استخراج اسماء المشمولين بالرعاية الاجتماعية الوجبة الاخيرة 2024 بالعراق عموم المحافظات    تمويل السيارات للمتقاعدين دون كفيل.. اليسر    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    سفير تركيا بالقاهرة: مصر صاحبة تاريخ وحضارة وندعم موقفها في غزة    نيفين مسعد: دعم إيران للمقاومة ثابت.. وإسرائيل منشغلة بإنقاذ رأس نتنياهو من المحكمة    رئيس إنبي: من الصعب الكشف أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال للزمالك    «هساعد ولو بحاجه بسيطة».. آخر حوار للطفلة جنى مع والدها قبل غرقها في النيل    رابط نتائج السادس الابتدائى 2024 دور أول العراق    اليوم.. ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين وفتحي عبد الوهاب    أترك مصيري لحكم القضاء.. أول تعليق من عباس أبو الحسن على اصطدام سيارته بسيدتين    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    بيكلموني لرامي جمال تقترب من 9 ملايين مشاهدة (فيديو)    تحرك برلماني بشأن حادث معدية أبو غالب: لن نصمت على الأخطاء    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    ضميري يحتم عليّ الاعتناء بهما.. أول تعليق من عباس أبو الحسن بعد حادث دهسه سيدتين    «أعسل من العسل».. ويزو برفقة محمد إمام من كواليس فيلم «اللعب مع العيال»    نائب محافظ بنى سويف: تعزيز مشروعات الدواجن لتوفيرها للمستهلكين بأسعار مناسبة    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    حلمي طولان: حسين لبيب عليه أن يتولى الإشراف بمفرده على الكرة في الزمالك.. والفريق في حاجة لصفقات قوية    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    أهالي سنتريس يحتشدون لتشييع جثامين 5 من ضحايا معدية أبو غالب    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    ملف يلا كورة.. إصابة حمدي بالصليبي.. اجتماع الخطيب وجمال علام.. وغياب مرموش    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    شارك صحافة من وإلى المواطن    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بديع خيرى صاحب «بلادى بلادى» و«قوم يا مصرى»
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 10 - 2014

يعزف السلام الوطنى فنصطف شموخاً وانتباهاً إلا أهل السلف والبراهمة لتنطلق الحناجر تنشد كلمات من نور يصاحبها لحن من نور ليسمو المصرى تيهاً ومجداً وفخارًا «بلادى بلادى لك حبى وفؤادى» لحن سيد درويش و..المفاجأة الكبرى أنها من كلمات المبدع بديع خيرى اللذين معاً نسجا ألحان الخلود فكان فيها «قوم يا مصرى.. مصر دايما بتناديك»..
فوق مقعده المتحرك بعدما بترت أصابع قدميه العشر من تأثير مرض السكر لم يعطله شيء عن الاستمرار فى العطاء. كان يدير العجلات بيديه ليخرج إلى الشرفة حيث مستقره خلف المنضدة الصغيرة التى أصبحت حدودها نطاق عالمه ليكتب ويكتب ويكتب المقال والزجل والحوار والفيلم والمسرحية، ويندمج فى سطوره فيتقمص الشخصيات لينطق بلسانها ولزماتها فيُسمع من بعيد مقلدا ضحكة حسن فايق ودلال مارى منيب ولثغة ميمى شكيب وانفعال سراج منير وصفايح السمن السايحة للقصري.. و..