قبل السادس من أكتوبر عام 1973 كانت قوة العدوان هى صاحبة الكلمة فى الميدان وكان منهج القدرة على فرض الأمر الواقع بالقوة هو المنهج الذى تتعامل به إسرائيل مع الأمة العربية اعتمادا على ما تحقق لها فى عدوان يونيو 1967! كانت أوهام القوة والتفوق تسيطر على إسرائيل وتدفع بها نحو غرور غير مسبوق يتمثل فى استعراض لأدوات القوة والردع لكى تزرع فى النفوس العربية خوفا ويأسا وإحباطا يشل العقل والإرادة عن مجرد التفكير فى تحدى هذه القوة أو التجرؤ على مناطحتها... بل إن الأوضاع الميدانية بعد توقف حرب الاستنزاف ورحيل الرئيس جمال عبدالناصر خصوصا على جبهة قناة السويس كانت توحى للمجتمع الدولى بأن أى تفكير فى تحدى الأمر الواقع والسعى إلى تغييره بالقوة من جانب مصر سوف يكون مغامرة غير مأمونة لأنه بمثابة استعجال للدخول فى مقامرة انتحارية لن تؤدى إلى زحزحة إسرائيل من سيناء وإبعادها عن حافة قناة السويس وإنما قد تكلف مصر ثمنا باهظا بأكثر مما تكلفته فى حرب يونيو 1967. ولعل ذلك هو ما يفسر عمق وحجم الصدمة التى أصابت أمريكا بعد أن تأكدت من نجاح عملية العبور المصرية لقناة السويس ظهر السادس من أكتوبر ففى اليوم التالى مباشرة الأحد 7 أكتوبر 1973 التقى الرئيس الأمريكى نيكسون بعدد من وزراء الخارجية العرب وقال لهم بالحرف الواحد: «إن أمريكا سوف تساعد إسرائيل عسكريا وسياسيا إلى آخر مدى»... والحقيقة أن نيكسون لم يكن يعبر عن رأيه الشخصى ولكنه وبرغم كراهية اللوبى الصهيونى له كان يعكس وجهة النظر الأمريكية وثوابتها إزاء منطقة الشرق الأوسط وقد ظهر ذلك بوضوح فى محادثات الكيلو 101 التى أعقبت وقف إطلاق النار فى 24 أكتوبر بأسابيع قليلة وفى اتفاق النقاط الست وكذا اتفاقيتا فك الاشتباك الأولى والثانية رغم مقاومة الرئيس السادات الشديدة للضغوط المزدوجة من جانب هنرى كيسنجر وجولدامائير وهو أمر مازلنا نلمسه مستمرا وبذات القوة وفجاجة الانحياز حتى اليوم وبما يؤكد أن إسرائيل هى الرقم الصعب والأهم لواشنطن فى هذه المنطقة الحيوية من العالم.. وغدا نواصل الحديث [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله