كان من الممكن أن يمر تصدى المصريين، جيشا وشعبا، لحكم جماعة خلطت الدين بالسياسة مرور الكرام، أو نعتبره مجرد حقبة سريعة نتجاوزها نحو فجر جديد لبلدنا لو كانت الجماعة لا تملك أذرعا إرهابية ومالية ودعما من قوي كبرى، رعت جماعات الإسلام السياسي لسنوات طويلة، وصنعت منها قطعة علي رقعة الشطرنج في لعبة السياسة العالمية حتي جاء اليوم الذي تنتج المنطقة العربية آخر طبعات الإسلام السياسي في صورة جماعات دموية متوحشة، تقتل بدم بارد وتتحرك عبر الحدود بشكل غير تقليدي وصارت تلك الجماعات تملك عتادا ضخما يهدد كيانات دول كبيرة في المنطقة وتتوعد بنشر الفوضي والقتل إلي مناطق أخري ومنها مصر، في ظل مؤشرات عن تقارب واضح بين الجماعة الأم «الإخوان المسلمين» والتنظيمات البربرية الجديدة والتي لم تبدأ مشوار الدم وقطع الرءوس إلا بعد سقوط الجماعة في مسقط رأسها. علينا الاعتراف أننا قد بالغنا في القول أن ثورة 30 يونيو قد «أجهضت» المشروع الذي يريده البعض للمنطقة والواضح أكثر أننا قد عطلنا المشروع ولم نجهضه كاملا بعد بسبب عوامل كثيرة أهمها إنهاك الدول العربية الكبري في صراعات داخلية لا تنتهي وضخ أموال طائلة لنشر مزيد من الفوضي وإعادة التنظيمات الإرهابية توفيق أوضاعها بغية العودة مجددا إلي الساحة السياسية وتجديد آمالها في السيطرة علي الحكم من جديد ومن هنا كانت الحرب علي المؤسسة العسكرية المصرية من أجل كسرها هو الهدف الأسمي لتلك الجماعات الإرهابية اليوم وستفعل تلك الجماعات أقصي ما لديها في المستقبل لتحقيق الهدف. سحابة العنف والدم الأخيرة علي أرض سيناء تؤكد أن هناك تخطيطا وتدريبا وتنسيقا رفيعا بين أجهزة استخبارية وبين تنظيمات الإرهاب الدولي في عموم المنطقة العربية وهي تحاول أن تحول دفة الصراع إلي داخل مصر لعلها تفيد تنظيم الإخوان الإرهابي في مواجهته مع السلطة الشرعية الحالية وهي المواجهة التي يدفع شباب الأمة ثمنها سواء من سقطوا شهداء علي جبهة سيناء أو المواطنون العاديون في كل أنحاء البلاد. ليس سراً أن غرف العمليات التى تبارك العنف مازالت تعمل بكل قوة ومنها غرفة عمليات تابعت ثورة 25 يناير وخططت للقفز على الانتفاضة الشعبية ضد حكم حسنى مبارك وهناك دلائل على أن غرفة العمليات التى تعمل فى البيت الأبيض يوجد بها حتى اليوم مصريون وهناك، على سبيل المثال، مستشارون للرئيس الأمريكى باراك أوباما لا يروق لهم تقدم الأوضاع فى مصر والاتصالات مع جماعة الإخوان مستمرة والاجتماعات مع القيادات الفارة من الجماعة ومستشاريهم فى العواصمالغربية مستمرة أيضا دون ان نعلم ما هو الهدف من تغذية أوهام الجماعة على حساب أمن المصريين وهم بالمناسبة خرجوا إلى الشوارع بأغلبية غير مسبوقة فى مشهد لم يحدث فى تاريخنا المعاصر ضد سلطة حاكمة. ما تفعله القوى الغربية من إرسال إشارات خاطئة تقوى من شوكة الإرهابيين تحت دعوى الدفاع عن الحريات تتناسى أن هناك حقوقا لكل المصريين نسمى منها «الحق فى البقاء» وهو حق أصيل للدولة و«الحق فى الحياة» وهو حق أساسى للإنسان وعندما نتعامل مع عنف «ممنهج» وتهديد لحق بقاء الدولة وحق المواطن فى حياة آمنة يكون المعيار وطنيا وليس غربيا أو شرقياً ولا يمكن أن نستخدم حرية التعبير ستارا لتدمير الحق فى البقاء والحق فى الحياة. الهدف اليوم هو هز الثقة فى الجيش المصرى ويشارك فى تلك الموجة بعض الأصوات التى خرجت فى 30 يونيو بحثا عن منقذ من حكم الجماعة ولم تجد سوى القوات المسلحة سبيلا لإنهاء الحكم الخطر للمرشد وأبنائه.. وبعد شهور من ثورة 30 يونيو لم يجد البعض مكانا لهم فى المشروع الوطنى الجديد فراحوا يحرضون ضد الوطن ويحرضون ضد الجيش ويحرضون ضد كل مخالف لآرائهم ليكمل هؤلاء هدف الجماعة الإرهابية والفروع الخارجة من عباءتها والتى تستهدف أول ما تستهدف الدولة المصرية العصية على الكسر أو التركيع مثلما يحلم الإرهابيون. صمود الدولة المصرية وسط أنواء ما يجرى على حدودها فى الشرق والغرب والجنوب هو مدعاة لفخر المصريين بدولتهم ولا يستحق أن يرفع البعض معاول الهدم فى وجهها، فمصر تحارب الإرهاب الوافد من كل الاتجاهات وقد جاءت حادثة الشيخ زويد الأخيرة بعد جولات من المحادثات الناجحة مع الحكومة الشرعية فى ليبيا والرئيس السودانى فى زيارته للقاهرة حيث اتفقت مصر والطرفان الليبى والسودانى على أهمية التعاون فى