطلاق سراح رهائن تحتفظ بهم . ويحظى التنظيم بدعم مختلف الفصائل والتنظيمات الفرعية للقاعدة ومختلف التنظيمات الحليفة لها. ولدى التنظيم ما يقدر بألف مقاتل. يهتم التنظيم بتهديد أهداف ومصالح أمريكية. وينشط التنظيم فى المناطق الوعرة باليمن. 5- جبهة النصرة (سوريا): تحظى بدعم تنظيم القاعدة وأتباعه ويثور اعتقاد حول حصوله على دعم تركى. وتتراوح أعداد مقاتليه بين 5 و6 آلاف مقاتل. وتعمل جبهة النصرة فى الأراضى السورية تحت راية العمل الجهادى المضاد لنظام بشار الأسد. وهو تنظيم متعاون مع القاعدة. 6- الحوثيون (اليمن): يعتنقون المذهب الشيعى ويميلون إلى إيران ويقدر عدد المقاتلين بعشرات الآلاف. يعمل هذا التنظيم فى اليمن حيث ينشط فى المناطق التابعة له عند الحدود الشمالية الشرقية للبلاد. وقد نجح الحوثيون فى مواجهة الجيش اليمنى على مدار سنوات قبل أن يجتاحوا العاصمة اليمنية وعدة مدن رئيسية عام 2014 . ويخوض الحوثيون بعض المعارك ضد القاعدة فى اليمن. 7- البشمركة الكردية (العراق): تحظى البشمركة بدعم أمريكى وإيرانى بالإضافة إلى الدعم التركى فى بعض الأحيان. ولديها بين 80 و100 ألف مقاتل. ويعد البشمركة المتمركزون فى كردستان العراق قوة لا يُستهان بها فى المنطقة ؛ حيث قاتلت ميليشياتها ضد صدام حسين لمدة عقد من الزمان ، وقامت بتأمين سلامة ووحدة شمال العراق بعد الغزو الأمريكى للعراق . واليوم تحصل البشمركة على تدريب أمريكى وأسلحة إيرانية وروسية ، وتخوض قتالا مباشرا ضد "داعش". وبفضل التعاون مع التحالف الدولى، تمكنت البشمركة من تأمين سد الموصل ومدينة كركوك. وهكذا وفرت حالة السيولة التى تجتاح الشرق الأوسط البيئة الخصبة لنمو "جيوش بلا دول" لتخدم مصالح خاصة بها تتعارض فى كثير من الأحيان مع مصالح الدول التى تعمل على أراضيها وسط حالة من إعلاء الهويات "ما دون وطنية" على حساب الهويات الوطنية. ويدعم هذا الوضع مخططات ومساعى بعض القوى الخارجية (إقليمية ودولية) راغبة فى رسم خريطة سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية جديدة فى المنطقة لخدمة مصالحها خلال السنوات المقبلة بغض النظر عن مدى الضرر الذى سيلحق بالشرق الأوسط وشعوبه من جراء تلك المخططات .