اعتادت السينما الهوليوودية فى معظم أفلامها على تقديم صورة البطل وكأنه الرجل الخارق القادر على مواجهة كافة الكوارث التي تحدث فى العالم, ورأينا ذلك فى أفلام كثيرة كيف أن رجلا أمريكيا واحدا يتحدي أعتي العواصف الثلجية التى تجمد العالم كله, أو أنه الوحيد الذي ينجو من فيروس قاتل يصيب البشرية كلها فيودي بحياة أى كائن يعيش على وجه الأرض. غير أن تلك الصورة " الخرافية" التى اعتاد الغرب على تصديرها لدول العالم، خاصة الثالث لفرض حقيقة واهية، مفادها أن المواطن الأمريكي ليس له مثيل فى العالم وأنه الوحيد الذي لديه الحل لكل المشاكلات, تكشّف زيفها جزئيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001, غير أن 2014 كانت كفيلة بفضح ضعف الحكومات الغربية، وخاصة الأمريكية فى تقمص دور "المخلّص", والسبب يتلخص فى كلمتين: إيبولا وداعش!. فقد لفتت صحيفة "الجارديان" البريطانية إلى أن العالم ينظر اليوم إلى تنظيم "داعش" وفيروس "إيبولا" على أنهما الخطر الداهم الذي يهدد الجميع، مشيرة إلى أن الغرب لم يتنبه إلى خطورة داعش عندما كان يقتل العراقيين، وإستمرت أمريكا فى تجاهلها "المتعمد" حتي وهي تري وحشية الإعدامات الجماعية فى سورياوالعراق على شاشات التليفزيون ومواقع التواصل الإجتماعي, ولكن عندما بدأ التنظيم يحصد رؤوس رهائن وصحفيين أمريكيين مثل جيمس فولى وديفيد هاينز, سرعان ما تحول هذا التجاهل إلى صيغة تهديد ووعيد, وباتت أمريكا مستعدة لأن تسير جيوشها لوقف زحف هذا التنظيم, كذلك الأمر بالنسبة لفيروس "إيبولا" الذي كان يعد شأنا إفريقيا بحتا عندما كان ضحاياه من ذوي البشرة السمراء، ولكنه أصبح محط أنظار العالم بمجرد أن غزت جرثومته القاتلة أماكن نستطيع أن نجدها على الخريطة مثل مدريد ودالاس, فالفيروس ليس جديدا, حيث، أن أول ظهور وبائي له سجل عام 1976. لاشك أن إيبولا وداعش باتا يشكلان جنبا إلى جنب «فكي كماشة» على رقبة حكومات العالم لما يثيرانه من رعب على المجتمع الغربي والعالم أجمع من ناحية طريقة الانتشار والتوسع الجغرافي, ولكن التشابه الأكبر بين الحالتين هي حالة العجز في مواجهتهما, فالولايات المتحدة، الدولة الأكثر تسلحا في تاريخ البشرية، وأقوى قوة كما يصورون أنفسهم، والتي تستثمر في الأسلحة أكثر مما يصرفه أعلى عشر دول في العالم مجتمعة. تلك الدولة ومعها خمس دول أوروبية وأصدقاؤها من الخليج العربي، يقصفون داعش من الجو دون تأثير واقعي, لا أحد يذكر انتصارا على داعش, الجميع يتكلمون فقط عن احتوائهم, ثم أنه من البداية أعلن الخبراء العسكريون أن الهجمات الجوية لن تفي بالغرض وفيها ثغرات واضحة، وأن نتيجتها على الأرجح أن مسلحي داعش سيتغلغلون بين أفراد الشعب المدنيين، وأن الغارات الجوية تنتهي بقتل الأبرياء وليس أفراد المجاهدين، بل ستزيد من أعداد المتعاطفين مع داعش. وفيما يخص الرغبة البريطانية والأوروبية في ضرب "داعش" في العراق وحدها دون التوغل فى سوريا, فلا شك أن تلك الرغبة تتصف بالقليل من المنطق والجدوى، ذلك أن الواقع السياسي - بالنظر إلى تصويت البرلمان البريطاني العام الماضي ضد القيام بعمل عسكري فى سوريا - يعني أنه يستطيع العمل في منطقة وإنما ليس في الأخرى. ويدرك الساسة جيدا أن داعش تعمل فى البلدين ولكن بريطانيا أرادتها موقع حرب واحدا, ومع ذلك فالغرب مطالب بتقديم عرض للإتقان والسيطرة أمام الجماهير فيما يخص داعش والإيبولا أيضا, وربما هذا ما دفع الرئيس الأمريكي أوباما إلى تعيين "قيصر" للإيبولا، أي شخص يكون مسئولا عن تنسيق جهود مكافحة الوباء على المستوى الفيدرالي، فحتي اختياره لهذا اللقب يوحي بأنه يمكن الإيعاز لمرض معد بأن ينحسر ب "مرسوم إمبراطوري"! غير أن أمريكا نفسها، مع كل تقنياتها العلمية ومخابرها المتفوقة والألبسة الواقية التي تملكها، من الأقنعة إلى الأحذية، لم تستطع حماية إحدى ممرضاتها من الإيبولا, فالأخطاء في استراتيجية محاربة هذا المرض القاتل كانت واضحة، "الفحص المعزز" في المطارات البريطانية ومحطات القطارات الأوروبية حمل مظهر الإجراء الحاسم الصارم, واعتبر "ضمنيا" خطوة إيجابية، لكن هذا لن يحمي من لم تظهر عليهم عوارض المرض أو من كذبوا بشأن رحلاتهم, خبراء الصحة أيضا أكدوا أن مثل هذه الإجراءات من الممكن أن تعيق السيطرة على المرض, فهي غير مفيدة على الإطلاق بل من الممكن أن تزيد من القلق والتوتر، أما الخطوة الحقيقية التي من الممكن أن تعالج هذا الوباء فهى إرسال الأطباء والممرضين إلى المناطق المنكوبة, بالطبع صانع القرار يسمعون هذه النداءات وتصلهم، ولكن بالتأكيد لن يقدموا على إرسال أطبائهم إلى تلك القارة السوداء التي يكتفي بإمتصاص ثرواتها الرجل الأبيض ويترك أوباءها لأطفالها السود, ف "العالم المتحضر" مهمته تنحصر فى وهب حبوب الإسبرين والأمصال ولن يضحي بأي أرواح بشرية! لكن المشكلة الكبرى والتى ربما تكون هي الأكثر غرابة أن هاتين الأزمتين الكبيرتين (إيبولا وداعش) ضربتا العالم في وقت واحد, وهو ما أحدث لقادة الدول الكبري إرباكا كبيرا, فحتي البيت الأبيض الذي عادة ما تصوره هوليوود على أنه قلب نابض بالقوة, لا يستطيع سوى أن يتعامل مع قضية دولية رئيسية واحدة في كل مرة. كلاهما عدو مظلم غير مرئي، قادم من بعيد وهما يصيباننا بالرعب إلى حد فقدان الصواب. "داعش" ليست مرضا، و"الإيبولا" ليس منظمة إرهابية. لكن عملتهما المشتركة هي الرعب المبيّت من جانب أحدهما، والحتمي من الجانب الآخر, فداعش يغذي ايبولا، وايبولا يغذي داعش وخوفنا يغذيهما الاثنين على حد سواء.