الواحدة صباحا ليلة رأس السنة. هدير، طالبة الصف الثالث الثانوى، تتجه إلى غرفتها لتنام. «قبل ما ادخل الأوضة لقيت بابا بيتفرج على نشرة الأخبار على القناة الاولى»، لم تهتم هدير كثيرا بالأمر، فهى لا تحب الأخبار، لكنها هذه المرة سمعت والدها يقول «حسبى الله ونعم الوكيل، والله دا حرام». المشهد كان مفزعا، «عربية بتتحرق ودم فى كل مكان وجثث على الأرض والناس بتصرخ وتجرى». أنصتت هدير جيدا إلى كلام المذيع، «عرفت إن انفجارا كبيرا حصل فى الإسكندرية قدام كنيسة». الصور المعروضة مؤلمة للغاية لم تستحمل هدير المنظر وقررت أن تكمل طريقها إلى غرفتها. فى صباح اليوم التالى استيقظت هدير على نفس المشهد الذى نامت عليه، «حسيت ساعتها إن الموضوع فيه حاجة خطيرة وقلت اشوف ايه الحكاية». عرفت وقتها أن التفجير لم يكن بسيطا وان عدد الضحايا فى تزايد مستمر، «فضلت طول اليوم أتابع كل النشرات». ظل صراخ أهالى الضحايا يرن فى آذان هدير طوال اليوم، «حسيت بصداع شديد ونمت بدرى عشان أروح المدرسة الصبح». صباح الأحد كانت هدير فى مدرستها، سوزان مبارك الثانوية للبنات بالزيتون، «رحت لصاحباتى المسيحيات عشان أعزيهن»، كانت ردود أفعال صديقاتها متباينة، منهن من تقبل العزاء «وقالوا لى إن المصيبة كانت لينا كلنا وان برضو فيه مسلمين ماتوا» ومنهن من رفض فكرة العزاء وتكلم معها بعصبية شديدة «احنا ليه كل عيد يحصل لنا كدا، احنا عملنا ايه يعنى؟»، فضلت هدير أن تنسحب من أمام المتعصبات وذهبت إلى فصلها. بعد الفسحة فوجئت التلميذات بنداء فى ميكروفون المدرسة بضرورة التوجه إلى فناء المدرسة للوقوف دقيقة حدادا على روح «شهداء الاسكندرية». مدرس مادة التاريخ، الأستاذ سيف، ألقى خطبة قصيرة، تحدث فيها أولا عن انقلاب أتوبيس الرحلات فى محافظة المنيا، بغرض تأكيد أن الشعب كله من شماله إلى جنوبه فى حالة حزن شديدة. «وبعدها قال لنا: يا جماعة إحنا نعزى نفسنا مسيحيين ومسلمين فى شهداء الإسكندرية». وأكد المدرس إن «اللى عمل كدا أكيد مش مصرى وقاصد انه يعمل فتنة». ودعا المدرس فى نهاية كلمته ألا يؤثر الحادث على علاقة الطالبات ببعض «خليكوا جنب بعض إيد واحدة» وبعدها بدأت طالبات بالتصفيق بعد انتهاء المدرس من كلمته «ودا كان عيب أوى لاننا فى حالة حزن مش فى فرح» على حد قول هدير. لبنى طالبة الصف الأول الثانوى، وجهت عبر الميكروفون أيضا كلمة لزميلاتها «اللى ماتوا دول مصريين مسيحيين ومسلمين واحنا مش فى حالة فتنة». فى هذه اللحظات بدأت الطالبة مريم تبكى بشدة وسط الصفوف، فذهبت هدير وبعض صديقاتها إليها لتهدئتها، «ما تزعليش دول شهداء وان شاء الله هناخد حقهم من اللى عمل فيهم كدا». تذكر هدير أن «مريم دى مسيحية، وكل اللى راحوا لها كانوا مسلمين». وبعد كلمة لبنى توجهت ماريان الى الميكروفون وقالت «إحنا عايشين مع بعض طول عمرنا ومافيش حاجة هتفرق بينا وإحنا مسامحين اللى عمل كدة وحسابه عند ربنا». شعرت هدير وكل زميلاتها برغبة شديدة فى البكاء «بس تماسكنا عشان نقدر نهدى مريم». أكثر ما أغضب هدير وزميلاتها أن بعد انتهاء الحصة المخصصة لذلك، والتى استمرت نحو 45 دقيقة، رددت بعض الطالبات أغنية «بلدنا فى القلوب متشالة ومهما تضيق عليها الحالة، ولادنا قدها ورجالة» رغم أن الأغنية وطنية، إلا أن الطالبات من شدة الحزن غضبن كثيرا «لأن دا مش وقت غنا خالص».