السيسي يشارك في الحدث الاقتصادي للقمة المصرية الأوروبية الأولى ببروكسل: مصر بوابة أوروبا إلى إفريقيا والعالم العربي    أنجولا تطلب الاستعانة بالخبرات المصرية في مجال الاستثمار السياحي    الأونروا: عنف المستعمرين وتوسع الاستعمار بالضفة يمهدان للضم الفعلي    إدخال 215 شاحنة مساعدات من معبر رفح لإغاثة قطاع غزة    توروب مستاء من أداء لاعبي الأهلي بعد الفوز على الاتحاد    الغندور يجدد انتقاده لمدرب الزمالك بسبب الأهلي    الإعدام شنقا للمتهم بخطف وهتك عرض 3 أطفال في الطالبية    مصرع طفلة وإصابة 5 آخرين في انهيار عقار بإحدى قرى المنيا    أسرار التنمية.. كيف تصنع الثقافة الفرق بين الأمم؟    بناء الأهرامات.. الأسطورة والواقع    أكاديمية الفنون تكرم اسم السيد بدير وتعيد عائلة سعيدة جدا إلى خشبة المسرح    لم يشرع الضرب بمعنى الأذى.. هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟ خالد الجندي يجيب    نائب وزير الصحة يبحث مع محافظ شمال سيناء جاهزية المنشآت الصحية ويتفقد مستشفى الشيخ زويد ووحدة طب أسرة البشلاق    «جهار»: 26 منشأة صحية حصلت على الاعتماد الكامل أو المبدئي    وكيل تعليم القاهرة يتفقد مدارس حدائق القبة    فى ذكرى تدمير المدمرة ايلات ..اسرائيل : "ضربة موجعة" لإسرائيل في أعقاب حرب 1967    إحالة البلوجر أم مكة إلى المحاكمة الاقتصادية بتهمة غسل أموال ونشر محتوى خادش    مرور القاهرة يعلن إغلاق كوبري الأزهر السفلي لإجراء أعمال الصيانة    ننشر منطوق حكم كروان مشاكل بسب وقذف ريهام سعيد    محكمة العدل الدولية تجدد الدعوة إلى إعمال حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإنشاء دولته المستقلة ذات السيادة    «خدمة المجتمع» بجامعة القناة يستعرض إنجازاته خلال عام كامل    مصر تبدأ العمل بالتوقيت الشتوي نهاية أكتوبر.. الساعة هتتأخر 60 دقيقة    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة مصر وغانا في تصفيات كأس العالم للسيدات    انطلاق دوري الأنشطة الرياضية لتلاميذ المدارس بالمحافظات الحدودية بجنوب سيناء    لجنة تطوير الصحافة الورقية والرقمية تعقد أول اجتماعاتها.. واختيار حمدي رزق رئيسًا ورانيا مكرم مقررًا    مجلس كنائس مصر: مؤتمر الكهنة والرعاة جسد رسالة الكنسية في خدمة الإنسان والمجتمع    لتوفير 1500 فرصة عمل.. 12 شركة في الملتقى التوظيفي الأول بجامعة حلوان (تفاصيل)    رئيس الوفد البرلماني الدنماركي: خطة السلام بغزة لم تكن لتنجح دون الجهود المصرية    الكنيست الإسرائيلي يقر مقترح قانون ضم الضفة الغربية بالقراءة التمهيدية    اعتماد تنظيم الكونغرس الأول للإعلام الرياضي في ديسمبر 2026    حبس المتهم بإنشاء كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بمدينة نصر    أخبار السعودية.. مدير الأمن العام يرأس وفد بلاده بمؤتمر القمة الدولية للشرطة بسول    تركيب 1662 وصلة مياه مجانية للأسر الاولى بالرعاية بالفيوم    مصر تدعو لتمثيل عادل للدول الإفريقية بالمؤسسات الدولية والبنوك الإنمائية    حصاد الوزارات.. مد التصالح على مخالفات البناء 6 أشهر.. التنمية المحلية توجه    وزير التعليم العالي يؤكد ضرورة توجيه البحث العلمي لخدمة التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل للشباب    طارق قنديل يتحدث عن حلم استاد الأهلي وميزانية النادي غير المسبوقة    مرض الجدري المائي.. الأعراض وطرق الوقاية    قائمة ريال مدريد - غياب 5 مدافعين ضد يوفنتوس.. وميندي يعود لأول مرة منذ 6 أشهر    لدعم الطالبات نفسيا، الهلال الأحمر يطلق حملة Red Week بجامعة الوادي الجديد    أفضل 5 وجبات خفيفة صحية لا ترفع السكر في الدم    الرقابة المالية تمد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية لمدة عام    النجم التركي كان أورجانجي أوغلو: أتطلع لزيارة الجمهور في منازلهم بمصر    