يتحرك أفراد العائلة عن بعد بهدوء تاركين للفنان القدير المساحة اللازمة للاندماج ليستشعر بنفسه وقع الكلمات على أذنه أولا قبل سمع المشاهد.. وعندما يضع القلم بعد ساعات يطلب وجبته وفنجان قهوته السادة، وبعدها إلى الحمام للوضوء ليصلى موضعه، وحين يستدعيه الأمر يذهب محمولا لمسرح الريحانى ليشرف بنفسه على ما يدور فوق خشبته التى كتب لها فى حياة صاحبه 122 مسرحية وأوبريت شكلت مسيرة فن الريحانى بدءا من «الجنيه المصري» عام1931 حتى مسرحية «سلام اليوم» مرورا بأفلامه العشرة من أول «صاحب السعادة كشكش بيه» عام1931 إخراج استيفان روستى وحواديت كشكش بيه وياقوت الذى صورت مناظره بباريس، و«بسلامته عايز يتجوز» من إخراج نيازى مصطفي، و«سلامة فى خير» و«سى عمر» و«أحمر شفايف» و«لعبة الست» و«أبو حلموس» وأخيرا «غزل البنات» الذى تقاضى فيه مشاركة مع الريحانى أتعابا قدرها 300 جنيه من المنتج والمخرج أنور وجدي، وعقب وفاة الريحانى فى يونيو 1949 قام بتلبية حاجة فرقته التى أراد لها الاستمرار فكتب 35 مسرحية كان من بينها «ابن مين بسلامته» و«الرجالة ما يعرفوش يكدبوا» و«حماتى بوليس دولي» وآخرها «يا سلام على كده» المسرحيات التى تعاقب على بطولتها أكثر من نجم كان أولهم الابن عادل خيرى وفريد شوقى وحسن يوسف.. الخ.. أفتش عنه يا خجلى منه فى كل كتاب.. بديع خيري.. فلا ألقاه يا أسفى إلا نادرا داخل شذرات وقصاصات لم تشبع نهمى لفتح الباب بمصراعيه على الأديب المتفرد والزجال البارع والصحفى القدير والمؤلف الغزير الغزير الغزير.. الحيى الخجول عف اللسان المتواضع رغم عظمته، المتراجع رغم ندرته، وفى مصرنا العظيمة يظل الخجول أبدا فى الصفوف الخلفية بينما يتصدر المقتحم ليجنى كل الثمار، وفى مصرنا الذاهلة رغم قولنا إننا نعشق المرح وخفة الظل فنحن فيها لا نحتفى إلا بأصحاب المنادب بينما نضع صنَّاع الكوميديا فى المرتبة الثانية بتراث خفى يسكن الأعماق يزاوج ما بين الكوميديان والبهلوان فأين بديع خيرى صانع مجد الريحاني؟!! وأين أبوالسعود الإبيارى صانع تاريخ إسماعيل ياسين؟!!
يظل بديع خيرى جامعة الفن قابعا فى الظل فى حياته وبعد مماته، فإذا ما أتى ذكره فعلى سبيل السنيد للبطل الذى ملأ الساحة والعين والواجهة والصدارة، وعندما يتذكره النقاد يأتى اسمه بعد الصفحات المدبجة والمكانة الرفيعة لمن سبق وأكل النبق بل لهط الوليمة كلها.. يأتى فى سطرين وقبل الختام والنهاية مثلما قرأت فى رحلة البحث عنه: «وتاريخ نجيب الريحانى لا يكمل إلا بالحديث عن بديع خيرى الذى بدأ معه مشواره الفنى بالمشاركة فى كتابة مسرحياته المقتبسة عن المسرح الفرنسي».. هكذا.. فقط لا غير!! يا نهار أسود على من ينكب على العمل فى هذا البلد عمرا حتى يقطعوا رجليه!! وإذا ما كانت الحقيقة الأزلية أن السالب ينجذب إلى الموجب، فإن بديع خيرى أبدا لم يكن سالبا ولا سلبيا بل كان موجبا وإيجابيا، وربما قد بلغت درجة إيجابيته حدا أن رأى بوضوح من نظرة فوقية ألا سبيل لترديد كلماته إلا عن طريق وساطة لها منزلة جماهيرية لا نظير لها، ومن هنا جاء ارتباطه بأعلى قمتين فنيتين أنجبتهما مصر: سيد درويش ونجيب الريحاني.. حيث ذاب فيهما ناكرا ذاته ليقدما عصارة أفكاره وأقواله وأدبه..
بديع المبدع الذى ترك فيض تراث لم يحفل بجمعه فى حياته ليتركنا من بعده شبه عاجزين عن متابعة مسيرته المذهلة فى أى مجال طرقه من روافد الفن، حتى فى عالم الأغنية التى لم يترك فيها طائفة من طوائف الشعب إلا وكتب من أجلها وعبّر عنها ودافع عن حقوقها، وتحولت تلك الأغنيات إلى ألحان تسللت إلى المسام لتجرى فى دماء الأجيال بعدما مستها عبقرية سيد درويش فرددها الجميع ناسين أن كاتبها بديع، ذلك لأنه عندما عبر عن الشعب ذاب فى الشعب فأصبحت الأغنيات وكأنها من تأليف الشعب نفسه لا من تأليف واحد من هذا الشعب.. وكم سألتنى الحفيدة عن مؤلف النشيد القومى «بلادى بلادي» الذى تردده فى طابور الصباح فكان الخجل ينتابنى لجهلى بصانعه إلى أن علمت بشبه يقين من أقرب الناس إليه أنه بطله ومؤلفه الذى منحه لحنجرة سيد درويش من ردد نشيدا مماثلا له أيضا من نظم بديع: قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك خد بنصرى نصرى دين واجب عليك.. وعرفت أيضا مؤخرا أن بديع خيرى هو المؤلف لأجمل أغنيات فيلم غزل البنات وهما أغنيتى «أبجد هوز حطى كلمن شكل الأستاذ بقى منسجم» و«عينى بترف وراسى بتلف وعقلى فاضل له دقيقة ويخف» هذا بينما لم يذكر سوى حسين السيد كمؤلف لجميع الأغنيات، وكان شرط الريحانى أن يقوم بديع بكتابة أغنياته فى الفيلم بينما تمسك محمد عبدالوهاب بحسين الذى وقف أمامها عاجزا فأهداهما بديع له..
وهل سيتذكر أحد فى دندنته ذلك المتواضع المتراجع المستكفى الذى كتب لسيد درويش أمجاده: علشان ما نعلى ونعلى ونعلى لازم نطاطى نطاطى نطاطى والحلوة دى قامت تعجن فى البدرية والديك بيدن كوكو كوكو فى الفجرية ياللا بينا على باب الله يا صنايعية يجعل صباحك صباح الخير يا اسطى عطية ويهون الله يعوض الله ع السقايين دول شقيانين وطلعت يا محلى نورها شمس الشموسة ياللا بينا نملا ونحلب لبن الجاموسة ومليحة جوى الجلل الجناوى رخيصة جوى الجلل الجناوى ويامّا ليه تبكى عليا وأنا مسافر الجهادية وعين الحسود فيها عود ويا حليلة على عريس الليلة اسم الله عليه وهز الهلال يا سيد كرماتك لجل نعيِّد ويا حلاوة أم إسماعيل فى وسط عيالها زى النجفة عم بتلعلط فى جمالها وسرجوا الصندوق يا محمد لكن مفتاحه معايا ويا ورد يا فل وياسمين الله عليك يا تمر حنة وهُف أهو طلع النهار والبحر بيضحك ليه وأنا نازلة أدلع أملأ الجلل.. وأغنيات طالما رددناها فى أوتوبيس الرحلات يا مدام نفوسة أنا نفسى فى بوسة انشالله أبيع الفدانين والكام جاموسة.. اللى يشوفك يا بيه يحطك جوه عنيه مش عارفة أنك دايخة ليه فيك ولا فى الجنيه.. جنيه اتنين جنيه يا أجلاسيه يا مدام نفوسة.. وسالمة يا سلامة رحنا وجينا بالسلامة..
بديع الذى لن يظهر فى الصورة التى يحتل الريحانى واجهتها فى فيلم «لعبة الست» ليغنى كلماته فيسم بدن العريس عزيز عثمان فى زفافه على تحية كاريوكا: «بطلوا ده واسمعوا ده ياما لسه نشوف وياما.. الغراب يا وقعة سودة جوزوه أحلى يمامة.. هى كانت فين عنيك يا يمامة لما دورت بإديك ع الندامة.. الصدامة.. اللمامة.. انت عاجبك فيه جنانه وللا لخبطته فى كيانه ولا تعويجة سنانه ولا لو حطوا فى ودانه جوز أرانب لم يبانوا.. بطلوا ده واسمعوا ده».. ولم يأت ذكر للعبقرى الذى كتب بيت الشعر الحلمنتيشى الذى ردده الريحانى فى رواية «سلامة فى خير» لجاره شرفنطح المدرس الخبيث: إذا لم تكن لى والزمان شرم برم فلا خير فيك والزمان ترللي..
