مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط، رسم بروز دور كل من تنظيم القاعدة وحزب الله فى الصراع الدائر حاليا فى سوريا ، ملامح قاتمة لسيناريوهات المشهد الدامى تكاد تكون متطابقة مع الحالة العراقية، مما ينذر ببداية حرب بالوكالة وقودها التنظيمات المسلحة السنية والشيعية، خاصة مع ما يبدو من اقتراب رحيل نظام بشار الأسد. وفيما تتسابق القوى الخارجية ذات المصالح الإستراتيجية في دعمها لأطراف النزاع السورى، تتصاعد المخاوف حول مستقبل البلاد فى ظل تنامى الدعم المسلح سواء لقوى المعارضة المعترف بها أو المجموعات المسلحة السنية أو الميليشيات الشيعية وعلى رأسها "حزب الله" بفرعيه اللبنانى والعراقي. وجاء المثال الأخير على ذلك في محاولة تنظيم القاعدة وضع بصمته بشكل واضح على ما تقوم به "جبهة النصرة " في سوريا، وتشجيعها للدفع باتجاه إعادة إنتاج نموذج "الدولة الإسلامية" هناك،على غرار "دولة العراق الإسلامية" التى سيطرت على مقدرات الأمور فى بلاد الرافدين خلال سنوات الحرب الطائفية. ويكرس هذا التداخل السني ممثلا فى تنظيم القاعدة والشيعى ممثلا فى حزب الله ، وضعا شديد التعقيد فى سوريا سواء إنهار نظام بشار الأسد تماما ، أو إنزوى فى المناطق ذات الأغلبية العلوية " النصيرية " ليكون نواة لدويلة شيعية ، وهو الوضع الذى لن تسلم منه المجموعات المسلحة الأخرى من الفريقين التى قد تبدو أكثر إعتدالا لكنها عمليا تعد جزءا من الصراع . وتنذر تلك الأوضاع المعقدة في سوريا بنشوب حرب بالوكالة بين العالم الغربي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية من ناحية، وبين تنظيم القاعدة العالمي من ناحية أخرى، فيما تحجز إيرن لها موقعا متميزا فى خلفية المشهد المحتدم ، لتحصد المكاسب التى تعوضها عن خسارة قاعدة هامة لها فى خطوط المواجهة الأمامية مع إسرائيل ، وهو ما يطيل من عمر الصراع على شاكلة ما يجرى بالعراق حاليا . ومن خلال مقاربة بين الوضع بالعراق والوضع السورى حاليا ، فإن دعوة أيمن الظواهري، الذي خَلَف أسامة بن لادن في زعامة تنظيم القاعدة ، الجهاديين في سوريا للعمل من أجل إقامة " دولة إسلامية " تكون هي حجر الأساس للخلافة التي يمكن توسيع نطاقها في المنطقة ، ما هى إلا إعادة رتيبة لسيناريو " العراق 2006 " ، عندما تم الإعلان عن قيام ما عرف باسم " دولة العراق الإسلامية ". حيث أعلن تنظيم القاعدة في العراق عقب دعوة الظواهرى " أن جبهة النصرة كانت إحدى أفرع التنظيم، وأن الجبهتين ستنضمان لبعضهما البعض لتكوّنا دولة إسلامية واحدة في العراق والشام "، رغم تحفظ مجموعات إسلامية مسلحة أخرى على اعلان جبهة النصرة مبايعتها الظواهري وتوجيهها للمرة الاولى انتقادات علنية للتنظيم. ويبدو أن إنتقادات جبهة تحرير سوريا الاسلامية لموقف "جبهة النصرة" لن يغير من الأمر شيئا، فإذا ما نجح الجهاديون في استعادة موقعهم المتقدم في سوريا حال رحيل بشار الأسد ، فأنه من الممكن نشوء اتحاد غير رسمي بين المناطق السُّنِّية غربي العراق ودولة سوريا التي تهيمن عليها الطائفة السُّنِّية، حيث إن المنطقة تنزلق نحو تقسيمات عرقية بدأت ملامحها تلوح في الأفق. وتضم