محمد عبده يقبل يد المايسترو هاني فرحات : "ونكيد العوازل بقي "    فئات ممنوعة من أداء مناسك الحج    اليوم.. ملك المغرب يستضيف منتخب الشباب بعد التتويج بكأس العالم    إحالة أوراق 3 متهمين بقتل شاب بسبب المخدرات في الشرقية للمفتي    القنوات الناقلة لمباراة بايرن ميونخ وكلوب بروج في دوري أبطال أوروبا    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    «مفتي الجمهورية»: لم يذكر أي فقيه أن اسم المرأة أو صوتها عورة    نائب ترامب: واشنطن تعمل على ضمان ألا تشكل حماس تهديدا مرة أخرى    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    موعد شهر رمضان المبارك 1447 هجريًا والأيام المتبقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتصار الخيال في كتابة الواقع
موديانو كاتب الخيال والطفولة الموجعة
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 10 - 2014

لم يكن الاحتفاء المدوي الذي استقبلت به الأوساط العربية فوز باتريك موديانو بجائزة نوبل للآداب 2014، هو علامة على الانحياز للمعسكر الفرانكفوني في مقابل الانجلوساكسون (حيث استنكر العديد عدم حصول فيليب روث عليها)، أو مجرد استرجاع لمكانة الأدب الفرنسي في الذهنية العربية وما تمثله من بحث دائم عن مكان وزمن مفقود نحته الكاتب الأشهر مارسيل بروست، كما لم يكن تعبيرا عن ولع أجيال من الكتاب المحدثين بنماذج من الكتابة الفرنسية وعلى رأسها «الرواية الفرنسية الجديدة».
بل نزعم أنه بدا في عيون الكثيرين شخصية متخففة من كل القوالب الجامدة التي يوضع فيها الكاتب، لم نسمع له خطابا مفعما حول عالمه الأدبي ومكانة الجائزة لديه حين أعلنت الأكاديمية السويدية فوزه، و سارع ناشره «جاليمار» بإبلاغه بالخبر، بل خرج من مكمنه الباريسي، دون أن يداري سعادته، و كان أول تعليق له : «هذا أمر عجيب!» وهو تعليق شديد الدلالة عن صورته ككاتب هامشي منعزل، رغم التكريس الأدبي الذي ناله والجوائز والمكانة الرفيعة التي حصل عليها منذ بداياته في 1968.
إذ يبدو موديانو عصيا على التصنيف، لا يسمع إلا أصوات شخصياته الأقرب إلى الأشباح، شخصيات يسكنها هاجس الاختفاء والعدم، ولا تيأس من البحث والدوران حول الجذور والهوية، تظهر وتتلاشى مثل رجع الصدى.
كما يبدو في عيون النقاد، وفي كتاباته متخففا أيضا من الأطر القاطعة والحدود الفاصلة، كتب موديانو معظم أعماله الروائية بصيغة الراوي المتكلم، ال«أنا» التي تستخدم في العادة في سرد حياة الكاتب أو ما يسمى السيرة الذاتية (أوتوبايوجرافي)، وكثيرا ما تطابق اسم البطل مع اسمه «باتريك» أو «باتوش»، ومع ذلك لم يسلم نفسه لمتاهات السيرة الذاتية والبحث المضني عن تاريخ الشخصية، أوللتساؤل الدائم عما إذا كانت أحداث الرواية تتطابق مع الواقع ومع سيرة حياة الكاتب؟ أم أن هناك هامشا من خيال يمتزج بالواقع ويصنع حياة جديدة للرواية؟ بل تغاضى باتريك موديانو عن كل هذه الأسئلة، وبدلا من هامش الخيال، صار يقفز قفزات واسعة ويدمج شخصيته -هو الراوي- بشخصيات بطلاته وليس فقط أبطاله، أو يسترجع زمن طفولته المسلوبة بتفاصيلها الواقعية ويغزل عليها عالما حالما متخيلا. أدمن الكاتب الفرنسي لعبة الخيال، وصار النقاد يصنفون أعماله على أنها «سيرة ذاتية متخيلة»، وهو المصطلح الذي دشنه الروائي والناقد سيرج دوبروفسكي عام 1977، جامعا بين النقيضين : السرد الذاتي من ناحية الذي يطابق هوية الكاتب والراوي و الشخصية الرئيسية، وبين الأحداث المتخيلة من ناحية أخرى.
أما اعتماد موديانو على الخيال في روايته الذاتية، فلا يرجع إلى النسيان أو إلى علة في تذكر الماضي، بل إن شخصياته تسكنها الذاكرة و «الماضي الذي لا يمضي»، شخصيات تسيطر عليها «ذاكرة مسمومة» مثلما يعترف الراوي في رواية (دفتر العائلة) في 1977 : «أتذكر كل شيء، انتزع الملصقات المتراصة في طبقات متتالية منذ خمسين عاما حتى أعثر على النتف الأكثر قدما».