مكافحة الإرهاب. وأيضا، تنظيم القاهرة مؤتمر إعمار غزة وعقد حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية أول اجتماع لها فى غزة للمرة الأولى منذ سبع سنوات. إن القوانين تصدر من أجل تلبية حاجات المجتمع عامة، والقوانين العادية لا مكان لها فى الظروف الاستثنائية والجيش فى أى دولة هو الأداة التنفيذية الأولي.. والدولة وهى تواجه خطر تهديد وجودها أو حالة حرب واجبها الأول هو تحقيق الأمن.. ولأن حق الدولة هو البقاء فإن مهمتها الأولى هى حماية الحق الأول للمواطن وهو الحق فى الحياة. ولعل ما جرى فى التواريخ الثلاثة العظيمة 30 يونيو و3 و26 يوليو من العام الماضى عندما طالب الشعب الجيش بالتدخل تم هجر كل القوانين العادية والدستور القائم والجيش أنفذ إرادة الشعب فى مواجهة خطر الفاشية والجماعة الإرهابية على الدولة بالتخلص منها لحماية حق الدولة فى البقاء وحق المواطن فى الحياة. لقد عانت مصر على مدى السنوات الثلاث الماضية من سيناريوهات الفوضى والانفلات والابتزاز والتشكيك فى مؤسسات الدولة وهى مخططات بدأت فور انتصار إرادة الشعب فى 11 فبراير 2011 من أجل أن تصل الجماعة الإرهابية إلى هدفها فى الاستيلاء على السلطة وشمل الأمر أمورا كثيرة منها تحطيم معنويات قوات الأمن وتشجيع المطالب الفئوية وقطع الطرق والسكك الحديدية ومهاجمة منشآت عامة من أجل طلب التعيين وتوريث الوظائف!!, واليوم، يجب الانتباه إلى أن هذه العناصر المشبوهة تقوم بعملية عكسية وهى العمل التخريبى من داخل مؤسسات الدولة يعتمد على إشاعة الفوضى والانفلات عن طريق نشر الشائعات والابتزاز وخلق الإضراب فى مؤسسات الدولة من القاعدة إلى القمة وهى طريقة قديمة طالما اعتادت الجماعة الإرهابية وروافدها عليها لسنوات طويلة. رغم كل ما سبق نحن فى حاجة إلى وقفة مع بعض الإشارات لما جرى فى الأسابيع الأخيرة ومنها أن هناك قصورا يجب معالجته يتصل بأداء بعض مؤسسات وأجهزة الدولة حيث هناك مؤسسات تلعب مع أخرى «وهى سياسات تعتمد على توجهات أفراد وليس سياسة دولة».. والبعض من نظام حكم مبارك يقاوم .. والبعض من بقايا حكم الجماعة يقاوم أيضا وينشر الخراب.. والبعض الثالث سواء من أصحاب المصالح أو أنصار الفوضى أو الفشلة يحاولون تحقيق مصالحهم على حساب المجتمع. ومما سبق، تحتاج مصر إلى خطوات واجبة من أجل تحديد المسارات فى أمور الدولة ومنها: وضوح السياسة العامة للدولة: وهو أمر يستدعى أيضا الدعوة إلى تنسيق وعقد اجتماعات بين مؤسسات الدولة المختلفة وأجهزتها من كل الاتجاهات، فعلى سبيل المثال دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى الأجهزة الأمنية والرقابية إلى التنسيق فيما بينها أثناء كلمته فى الاحتفال بالذكرى الخمسين لإنشاء هيئة الرقابة الإدارية. محاربة الإرهاب والحشد والتعبئة ضد قوى الظلام عن وعى وحماس من جانب الجماهير العريضة يتطلب: عدم شيطنة ثورة 25 يناير فهى حسب الدستور ووثيقة انتقال السلطة واحدة من أعمدة البناء الجديد فى مصر، والمضى قدما فى محاربة الفساد والمضى فى إجراءات قضائية واضحة وسياسة واضحة فى التعامل مع القضايا المعلقة، فقضية مثل قضية أراضى الدولة يجب المضى فى طريق المحاسبة عن المخالفات التى أضاعت المليارات من أموال الشعب أو التوصل إلى تسويات تحفظ حق الدولة. ومن السياسات العامة المطلوب وضوح أكثر فيها قضية تشغيل الشباب وخلق فرص العمل. كما يتعين التوقف عن استخراج شخصيات من الماضى ومن السجون لأن ظهورهم كفاعلين فى الحياة العامة يعنى ببساطة أن شخصيات فى الدولة من نظام حسنى مبارك تقاوم التغيير وهى موجودة فى دواليب العمل فى الدولة وفى وسائل الإعلام ونشاطها ملحوظ اليوم. وهؤلاء ليسوا أقل خطرا لأنهم يتسببون فى حدوث شروخ فى الالتفاف الشعبى حول رئيس البلاد. كما ينبغى عدم السكوت عن مسلسل مستمر وهو توريث الوظائف فى الدولة حتى أصبحت الدعابة الشهيرة أن «مبارك هو الوحيد الذى لم يفلح فى توريث ابنه» شبه حقيقة! وهناك حاجة لحسم ملف العدد الهائل من المستشارين فى الأجهزة الحكومية ومنهم من يعمل فى أكثر من جهة إلى جانب وظيفته الاستشارية مع الحكومة، وهو ما يعد انتهاكا صارخا للقانون ومثالا على استمرار تضارب المصالح. الأمر الذى يعطل أيضا الحراك داخل المؤسسات بالدولة. لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام