بعد اقل من اسبوع واحد من الاعتداء على البرلمان الفيدرالي في العاصمة الكندية اتاوا ، قام ثلاثة من الشباب الكنديين بمبادرة لمحاولة استقراء ردود فعل الشارع تجاه المسلمين في كندا، حيث قام احدهم بالذهاب لمحطة اتوبيس نقل عام مرتديا جلباب قصير وعلى وجهه لحية كبيرة في محاولة لاضفاء صبغة دينية اسلامية واضحة على مظهره ، بينما قام زميله الاخر بالتحرك نحوه ومحاولة منعه من استقلال الحافلة معربا عن تشككه في نواياه نتيجة مظهره الاسلامي الآقرب لمظهر عناصر تنظيم داعش الارهابي ، وكانت المفاجئة في ردود فعل المواطنين في الشارع الذين قاموا بالدفاع عن الشاب المسلم ومهاجمة من يتعرض له نتيجة مظهره بل ان أحد المواطنين الكنديين قال بالحرف: لن نسمح للتعميم الذي حدث في أعقاب 11 سبتمبر ان يتكرر مرة اخرى ؛ إن لدي أصدقاء مسلمين وهم بعيدون تماما عن أفكار داعش الارهابية. وفي منطقة اخرى تحول الأمر الى شجار عنيف وصل لحد التشابك بالأيدي بين المدافعين عن الشاب صاحب المظهر الاسلامي وبين المواطن المتشكك في نوايا المسلمين. تم بث الفيديو على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، ربما في محاولة لطمئنة العرب والمسلمين المقيمين في كندا ان الأمور لم تتغير وأن حادث فردي لا يمكن أن يؤثر على طبيعة المجتمع الكندي الرافضة للعنصرية والمرحبة بمختلف الثقافات. جاء ذلك عقب رسائل التطمين التي آرسلتها الشرطة الكندية لجميع الجمعيات والهيئات الاسلامية والعربية وكذا منظمات المجتمع المدني والتي جاء في نصها ان كندا وان كانت مثلها مثل دول العالم تخوض حربا ضد الارهاب فإنها لن تسمح ابدا بتنميط صورة العرب والمسلمين خاصة واذا كانوا من المقيمين على اراضيها ، كما انه من غير المقبول وصم الدين الاسلامي بالارهاب الذي يمارسه المتطرفون. لكن وبكل تأكيد فإن محاولات الحكومة تلك وكذلك العديد من المبادرات التي ظهرت في محاولة لعدم تكرار اخطاء ما بعد 11 سبتمبر عام 2001 لا تنفي القلق الذي يسيطر على اوساط العرب والمسلمين في كندا ، خاصة مع تكرار الهحوم على مسجدين في كندا خلال هذا الاسبوع الاول كان مسجد سجابي في ولاية كيباك والثاني هو مسجد جاتينو والذي يقع بين كيباك والعاصمة اتاوا. حيث يقول شريف سبعاوي المرشح للبرلمان الكندي عن الحزب الليبرالي : لا يمكننا التشكيك في الموقف الرسمي الكندي الذي يبتعد تماما عن التعميم وتنميط المسلمين فالحكومة الكندية وكذلك الاجهزة يعلمون تماما الفرق بين التنظيمات الارهابية التي تتخذ من الدين والعقيدة وسيلة لتحقيق اهداف ما، وبين الدين الاسلامي السمح. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في التصرفات الفردية التي قد نقابلها في الشارع والتي يرتكبها العامة والذين قد يسقطون ببساطة في فخ الصور الذهنية الثابتة. ويضيف سبعاوي ان الامر يزداد تعقيدا عندما يفاجئنا رد فعل الهيئات والمنظمات المجتمعية الاسلامية في كندا التي اصدرت بيانات ادانة ضعيفة - من وجهة نظر سبعاوي – لحادث الاعتداء على البرلمان الكندي. وهو رد فعل هش مقارنة بجسامة الحدث. فالمطلوب في راي شريف سبعاوي هو صدور بيانات اكثر قوة تدين الارهاب باسم الاسلام الذي تمارسه داعش من كافة الجمعيات والمنظمات الاسلامية التي تعمل داخل كندا. ماذكره المرشح المصري للبرلمان الكندي قد يحمل قدرا من الوجاهة اذا ما وضع في الاعتبار ما ذكره تقرير المجلس الوطني للمسلمين في كندا الذي اكد ان حجم المضايقات التي يتعرض لها المسلمون في كندا قد تضاعف عشر مرات بعد حادثي الاعتداء على البرلمان ومن قبله دهس الجنديين. خاصة وان تصريحات مسؤلي الامن اكدت انتماء مرتكبي الجرائم فكريا لتنظيم داعش الارهابي. لكن إيمي عوض منسقة حقوق الانسان في المجلس اكدت انه هناك العديد من المؤشرات الايجابية حيث وصلت للمجلس اتصالات للدعم من قبل اشخاص يحاربون التعصب الديني. "اندمجوا او عودوا من حيث اتيتم ".. هذا هو الشعار الذي رفعته العديد من الصفحات الالكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي ، والتي تكونت في الاساس للتنديد بحوادث الارهاب في كندا ، لكنها سرعان ما تحولت لمنابر تصب اللعنات على المسلمين والعرب . وظهر ذلك جليا في مهاجمة المرشحين المسلمين لعضوية المجالس المحلية التي انتهت منذ ايام قليلة ، فقد كتب شخص مجهول على صورة مرشحة ترتدي الحجاب عودوا الى مصر والسعودية وبكستان.. كندا لا تحب المسلمين. من ناحيتها ادانت الحكومة الكندية الهجوم الذي تعرضت له المساجد ووصف رئيس الوزراء ستيفن هاربر هذه الهجمات بأنها محاولة فاشلة لارهاب المهاجرين المسلمين في كندا. على كل حال يبدو من الصعب ربط الهجوم على المساجد بالحوادث الرهابية الاخيرة في كندا وفقط ذلك ان مسجد جاتينو سبق وتعرض لأربعة هجمات منذ ستة أشهر. والحقيقة ان تكرار حوادث الهجوم على المسجد هو مادفع عمدة جاتينو مارك بيرو الى حضور صلاة الجمعة الماضية بنفسه داعيا المجلس الكندي الامريكي للعلاقات الاسلامية الى محاولة اتخاذ تدابير للحول دون تكرار هذه الافعال العنصرية الفردية. خاصة وان رسائل الكراهية كانت تحمل تعميما ليس ضد المسلمين وحدهم بل ضد العرب ايضا. بينما ادانت عدد من المنظمات المجتمعية الهجوم على المساجد ومنها المنظمة الكندية الاسلامية ومركز شئون اليهود الذي صرح مديره التنفيذي شمعون فرغل قائلا اننا ندين بشكل قاطع جميع أعمال التخريب التي ترتكب ضد اي مكان للعبادة. وعبر المطران بولس اندريه رئيس اساقفة جاتينو عن استيائه من اعمال التخريب والعنف الذي تعرض له المركز الاسلامي واعتبره اعتداءا على المجتمع ككل. واقع الحال يؤكد ان كندا من اقل بلدان العالم التي يمكن ان تعاني من العنصرية ، فطبيعة الدولة الكندية التي تعتمد على المهاجرين بالاساس تحترم الثقافات المتعددة بل ان مؤسسات الدولة تحتفي بكل الثقافات التي تعيش في سلام على ارضها. وربما هذه الطبيعة التي تحترم الاختلاف هي ما تشكل درع الامان للعرب والمسلمين حتى مع ظهور ارهاب داعش في كندا.