بديع خيرى ابن الدرب الأحمر من تفتحت موهبته فى الشباب الباكر ليمد فرقة الريحانى بأزجاله عن طريق جورج شفتشى الذى انتحل كتابة هذه الأزجال باسمه للريحانى وعندما اكتشف نجيب مصدرها الحقيقى كتب مع بديع خيرى عقدا بشرط أن يكتب اسماهما معاً على أى عمل كما كان يفعل الراحلان أحمد رجب ومصطفى حسين وأتشبث بأى حديث يأتينى من صلبه.. من بيته.. من نسله.. من أفراد عائلته ليثرى معرفتى بالفنان العظيم بديع خيري.. الابن نبيل يأخذنى الكلام معه عن الوالد فى كل اتجاه وأتركه يتذكر ليحيطنى علما ولا أضع متاريس أو حدودا بأسئلة قد تقطع خيطا أو توقف تدفق الاسترسال: «كان بيتنا الأول فى شبرا عند حارة سيد درويش الذى أتى من الإسكندرية مع والدته ليسكن بجوار أبي، ثم بعدها كان عنواننا61 شارع روض الفرج بعد الدوران فى الدور الثالث، ثم فى باب اللوق عمارة رقم54 شارع الفلكى فوق الحاتى فى آخر دور.. الوالد كان غاية فى الحنان يضع لى الحلويات فوق الكومودينو لآخذ منها وأنا رايح المدرسة.. توفى وسنى 28 سنة.. عمره ما شرب سيجارة.. هو أول من كتب للسينما فى مصر صامتة وناطقة ومن أفلامه الصامتة «المندوبان»، أما أفلامه الناطقة فمئات فقد كانت جميع الأفلام الأولى من نتاج قلمه.. كان عاشقا للصحافة أصدر جريدة «النهار» فى عام1930 بالاشتراك مع توفيق دياب وهدفها الأساسى الجهاد من أجل الدستور ولم يستمر صدورها سوى 11 يوما، وأصدر مجلة «ألف صنف» وجرنال «الغول»... كتب أغنيات تسد عين الشمس ومنها فى الأفلام أغنيات «الماضى المجهول» لليلى مراد: أنا قلبى خالى واللا انشغل بك مش عارفة مالى يمكن بحبك وحيران فى دنيا الخيال محروم من الذكريات، وكان يثنى كثيرا على المطرب محمد فوزى الذى كتب له فى فيلم ورد الغرام: لى عشم وياك يا جميل وأغنية شحات ومد إيديه وكسر خاطره حرام وترد ليلى قلت على الله على الله.. ادينى ميعاد لله.. فوت بكرة خمسة تمام من قدم شيء بيداه يلقاه وكله على الله.. ولا أدرى السبب فى عدم إذاعة أغنياته الدينية العديدة خاصة رائعته بصوت أسمهان: أمانة لله يا رايح مكة ونيتك بالكعبة تطوف تبوس لى فيها تراب السكة أمانة من مؤمن ملهوف.. كان دائما مجددا فى الحوار الكوميدى للمسرح وهو أول من قام بتكرار الإفيه فى الحوار عندما جعل مارى منيب تكرر سؤالها لعادل خيري: انت بتشتغلى إيه؟! فيجيبها عشرات المرات سوااااق وتنتشر بعدها مدرسة التكرار فى مسرح مدبولى وفؤاد المهندس.
