هذه سبعة مشاهد، وقعت فى أحد أيامنا الدراسية، بمدرسة حكومية مهمة.. ولها تاريخ بالقاهرة ( وليس بالفلاحين!) نهديها لكل من يعنيه أمر التعليم فى مصر! المشهد الأول: الزمان، الساعة 11 ظهرا.. مع بدء الفسحة. المكان، فناء المدرسة. الحدث، التلاميذ- كوحوش الغابة- يتزاحمون ويتصايحون ويتلاكمون ويتشالتون( يعنى يضربون بعضهم بعضا بالشلاليت لا مؤاخذة!)، كما أنهم يتشاتمون فلا تسمع منهم إلا كل بذيء من القول، وكل فاحش من اللفظ.. وتجرى على ألسنتهم شتيمة( يا ابن ال...) جريان الماء الملوث فى النيل هذه الأيام! المشهد الثاني: الزمان، الساعة 11 وخمس دقائق. المكان، فناء المدرسة نفسه. الحدث، مدرس من مدرسى اللغة العربية الجدد بالمدرسة، شاء حظه السييء أن يقطع حوش المدرسة فى تلك اللحظة، منتقلا من مبنى الفصول إلى مبنى الإدارة. يقترب منه عيّل من عيال الثالث الإعدادي، فيمد له يده صائحا: سلام يا مستر.. فيصيح فيه المدرس: امش يا ولد بعيد.. فما يكون من العيّل إلا أن يجذب كف المدرس عنوة ويصافحه غصبا عنه.. هامسا فى تحد: السلام لله يا مستر.. فيضحك على المستر بقية العيال! المشهد الثالث:الزمان، الساعة 11 وعشر دقائق. المكان، غرفة المدرسين بالمدرسة. الحدث، يدخل المدرس على زملائه مغتاظا غاضبا، فيحكى لهم ما جري، فما يكون منهم إلا أن ينطلقوا فى ضحك هيستيرى مجنون.. وتسرسع له زميلة طفحت عيناها من الضحك: يا عمّ كبّر.. يا ما ها تشوف فى المدرسة دي!. المشهد الرابع: الزمان، الساعة 11 و15 دقيقة. المكان، غرفة المدرسين إياها. الحدث، المدرس نفسه يتابع حوارا عجيبا بين المدرسين. قال واحد منهم: لا ياعم.. أنا لا أحمل معى عصا من الخيزران أبدا.. الخيزران يترك علامات على جسم التلميذ.. ويحمّلك المسئولية. يرد عليه مدرس آخر: أفضل وسيلة هى الخرطوم الجلد.. يؤلم.. لكنه لا يترك أثرا على «جتة» العيّل. فى تلك اللحظة تتدخل معلمة لهلوبة بمداخلة تاريخية كاشفة.. قالت: لا يا جماعة.. أحسن حاجة.. العصا من الخشب الزان المبططة المغطاة بقماش سميك مدهون بالزيت.. تدغدغ العظام إلا أنها لا تجرح..! يتعجب مدرس العربى الجديد.. فيسأل فى استغراب: وهل من الضرورى أن أحمل معى عصا يا جماعة؟ تصرخ فيه اللهلوبة.. صاحبة الخشب الزان.. وقد رسمت على جبينها تكشيرة العالمين ببواطن الأمور : ما هو لو كنت سيادتك معك عصايا.. ما كانش الولد إياه ابن ال(...) فعل بك ما فعل! المشهد الخامس: الزمان، الساعة 11 وعشرون دقيقة. المكان، فناء المدرسة نفسه. الحدث، أحد المدرسين، الذين حباهم الله بسطة فى الجسد والعضلات، يمسك بتلابيب تلميذ ضعيف، هش البنية، قصير القامة، ممصوص الوجه، مهلهل الثياب( يبدو من مظهره أنه ابن ناس لا مؤاخذة غلابة) وينهال بالخيزرانة فوق رأسه، فيدمى وجهه.. يجرى إليه المدرس الجديد، فيصرخ فيه: ألم تجد غير هذا الغلبان لتبهدله.. روح اتشطر على الكبار! يضحك صاحبنا المفتول العضلات.. ويهمس لزميله: يا مستر.. إضرب المربوط يخاف السائب! المشهد السادس: الزمان، الساعة 11 وخمس وعشرون دقيقة. المكان، فناء المدرسة. الحدث، صراخ وعويل.. يخرجون جميعا من غرفة المدرسين مهرولين مرعوبين فيتساءلون عما جري.. فيأتيهم الرد: عيّل من العيال، حاول القفز من السور.. فسقط على رأسه.. وها هم ينقلونه للمستشفي! مشهد الختام: الزمان، الحادية عشرة والنصف. المكان، فناء المدرسة. الحدث، الفسحة انتهت فيرفض الأولاد العودة إلى الفصول، رغم لهاث البيه الناظر والمدرسين خلفهم بالعصيّ.. ويصبح الفناء ساحة للحرب.. وللكرّ والفرّ. وفجأة.. يخرج محروس الفراش من غرفته.. منتصب القامة.. مرفوع الرأس فى خيلاء.. ممسكا يد المقشة التى لا رأس لها.. فيصرخ صرخة واحدة: يالّا يا ابن(ال...) إنت وهو على فصولكم.. فيخلو الفناء فى دقيقة واحدة. يضحك المدرس الجديد.. ويحادث نفسه: لا تحسبن الناظر سيد قومه/ إن سيد قومه محروس الفراش! لمزيد من مقالات سمير الشحات