قد يكون من الطبيعي ان يعتنق مواطن فرنسي أي ديانة تستهويه ولكن أن يقدم على هذه الخطوة احد مؤيدي حزب "الجبهة الوطنية" المحسوب علي اليمين المتطرف فلابد أن يلفت ذلك الأنظار فما بالك لو أن هذا النائب قرر اعتناق الاسلام ضاربا بعرض الحائط كل ما يبذله الحزب الذى ينتمى إليه من جهود لمهاجمة الإسلام والإسلاميين والمهاجرين العرب والأفارقة علي حد سواء. وهنا تتبادر للأذهان عدة تساؤلات ياتي في مقدمتها هل جاء اعلان النائب اليميني الشاب مكسانس بوتي ( 22عاما )عن اعتناقه الإسلام عن طيب خاطر ام أنه مجرد سيناريو سياسي، ووسيلة جديدة للترويج لليمين المتطرف في اطار الحملات الانتخابية لرئاسة فرنسا المقرر لها2017 ودون شك ان الخطوة التي قام بها "مكسانس بوتي"، وهو عضو المجلس البلدي بمنطقة"نوازي لوجران" قرب باريس، قد لا تكون الاولى من نوعها ،ولكن ما اثار حفيظة حزبه هو انه أرسل أشرطة فيديو عن الإسلام لكوادر في الحزب مما اعتبره الحزب تجاوزا للحدود الشخصية لعلاقاته.وكانت النتيجة إصدار قرار بتعليق عضويته بصفة مؤقتة بتهمة "التبشير" بشكل مباشر،اضافة الي"تمجيده الإسلام". .وحسب المتحدث باسم الحزب فان ديانة النائب لا تهم الحزب فى شيء،معللا ان سياسة الجبهة الوطنية تعتمد منهج الدفاع عن العلمانية،وفيما يخص العقيدة فهي متروكة للقناعات الشخصية،موضحا انه من المنطقي الا تتدخل الديانات والعقائد فى سياسات أى حزب،وعلي هذا الاساس تم تجميدعضوية النائب المسلم. اما النائب اليميني لحزب الجبهة الوطنية-المتطرفة- الذي تم انتخابه بأغلبية حاشدة في مارس الماضي..فقد حاول نفي تهمة التبشير مبررا ما ارسله من شرائط فيديو للاعضاء،بانه محاولة لإظهار صورة أخرى عن هذا الدين،وان الإسلام ليس الجهاد مستعرضا"المعجزات العلمية"التى وردت في القرآن كتفسير لاعتناقه الإسلام. و لا يخفي علي احد ان مارى لوبن زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" ، والتي تولت رئاسة الحزب خلفا لوالدها المؤسس للحزب ، لديها مواقف معلنة وصريحة رافضة لسياسية فرنسا تجاه الهجرة والمهاجرين خاصة العرب والافارقة والمسلمين . وقد سبق لماري لوبن التنديد مرارا بسياسية الحكومة تجاه المهاجرين العرب والأفارقة معتبرة انهم يمهدون الطريق "لأسلمة فرنسا". وبنظرة أشمل لمجريات الأحداث،وفي ظل ما تشهده الساحة الفرنسية من حراك شديد للأحزاب ايا كانت يسارية او يمنية معارضة تمهيدا لسباق رئاسة الاليزيه المقبلة ، نجد انه ليس من الغريب ان يتزامن الجدل المثار حول تهمة التبشير،واقحام الاسلام كالمعتاد في الحملات الانتخابية ، مع خروج تقرير يشير الي تزايد أعداد الجهاديين من المسلمين في سجون فرنسا.فقد قام احد النواب المنتمين لحزب اليمين الجمهوري بعمل تقرير خلص فيه الي أنه من بين 40 ألف سجين-تقريبا-من ذوي أصول مسلمة في السجون الفرنسية يعتنق المئات منهم أفكار راديكالية. وألقى النائب بتبعية تنامي ظاهرة التطرف الإسلامي على سياسات وزيرة العدل الحالية كريستيان توبيرا، مطالبا اياها بتشديد القبضة على الشبكات الجهادية التي تعمل بفرنسا من داخل السجون بسرية وفعالية كبيرة. ويذكر ان صاحب التقرير"جييوم لاريفي" ، من المنتمين لحزب اليمين"الاتحاد من اجل حركة شعبية" عن منطقة يون وسط فرنسا، كان يشغل منصب مستشار الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ، وسبق له وضع خطة عمل لمواجهة الراديكالية الاسلامية بسجون فرنسا عن طريق إنشاء وحدات متخصصة تستهدف بشكل خاص مراقبة المساجين الذين سبق تورطهم في قضايا مرتبطة بالجهاد . وطالب النائب بان يسمح للجهات المتخصصة بالتصنت عليهم صوت وصورة ، وكان من المفترض تطبيق خطته حسب ميزانية الدولة في-2015-، الا ان وزيرة العدل قامت باستبدال الخطة بخطة جديدة لإعادة تأهيل المساجين خارج اسوار السجون ضمن القانون المسمي باسمها "قانون توبيرا". لذلك هاجم النائب اليميني سياسة الحكومة الاشتراكية الراهنة العاجزة عن مكافحة الراديكالية الاسلامية من خلال تطبيق خطته التي وصفها بأنها الوحيدة القادرة على تأمين "المؤسسات العقابية" بفرنسا.خاصة وان لاريفي يري أن السجون الفرنسية أصبحت مكانا مفضلا للراديكالية الإسلامية، وانه غاية في الخطورة ان يتم تجنيد أشخاص لديهم قابلية للقيام بأعمال إرهابية، والأخطر هو التهديد الذي يمثله هؤلاء الجهاديون اثر عودتهم لفرنسا من بؤر الصراع فى سوريا او العراق. ويذكر ان تعداد الجهاديين الاوروبيين يقدر ب 1200 تقريبا بينهم نحو 400-علي وجه التقريب- من الفرنسيين. وجدير بالذكرأن سياسية فرنسا الخارجية فيما يتعلق بحربها علي الارهاب ، سواء فى مالي او بمساندة اكراد العراق ضد تنظيم داعش الارهابي، .قد ساعدت على تنامى عداء الجماعات الجهادية تجاه فرنسا ، لذا نجدها أحرص ما تكون على اصطياد الرعايا الفرنسيين خارج الحدود وقتلهم بأبشع الطرق. اما بالداخل فان الجماعات المتطرفة التي تعمل من خلال الشبكات الجهادية الارهابية عبر الانترنت تحاول استقطاب البؤساء من ابناء المهاجرين خاصة الذين يعانون الفقر والبطالة ،فهم لا يجدون سوي الاتجار بالمخدرات او العمل بطرق غير مشروعة كمخرج لهم ومن ثم يكونون ارضا خصبة للتطرف والإرهاب. ولذا نجد أن سجون فرنسا تعج بهؤلاء الضحايا المفترض تطويعهم لخوض حربا جديدة علي العلمانية الكافرة حسب اعتقادهم. ورغم أن الكثيرين يدركون ان الدول الغربية وبينهم فرنسا لديها من القوة العسكرية ما يمكنها من القضاء علي أي تنظيم ارهابي ،مهما كان حجمه او قوته، الا ان اختيار التوقيت والقرار يخضع لحسابات لا يعلمها سوي صانع القرار.