بديع كتب فيلم «انتصار الشباب» وأغنياته فى مطلع حياة فريد الأطرش وأسمهان.. سهرت معه أكثر من مرة عند الشيخ زكريا أحمد فى الفجالة فوق الكنب البلدى وكانت القعدة جميلة مرح ودندنة وفن وعلى فكرة بديع خيرى هو صاحب أول دور لحنه زكريا أحمد وغنته أم كلثوم مقام زنجران الذى أحدث صدى واسعا عند المستمعين ويعد أعظم دور للشيخ زكريا على الإطلاق فضلا عن كونه كما يقول الخبراء من أعظم الأدوار فى تاريخ الغناء المعاصر وكلماته تقول:
هو ده يخلص من الله القوى يذل الضعيف
ليه دا كله ليه دا كله مين يقول له
مين يقول له اتهدى وخليك لطيف
والدى ووالدتى جذورهما تركية تعود إلى عبدالرحمن كتخدة الخربوطلى واسم خربوط نسبة إلى مقاطعة فى تركيا نصفها الشرقى مسيحى أرمنى والغربى مسلم تركي، وطول عمرنا لم نشعر بأى حساسية فى مسألة الدين لدرجة أن الكثيرين يظنون من اسم بديع خيرى أنه مسيحي، حتى الجمعيات الخيرية المسيحية مثل جمعية التوفيق كانت ترسل لوالدى تطالبه للتبرع للأيتام فكان يلبى قائلا كلهم أيتام، ومن أيام جدتى ونحن جيران مع عائلة عطية حنا التى تهرع للعزال وراءنا مطرح ما نروح.. وأليس والدى من قال: إن كنت صحيح بدك تخدم مصر أم الدنيا وتتقدم لا تقول لى نصرانى ولا مسلم يا شيخ اتعلم اللى أوطانهم تجمعهم عمر الأديان متفرقهم، وأليس هو مؤلف مسرحية حسن ومرقص وكوهين... ووالدى كان بين البنين لا طويل ولا قصير وشعره غزير كستنائى وعيونه عسلية وقبل هزال السكر كان مليان وأنيق وكان شقى ومن حبيباته المطربة ملك، وفى حياته حب أول ظل طاغيا قال عن صاحبته إنها صنعت منه أديبا وكان يدرّس لشقيقها مادتى الإنجليزى والجغرافيا فأهدته ساعة ظلت معه، وكانت شاعرة تجيد الفرنسية ويجيد هو الإنجليزية فتبادلا الرسائل بالشعر والزجل وعندما أراد زواجها اعترضت والدته وهو وحيدها وخيرته بينهما ففضل قتل قلبه وطلب نقله للصعيد فذهب إلى طهطا يعمل مدرسا.. فى زمان الريحانى كانت بناوير المسرح محجوزة كلها طوال السنة للباشوات أمثال فرغلى باشا وعبود باشا يعزموا عليها عملاءهم وأصدقاءهم، حيث لم يكن هناك مكان للتسلية والمتعة أجمل من حضور مسرحيات الريحانى وجمال بطلاته ميمى وزوزو شكيب التى كانت تتجمل بسلسلة فى قدمها وكانت زوجة للواء على باشا نجيب الذى يركب عربة مزودة ببيرق أى بعلم يرفرف فى الهواء وصورته تتصدر الجيوش المصرية الذاهبة إلى فلسطين، وكانت هدى شعراوى من المعجبات بأزجال والدى فى مجلة الكشكول وتشجعه ماديا وأدبيا عندما أصدر مجلته ألف صنف واستدعته ليشرف على حفل البنات اليتامى اللاتى يرعاهن الاتحاد النسائى الذى ترأسه، وأذكر أنه عندما كتب والدى لمنيرة المهدية رواية «الغندورة» بدأت فى البروفات فى رمضان أنها لاحظت أن بعض العاملين من المسلمين معها مفطرون يدخنون السجائر بينما بديع لا يشرب ولا يدخن فقالت لمن حولها: مش مكسوفين من روحكم عمالين تشربوا وتدخنوا قدام بديع. يا سلام على أخلاقه هو اللى بيجاملكم ومش راضى لا يدخن ولا يشرب احتراما لرمضان وهو مسيحي.. وبأدب جم قام والدى بتنبيهها إلى أنه مسلم وصائم والحمد لله، وهنا خبطت على صدرها بيديها: يا ندامتى يا سى بديع والله أنا لغاية الساعة دى فاكراك مسيحى».