الجبهة نحو عشرين لواء وكتيبة ومجموعة اسلامية ممثلة في القيادة العسكرية العليا للجيش الحر، ومن ابرزها لواء التوحيد ولواء الاسلام والوية صقور الشام وكتائب الفاروق التي تعتبر من ابرز المجموعات المقاتلة ضد النظام. ومن خلال إستعراض دورة نشوء "دولة العراق الإسلامية" وإستراتيجيتها بالعراق التى أدت إلى إشتعال حرب طائفية مازال العراق يعانى منها حتى اليوم ، يمكن رسم صورة أكثر وضوحا لسيناريوهات الأوضاع فى سوريا خلال الفترة القادمة ، وكيفية إحتدام الصراع ليتحول إلى حرب بالوكالة ذات صبغة طائفية بين السنة والشيعة. فقد تم الإعلان عن قيام " دولة العراق الإسلامية " فى العاشر من أكتوبر عام 2006 من قبل عدد من الفصائل السنية المسلحة في العراق ، وهي تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وجيش الطائفة المنصورة وجيش أهل السنة والجماعة وجماعة جند الصحابة ، بالإضافة إلى سرايا الجهاد الإسلامي وسرايا فرسان التوحيد وسرايا ملة إبراهيم وكتائب كردستان وكتائب المرابطين وكتائب أنصار التوحيد وكتائب أنصار التوحيد والسنة وكتائب الأهوال وكتائب الغرباء. كما ضمت بعض الفصائل بشكل جزئي من بينها جيش الفاتحين وكتائب من الجيش الإسلامي وكتائب من أنصار السنة ، وكتائب من جيش المجاهدين وكتائب من ثورة العشرين وكتائب من عصائب العراق الجهادية ، بالإضافة إلى كتائب من جيش أبي بكر الصديق السلفي وعدد كبير من العشائر السنية العراقية وبايعت أبو عمر البغدادي أميرا لها. وكان من أهداف " دولة العراق الإسلامية " على حد أدبياتها المنشورة ، إحياء روح الجهاد والنهوض بالأمة الإسلامية ، وتوحيدها تحت راية واحدة ومقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق وكل من يعاون الاحتلال الأمريكي . كما تبنت محاربة بعض المليشيات في العراق لأنهم يساندون القوات الأمريكية ، وتتزعم مقاومة وقتال الحكومة العراقية المعينة من قبل أمريكا وتعتبرها حكومة "ردة وكفر" وكل من ينخرط في النظام العراقي ويساند مشروع أمريكا لإقامة دولة في العراق من قبل أمريكا فهو عدو لها. وكان من أيدلوجيات الدولة الإسلامية أيضا استهداف المصالح الأمريكية في أي مكان في العالم ، ومحاولة تحميلها أكبر قدر من الخسائر ، فيما تسعى لإقامة خلافة إسلامية على منهج ومعتقد أهل السنة والجماعة ، وأيدلوجيتها كما هو تنظيم القاعدة. وشكلت " دولة العراق الإسلامية " جيشا ذى نفوذ كبير في العراق دون منازع ، وقد بايعها بالسمع والطاعة وانضم لصفوفها الكثير من عشائر وقبائل العراق وخصوصا العشائر والقبائل في إقليم الأنبار ، ووجدت الترحيب والدعم من قبل الكثيرين من أفراد الشعب العراقي السني على الرغم أن بعضهم كان يتبع لجماعة أو فصيلة أخرى مقاتلة . وإعتمدت " دولة العراق الإسلامية " على فرض نفوذها بالقوة ، ولهذا نفذت عمليات إغتيال لشيوخ العشائر الذين يرفضون الانصياع لهم ، وقامت بمعارك مواجهة مخطط لها مع تنظيمات "سنية " أخرى مثل الجيش الإسلامي في العراق ، وكتائب ثورة العشرين ومع جبهة الجهاد والإصلاح. وأدت سياسة الدولة الإسلامية في العراق إلى بروز العنف الطائفي والعرقي ، ومساندة تقسيم البلاد