يتذكر موديانو إذن التفاصيل الدقيقة، ويعيش نوعا من المضارع الأبدي، ولكنه مع ذلك ينتصر للخيال دائما، ويقول في حوار له بالمجلة الأدبية الفرنسية «لوماجازين ليترير» في ملف خصص له في 2009، أن المادة الذاتية من سيرته الشخصية التي يعتمد عليها دائما في كتاباته لا تستهويه لو لم تطعم بالخيال، «النص المنتمي للأدب الذاتي أو أدب الاعتراف ينبغي أن يتم تهويته ببعض من الخيال» وإلا فقد كل كل جماله وجاذبيته.
وسط انتاجه الغزير الذي وصل إلى 35 عملا ما بين رواية ونص أدبي وفيلم وكتب للأطفال، اعتمد فيها على نتف من الذاكرة مع الكثير من الخيال، أما ما يعتبره موديانو نفسه الأقرب إلى السيرة الذاتية الواقعية، فهما كتابي «تخفيف العقوبة» الذي نشرعام 1988، و «سلالة» أو «نسب» في 2005.
يستعيد موديانو في «تخفيف العقوبة» مرحلة الطفولة البعيدة، ذكرياته مع شقيقه (الذي رحل ولم يتجاوز سن العاشرة بعد) حينما عهد بهما والدايهما إلى أصدقاء يعتنوا بهما أثناء سفرهما وانشغالهما الدائم عن الأطفال. الأم البلجيكية الأصل التي تعمل ممثلة وتقوم بجولة في البلدان الفرانكفونية، والأب اليهودي الإيطالي الجذور الذي يعمل في أمريكا الجنوبية في عوالم مريبة من سوق سوداء وغيرها. يعيش الطفلان عالم المغامرات وأساطير الطفولة في ضيافة سيدات ثلاث لا يعيان من عالمهم المبهم سوى أحاديث مقتطعة، وأبواب مواربة، وزوار عابرين، ووجوه تكسوها الدموع وابتسامات ضنينة، في انتظار يوم ما يأتي الأبوان ليستردا طفليهما.
أما في «نسب» أو «سلالة» وهو إحدى عناوين موديانو الكثيرة حمالة أوجه، إذ يطلق اللفظ الفرنسي «بيديجريه» على تتبع سلالة الحيوان ونقاء نوعه، بينما تتناول الرواية جذوره الشخصية والعائلية وبحثه الدائم عن الهوية، ويحمل غلاف طبعة الجيب لهذا الكتاب صورة كلب في اشارة لتناوله المراوغ، «الساخر»، المتخفف من الأفكار المسبقة، لكل القضايا، إذ يبحث بحثا مضنيا عن الجذور والهوية ويجسد تاريخ الكاتب نفسه الذي ولد في 1945 تاريخ فرنسا المحتلة من الألمان وبصمات الغزو على ملامح المدينة والشخصيات، بل والأهم من ذلك انتمائه لأب يهودي نجا من المحرقة النازية وتواطأ مع المحتل بينما آله وصحبه كتب عليهم الرحيل، عاش موديانو هذا الصراع وهذا الشعور بالذنب وعبر عنه في أعماله لكنه أيضا في الوقت نفسه –وهذا ما يميزه- يساءل مفهوم «الهوية» نفسه، حتى لا نقول «يتهكم» منه. يروي مرحلته العمرية حين بلغ أربعة عشر عاما وعلاقته بالفتاة التي كلفتها والدته برعايته، ويكتب على غلاف الكتاب الخلفي : «أكتب هذه الصفحات مثلما يحرر المرء حالته أو سيرته الذاتية، بهدف توثيقي وحتى أنتهي من حياة لم تكن أبدا ملكي. الأحداث التي سأتناولها حتى سن الواحد والعشرين، عشتها بشفافية، وأقصد هذه العملية التي تقضي بمرور المشاهد في الخلفية بينما الأشخاص الفاعلين يظلوا ساكنين في ديكور الاستوديو.
وتظل تيماته الأثيرة مثل أصداء تتردد في مجمل أعماله البحث عن الهوية ورحيل الشخصيات وتبدل الهويات وتحولات المدينة وأوجاع الطفولة (أطفال مهملون، سقط المتاع، محكومون بالانتظار) التي تتكرر في كتابات فريدة مثل «دفتر العائلة» و»المجهولات» و»صبيان شجعان جدا» و»دولاب الطفولة». عن جرح الطفولة الذي لا يندمل، يقول موديانو تعليقا على سيرته الذاتية «نسب» : «ندمت أنني لم أستطع أن أخط كتابا أتناول فيه الطفولة المبهجة، التي أحببتها لدى ابعض لكتاب الروس، مثل ضفاف أخرى لناباكوف حيث الطفولة هي نوع من الجنة المفقودة. تلك خسارة كبيرة، كم كنت أتمنى أن أكتب شيء أكثر إثارة وشجنا وشعرية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.