و.. ألجأ إلى آمال خيرى زوجة الابن الراحل مبدع خيرى الذى عمل مستشارا فى مجلس الدولة فتفند لى نسل بديع خيرى موضحة أن له ثلاثة أبناء كبيرهم مبدع الذى أنجب من الأحفاد عادل بالخارجية وأحمد المحامي، وثانى الأبناء عادل خيرى زوج السباحة إيناس حقى زوج عمتها طلعت حرب التى أنجبت لعادل ثلاث بنات عطية المهندسة والمخرجة للرسوم المتحركة وعزة طبيبة الأطفال وعبلة خريجة التجارة وعابرة المانش أربع مرات.. وكان لبديع ابنة واحدة هى شويكار التى أصيبت فى طفولتها بالحمى الشوكية مما أعاق حركتها لتغدو بمثابة الألم المزمن فى حياة والدها.
بديع الفنان الشامل كان دائما كلبه معه يصحبه فى جولاته ويقبع بجانبه فى الترام وفى كواليس المسرح ليقول لنا دائما: «صدقونى فيه وفاء أكثر من بعض البنى آدمين، وقد تقلب على حياة بديع خيرى أكثر من كلب، وحينما ينفق واحد منها كان يحرص على الإشراف على دفنه بنفسه، ويخيم الوجوم والحزن على البيت لأيام قد تطول حتى يصل وافد جديد يمشى على أربع وهو فى ذلك الحب مثل الشيخ المقرئ محمد رفعت وكانا يقضيان معا لحظات روحانية فوق مستوى الناس العادية يذكران الله وإعجاز قرآنه الكريم فى بيت الشيخ بالبغالة، حيث اكتشف بديع أن الشيخ يحب المسرح حبا عميقا ومحصوله الذهنى فى المسرحيات كبير، وكانت عنده كلبة لولو لطيفة يحنو عليها حنوا يدل على أنه ليس حنبليا»..
وأروح لبديع نفسه أتوقف عند مشهد واقعى كان أيام كفاحه مع سيد درويش: أذكر يوما ضاقت بنا فيه سبل الرزق ولم يكن ما معى وما مع الشيخ سيد يتجاوز عشرة قروش فاقترحت عليه أن أعكف أنا على التأليف وهو على التلحين ثم نذهب إلى «ميشيان» تاجر الأسطوانات ونبيع له إنتاجنا، وجلسنا ليلة كاملة وضعت فيها 12 دورا لحنها الشيخ سيد كلها وذهبنا فى الصباح إلى ميشيان يحدونا الأمل، وشعر التاجر الخواجة بأزمتنا فطلب سماع ما عندنا فاخترنا ثمانية أدوار سمعها ثم بدأ المساومة بعرضه عشرة جنيهات، وحاولت معه رفعها إلي15 جنيها دون فائدة فاستبد الغضب بسيد صائحا فى وجه الخواجة: إيه ده يا ميشيان 8 أدوار تأليف بديع وتلحين سيد درويش بعشرة جنيهات هو احنا بنبيع ترمس، فرفع الخواجة السعر إلى 12 جنيها فتنفست الصعداء، لكن الشيخ سيد زادت ثورته فجمع النوت كلها ومزقها وألقى بها أمام الخواجة وسحبنى من يدى وخرجنا أشد جوعا، ولم تر هذه الألحان النور لأنها ضاعت فى ثورة كرامة، وضاقت الدنيا فى عينى فقلت لسيد أعاتبه: عملت كده ليه وناكل منين؟! فإذا به يقول لي: اسمع يا بديع. الجوع مش عيب. لكن خدش الكرامة هو اللى عيب. لازم نحافظ على كرامة الفن. نسف رمل. نسد جوعنا من صفيحة الزبالة لكن يجب أن تكون لنا كرامة.. الدور بجنيه وربع.. تأليف.. وتلحين.. وغناء.. دى بلد يجوع فيها العباقرة..!!»
يا زين.. ماعملت
لكن.. ما ينفعشى!!
• اسم الكريم: زين الدين
• الأب: حسنى إسماعيل
• الجد: عتمان مسبوقا بلقب الشيخ من باب التبجيل والاحترام وعلو المنزلة ورفعة المقام، ربما لكبر السن، وقد يكون السبب فى سكسوكة الذقن الشايبة، والزبيبة المفرطحة الوارمة، والحرص على صلاة الفجر فى الزاوية.
• العنوان ومحل الإقامة: قرية منشية قومبانية أبوقير بكفرالدوار محافظة البحيرة.
