«رجالة وستات»..يعيد التألق لمسرح أوبرا ملك

لعلنا لم ندرك بعد حجم الثراء الذى كان عليه المسرح المصرى فى أوائل القرن الماضى خاصة حقبة العشرينيات والثلاثينيات والتى شهدت رواجا وتنافسا كبيرا بين الفرق الاستعراضية والكوميدية فى شارع عماد الدين وفرق التراجيديا والميلودراما مثل فرق جورج أبيض وعزيز عيد ويوسف وهبى وغيرها..
ومن بين تلك الفرق العديدة كانت فرقة أوبرا ملك التى تمتلكها وتديرها فنانة استعراضية هى ملك التى اشتهرت بحفلاتها فى العراق وبر الشام أكثر من شهرتها فى مصر كما يقول الفنان أحمد السيد مدير المسرح الذى افتتح حديثا وظل من باب الوفاء والحفاظ على التاريخ يحمل اسم أوبرا ملك وهو مسرح صغير فى منطقة رمسيس قد لا يفطن اليه حتى المارة فى الشارع نفسه لكنه من الداخل مسرح نموذجى للعروض الشبابية قليلة التكاليف ويوحى تصميمه بالدفء واحتواء المشاهد وقد أحسن الفنان أحمد السيد بافتتاح موسم أوبرا ملك بهذا العرض الساخر الجميل «رجالة وستات» للمخرج الشاب المتميز اسلام إمام الذى أصبح يحمل أسلوبه الخاص وقدرته على تدريب ورش الفنانين والخروج بعمل جماعى يحمل مواصفات الجودة والصدق الفنى.
يتناول اسلام إمام فى عرض رجالة وستات بأسلوب ساخر كتابا فى علم النفس صدر فى أمريكا بعنوان «الرجال من المريخ والنساء من الزهرة» حمل توقيع الدكتور جون جرال ونجح الكتاب فى اجتذاب ملايين القراء عبر قارات العالم وترجم إلى أكثر من 13 لغة وكانت على غلافه عبارة سخرية ربما تفسر حجم الرواج والمبيعات إذ كتب إلى جانب الاسم الدليل الرائع لفهم الجنس الآخر. والكتاب الأمريكيون عباقرة فى اختيار العبارات التجارية مثل كيف تكون مليونيرا بأقل مجهود، أو عش مائة عام فى صحة وسعادة، أو الدليل الرائع لفهم الجنس الآخر. تحولت فصول الكتاب إلى مادة أولية استخدمها اسلام إمام بمشاركة ياسمين إمام وآيات مجدى لصياغة عرض مسرحى شديد الجاذبية والذكاء فى مجموعة من لوحات قصيرة مكثفة تصف جانبا من مشكلات الحب والزواج المعاصر.
ولعل المبهر فى العرض هو التأليف الجماعى لأغنية بسيطة وجميلة تخرج عن تقاليد الأغانى الموزونة المقفاة وتهتم فقط بالتعبير عن المشاعر الإنسانية بما يشبه أغانى فيروز الحديثة أو الأغانى العالمية. ويقدم العرض أربعة نماذج لأزواج تختلف طبيعة كل منها كما تختلف طبائع الرجال عن النساء فهناك الغيور المتشدد والكسول والأنانى والملول الذى يسأم بسرعة حتى من السعادة.
وبنفس القدر من المواجهة تقدم عيوب النساء مثل التطلع والمحاصرة إلى حد مراقبة التليفون والبريد الالكترونى والتسلل الزائد وفتور العاطفة لتتشكل المشاهد المسرحية بداية من الإعجاب واشتعال القلب بالحب انتهاء إلى الخلافات الحادة واستحالة الحياة فيعود كل جنس إلى الكوكب الذى جاء منه. تكون العرض من ثمانية نجوم شباب تشاركوا فى الأداء الجماعى ووظف كل منهم إمكاناته الكوميدية لخدمة الموضوع وكانت النتيجة عرضا فنيا متكاملا شديد الذكاء والتألق والبساطة فى الوقت نفسه، قام بالأدوار من كوكب الزهرة ياسمين سمير وهالة مرزوق وآيات مجدى ووداد عبدالمنعم، بينما كان نجوم الفضاء من كوكب المريخ هم رضا طلبة وتامر الكاشف وصلاح الدالى ومحمد خالد صاحب الرؤية الموسيقية وشارك فى بطولة العمل من الكواليس مايكل فايق فى تصميم الاستعراضات ووليد درويش فى الإضاءة وأحمد عشرى فى الديكور والملابس التى حملت ذوقا عاليا وتفهما لطبيعة الدراما كما ساعد فى الإخراج محمد عاطف وعمرو حسان. ويؤكد عرض رجالة وستات أن ورشة الابداع بمسرح أوبرا ملك ستضع نفسها قريبا على خريطة المسارح ذات الجذب الجماهيرى الكبير.