باتريك موديانو هو الأديب الفرنسي الخامس عشر الذي يحصل علي جائزة نوبل للآداب. ظل حاضراً في المشهد الأدبي بفضل انتاجه الغزير حيث قدم أكثر من ثلاثين رواية كما شارك في عام 1974 في كتابة فيلم "لاكومب لوسيان" من اخراج لويس مال وكتب سيناريو فيلم "رحلة سعيدة" الذي أخرجه بول رانبو في عام .2003 وبالرغم من أن عمله متعدد الأبعاد فإنه كان حريصاً علي اختيار موضوعات مرتبطة بعضها ببعض فقد حاول منذ امتهانه الكتابة أن يلقي الضوء علي ماضي مؤلم وجدنا فيه صورة الاحتلال وباريس الضبابية والبطل التائه الباحث دائماً عن هويته. والبحث عن الماضي ليس هدفاً عند موديانو بل هو وسيلة تساعده علي فهم الحاضر. فقد أعلن في لقاء له مع جان لويس إزين انه يكتب ليعرف هويته ومن ثم فإنه يشعر مع كل عمل جديد انه يكتب نفس الكتاب. لذلك يمكننا القول ان حياته هي متن كتاباته اختلفت عن السيرة الذاتية بمفهومها التقليدي حيث خلط الكاتب بين الخيال والواقع مسهماً في خلق الخيال الذاتي: هذا المصطلح الذي استخدمه ديبروفسكي للمرة الأولي في رواية "الابن" في عام .1977 تأتي جائزة نوبل تتويجاً لمجمل أعمال الروائي الفرنسي الذي بدأ مسيرته الأدبية برواية "ميدان النجمة" الصادرة عن دار النشر جاليمار في عام .1968 ويجب الإشارة هنا إلي ان نوبل ليست الجائزة الأولي لموديانو فقد حصل من قبل علي جائزتي روجيه نيمييه وفينيو في عام 1968 مروراً بالسعفة الماسية وجائزة الأكاديمية الفرنسية ثم جائزة جونكور في عام 1974 وصولاً إلي جائزة مؤسسة سيمون وسينو ديلدوكا العالمية في عام .2010 وبالرغم من ميلاده في فرنسا لم يكن الطفل موديانو إلا نتاجاً مختلطاً من أم بلجيكية تدعي لويزا كولبين ومن أب شرقي ذي أصول يهودية يُدعي ألبير موديانو. وكان الأب رجلاً غامضاً معتاداً علي التنقل من مكان إلي آخر تاركاً طفليه لزوجته وقد مارس نشاطاً مشبوهاً أثناء الحرب العالمية الثانية حيث عمل بالسوق السوداء وتعاون مع النازيين والجستابو. وبدورها كرست الأم حياتها للمسرح الذي أجبرها علي ترك طفليها للجيران!! وسط هذا المناخ نشأ موديانو وحيداً واكتملت وحدته بطلاق أمه وموت أخيه رودي الذي ترك فراغاً في حياته وأشعره بالألم والتمزق وتعمق هذا الشعور بعدم استقرار العائلة في مسكن دائم واقامة الفتي لفترة ليست بالقصيرة في المدارس الداخلية. كل هذا ساهم في عزلته وشعوره بعدم الانتماء لفرنسا وهذا ما ترجمه موديانو بالتحاقه بكلية الآداب جامعة السوربون حتي يؤجل التحاقه بالخدمة العسكرية. قد تُصدم أيها القاريء حينما أخبرك ان الحائز علي جائزة نوبل بدأ حياته مزوراً فقد صرح في مقابلة صحفية أجرتها معه مارلين هيك في عام 2009 بأنه حينما بلغ التاسعة عشرة من عمره زوّر جواز سفره كاتباً في خانة الميلاد 1943 بدلاً من 1945!!