• العبارة.. بمعنى ذكر تفاصيل الحادثة التى جرت: «نما إلى علمى سمعتها كده بمعنى طراطيش الكلام التى وصلت لمسامعى من أسبوع أو بالأمانة عشرة أيام عن عصابة إرهاب من قطاع الطرق هجمت بالسلاح على عربية شركة كهرباء أبوقير وثبتت السواق وطاقم الحراسة، وسرقت شنطة الصراف بما فيها، وكان فيها ولا مؤاخذة اثنين مليون وزيادة.. مرتبات وحوافز العاملين فى الشركة.. وللهروب من عيون البوليس ومطاردة الحملات وتتبع الآثار بالشمشمة والكلاب قامت العصابة بدس المعلوم فى الزراعات القريبة لطريق الأسفلت الدولى لحين العودة لها من بعد ما يروح كل حى لحاله وتهدأ الأمور وتنام.. وراح لحاله كل حى والكل نام إلا أنا اللى ما غمض لى جفن فى فرشتى أتقلب على جمر النار.. أنا اللى ركبنى ميت عفريت وزيادة.. أنا اللى قلت لروحى لازم يا زين ولا منها بدّ.. أنا اللى رفضت تلبّسنا عصابة الأوغاد الكسرولة.. أنا ابن البحيرة أجدع ناس ماناخدشى على قفانا فى عز الضهر.. أنا زعق لى نبى.. أنا اللى أوكل إلىّ المولى مهمة البحث عن شنطة الفلوس ولو حكم وفرزت ونقضت ونفضت وفتشت ونقبت فى الغيطان لمدى الشوف عود عود، وسنبلة سنبلة، وكوز كوز، ولوزة لوزة، وسجرة سجرة، ولطعة لطعة، ودودة دودة.. وكل برج وساقية وشادوف وكوم سباخ وزريبة وكانون وقوالح ذرة وحجر الرحايا، وطلعت فوق جريد النخل والمأذنة وقمائن الطوب وأبراج الحمام وأعشاش الطيور، وقلّبت فوق الأسطح أقراص الجلّة أفتش تحتها بشطارة فلاح أرارى، وشمرت أكمامى بطول ذراعى فى بلاليص المش، ونخلت قش الأرز على رأس كل غيط قبل الحريق فى المساء، وملِّست فى سكتى على أكياس السماد تبركاً بالنادر الغالى.. الشنطة.. لاقيتها.. لهفتها وذيلى فى أسنانى على المركز: يا حضرة الضابط.. لقيتها.. يا شركة الكهرباء.. لقيتها.. يا دكتور شاكر.. يا سيادة الوزير لاقيتها.. يا صراف الغبرة.. لقيتها.. وجدتها يا جدى يا شيخ عتمان ورددتها أمانة لأصحابها كما لقنتنى صغيرًا فى دروس الإيمان ودين الإسلام..
• طيب وبعدين؟: قالوا لى اسم النبى حارسهم وضامنهم اكتب بياناتك فى عرضحال تمغة للوزارة فى مصر لأجل تحصل على مكافأتك القانونية.
• وكتبت؟: قلت لهم أنا بالكتير أبصم، وأعرف أعد من الأعداد بس لغاية الألف بثلاثة أصفار.. وأنقش البسملة واسم الجلالة.. الله.. قلت لهم بلاها المكافأة وأنا فى جاه النبى كل مرادى والنبى وظيفة دايمة.. غفير.. غفير فى شركة الكهرباء.. والشركة جارنا فى آخر الشارع على إيدك اليمين من اليمة دى وانت داخل من بعد مبنى بنك التسويف الزراعى.. لا مؤاخذة التسليف الزراعى.. قالولى وياريتهم ما قالوا..
• ماذا قالوا؟: قالوا لى يا جدى الشيخ عتمان إن اللوائح لا تسمح.. قالوا لى يابا انتم غلابة والوظيفة ميرى.. قالوا لى يا أمه مانقدرشى.. قالوا لى يا أم العيال كله إلاّ دى.. قالوا لى يا أهل الكفر بفتح الكاف ماينفعشى!!
[email protected]
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.