وخلق الانشقاق داخل المقاومة ، وأصبح شيوخ العشائر المهددين من قبل القاعدة ، متعاونين مع الأمريكان. وفي مايو عام 2007 ظهر على السطح ضمن سلسلة تنظيمات القاعدة وفروعها المعتمدة في المنطقة مثل " القاعدة فى الجزيرة العربية ، تنظيم جديد أطلق على نفسه اسم "تنظيم القاعدة في بلاد الشام"، كان يقوده العراقي المقيم في سورية "علاء المختار" ، وهدد هذا التنظيم باستهداف المسيحيين في لبنان على خلفية القتال الذى دار بين الجيش اللبناني ومنظمة "فتح الإسلام" في مخيم "نهر البارد " . فيما دعت "جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الشام" وهي تنظيم آخر ينتمي إلى القاعدة، السوريين في رسالة من أميرها "أبو جندل الدمشقي" إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد ، و"مسح حزب البعث من تاريخ سوريا ". ولعل الغريب فى الأمر هنا هو ما كشفت عنه التحقيقات مع عدد من المعتقلين المنتمين للقاعدة في العراق، وهو أنهم تلقوا تدريبات في معسكرات بإيران، وأن آخرين تلقوا تدريباتهم في العراق نفسه على أيدي قياديين في القاعدة سبق لهم أن عملوا في إيران. وأشارت المصادر الاستخبارية إلى أن عدداً من المعتقلين السعوديين في العراق المنتمين لما يعرف ب "الدولة الإسلامية " ، اعترفوا بأنهم تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات يشرف عليها عناصر من " فيلق القدس " ، وهو الذراع الاستخباراتي لحرس الثورة الإيراني. وتعززت تلك المعلومات باعترافات سعوديين آخرين منتمين للقاعدة اعتقلوا في بلاد أخرى، أكدوا الأمر نفسه وذكروا أن التدريبات كانت على أيدي عناصر من القاعدة في هذه المعسكرات بإشراف عناصر من هذا الفيلق متواجدة على الأراضي العراقية، وأن الذين يدربونهم من عناصر القاعدة كانوا قد أتموا تدريباتهم في معسكرات على الأراضي الإيرانية. وتؤشر تلك المعلومات وغيرها من التسريبات - حول إحتضان إيران لعناصر القاعدة الذين فروا بعد سقوط نظام طالبان فى أفغانستان، إلى أن تنظيم القاعدة الذى يمثل أقصى درجات التشدد فى " السلفية الجهادية " يمكن أن يخوض حربا بالوكالة لصالح إيران "الشيعية"، رغم العداء الأيديولوجى بين الجانبين. وتشير التقارير إلى أن الإيرانيين يمولون ميليشات محلية سورية يطلق عليها اسم اللجان الشعبية، وهي ميليشيات منفصلة عن شبكة ميليشيات "الشبيحة"، حيث يرون أن تلك الميليشيات يمكن للنظام السوري الاعتماد عليها إذا ما سقط واضطر للانسحاب نحو المناطق التي يسيطر عليها العلويون فى الجبل ومنطقة الساحل الشمالي الغربي. فيما تؤكد المعلومات الواردة من سوريا أن عناصر حزب الله في لبنان وفصيل حزب الله في العراق، إضافة إلى الفصائل الشيعية الأخرى في العراق القريبة من إيران،يشاركون في القتال على الأرض حماية لما يعتبرونه مقدسات شيعية . حيث شارك المئات من عناصر تلك التنظيمات الشيعية في قتال الثوار قرب ضريح السيدة زينب الذي يقع على الحدود الجنوبية من العاصمة السورية دمشق، إضافة إلى القرى ذات الغالبية العلوية في محافظة حمص . وأكدت كتائب حزب الله في العراق مؤخرا مصرع عدد من مقاتليها داخل الأراضي السورية، وأقامت لهم " مجلس عزاء