عشقه للأزقة وأسماء الشوارع التي وجدها الطريقة الوحيدة لمحاربة مجهولية المدن الكبرى، حبه الشديد لمدينة النور التي واجه بها شكوك الحياة ولامبالاتها، عناوين الحانات والمطاعم القديمة التي استمد منها قصصه ووجد بها منجمه من الشخصيات وعلاقته الوطيدة بها جعلت منها مسرحًا لأعماله، وغرامه بالماضي لدرجة الحنين، و69 عامًا هي مقدار مشواره في الحياة التي طالما وجدها ساحرة بطريقة غامضة، 20 رواية من بنات أفكاره وثمرة جهده، كلها ورود فرشت الطريق أمامه إلى "نوبل". الحب والإيمان، هما كلمة السر في أعمال الكاتب الفرنسي باتريك موديانو، فيري أن الحياة ليست إلا مجموعة من الصور القديمة في صندوق الذاكرة فعمل على أن يعززها في كتاباته من خلال أبطاله، الذين في معظم الأحيان يبحثون عن جذورهم الضائعة، ليضع يده على أزمة الهوية والانتماء، ما جعله أهم كاتب فرنسي منذ بداية التسعينات حتى الآن، بالرغم من أن شهرته تتركز في فرنسا، وليس معروفا في أوساط القراء الناطقين بالإنجليزية بسبب قلة أعماله التي ترجمت إلى الإنجليزية. ولد باتريك، لأب إيطالي وأم بلجيكية، التقيا في باريس زمن الاحتلال، وعاش طفولة ترنحت بين غياب الأب، ورحلات الأم التي كانت تعمل ممثلة سينمائية، موت أخيه "رودي" الذي ترك به جرحا نفسه، وظل يهدي إليه أعماله المكتوبة بين 1967 و1982، ويقول عن ولادته "المصادفة هي التي خلقتني عام 1945، هي التي وهبتني أصولا مضطربة، وهي التي حرمتني من محيط عائلي، فلا يمكنني أن أكون مسؤولا عن الأفكار السوداء والقلق، فأنا لم أختر مادة كتبي". وركز في عدد من أعماله على باريس خلال الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى وصف تداعيات أحداثها المأساوية على مصائر الأشخاص العاديين، وتغيرت حياتهم واختلف أسلوب معيشتهم بسبب الحرب، وقالت لجنة الأكاديمية السويدية إن الروائي الفرنسي استحق الجائزة "بسبب تمكنه من فن الذاكرة الذي أنتج أعمالا تعالج المصائر البشرية العصية على الفهم، وكشف العوالم الخفية للاحتلال". بالرغم من أن موديانو اقتصرت كتاباته على اللغة الفرنسية فإن 4 منها ترجمت إلى اللغة العربية، هي: رواية "شارع الحوانيت المظلمة" ترجمة محمد عبد المنعم جلال، رواية "مجهولات" ترجمة رنا حايك، رواية "الأوفق" ترجمة توفيق سخان، ورواية "مقهى الشباب الضائع" ترجمة محمد المزديوي، يعطي موديانو في روايته أهمية قصوى لتفاصيل الحبكة وألاعيب الخيال، لم تقتصر كتاباته على الرواية فقط، بل أعد كتب الأطفال، السيناريوهات، وبعض الأعمال الفكرية، ولم تترجم إلى اللغة الإنجليزية بسبب بعض "الإشكالات السياسية". غموض أديب "نوبل" كان الدافع وراء ابتكار مصطلح جديد بالفرنسية اعتمد على مؤلفاته وهو "مودياني" وذلك لوصف شخصية أو حالة تقف بين العبثية والمنطقية في الحد الفاصل بين النور والظلام، وقال موديانو عنه "كنت أحاول إضفاء طابع غامض حتى على ما لم يكن له أي صلة بالغموض"، لينجح ذلك الأسلوب أن يخلد اسم باتريك موديانو في تاريخ الأدب الإنساني بين أسماء العظماء حول العالم.