أسطورى باعتبارهم " شهداء"، كما أعلن حزب الله مقتل قياديين فيه " خلال واجب جهادى فى سوريا ". وفي الوقت نفسه، تواردت أنباء حول مساهمة الأمريكيين في تدريب عناصر الجيش السوري الحر في الأردن وإرسالهم عبر الحدود إلى جنوب سوريا، حيث يتمتع مقاتلوا المعارضة بأسلحة مضادة للطائرات ومضادة للمدرعات أكثر تطورا، حيث بدأوا في إحراز انتصارات أكبر مقارنة بما يحدث في الأطراف الشمالية من البلاد. وتبدو الترجمة العملية على الأرض لهذا التطور التسليحى الكبير ، فى إعلان المعارضة أن قواتها قصفت مواقع لحزب الله اللبناني داخل سوريا ولبنان ، بعد المشاركة الواسعة لقوات الحزب في العمليات العسكرية إلى جانب قوات بشار الأسد في منطقة القصير بمحافظة حمص . وفى إشارة صريحة إلى إحتمالات إشتعال تلك المناطق وتعرضها لعمليات قصف مكثفة خلال الفترة القادمة ، نصح مسلحو الجيش السورى الحر اللبنانيين الذين يعيشون قرب مواقع حزب الله في لبنان وسوريا أن يبتعدوا عن هذه المواقع ، حيث قتل شخصان وجرح 4 في سقوط قذائف على منطقتين ذات غالبية شيعية شرق لبنان على الحدود مع سوريا . ومع إدراكها لتخوف الغرب من دعم الجيش السوري الحر بأنواع متطورة وفتاكة من الأسلحة وأن تقع تلك الأسلحة في أيدي الأصوليين، يمكن أن تكون القاعدة قد قررت عن عمد إبداء دعمها للمعارضة وذلك لوقف المد الغربي بالسلاح، ومن ثم الحفاظ على تصدر الجهاديين للمشهد على الأرض. وفيما يبدو أن الصراع بين الأصوليين وغيرهم من قوى المعارضة في سوريا ، يرتبط بشكل أكبر باقتراب حدوث تغيير في النظام السوري ، فان ذلك يجعل إيران أكثر حرصا على دعم مجموعات متشددة من التنظيمات السنية المسلحة كما فعلت بالعراق ، مما يعزز فرضية أن يزداد النزاع تعقيدا ويستمر في ذلك لفترة قد تصبح طويلة. وفى ظل ما تعيشه سوريا حاليا من وضع مهترىء طغت عليه مشاهد القتلً خارج القانون، والاعتقالات العشوائية والاختفاء القسري للمعارضن ، ناهيك عما تشهده المنطقة العربية من انقسامات حادة بين دولها فى التعاطى مع الأزمة السورية المشتعلة ، بين من يرون ضرورة إنهاء نظام بشار الأسد ومن يريدون تغييره من الداخل أو إعادة تدوير الأزمة وإدارتها بشكل تصبح فيه الأرض أقل دموية ، فإن الأوضاع هناك يمكن أن تبقى طويلا بلا حلول . ومن المؤكد أن استمرار الأزمة السورية بلا حل ، يجعل من اللاعبين الإقلميين والدوليين جزءاً من المشكلة بدلا من ان يكونوا أداة للحل ، وهو ما بدا واضحا فى الموقف الروسى والصينى فى مجلس الأمن . وفى ظل هذا المشهد الدموى شديد التعقيد ، واستمرار إنقسام القوى الغربية وترددها إزاء ما يمكنهم القيام به للتوصل إلى حل مقبول للخروج من تلك الأزمة ، فإن الأوضاع فى سوريا باتت قاب قوسين أو أدنى من النموذج العراقى المشتعل. وليس ثمة شك فى أن المخاوف من عرقنة الصراع السورى ، يعتبر أحد أهم الأسباب التى تجعل الأمريكيين وحلفاءهم مترددين في إتخاذ مواقف قد تدفع بقوة تجاه "حرب بالوكالة" ، سوف يكون وقودها المسلحون من السنة والشيعة ، وهى الحرب التى لن يتوقف أثرها على حدود سوريا أو لبنان فقط ، وإنما سوف تمتد آثارها لتشعل المنطقة وربما العالم بالكامل.