مرة أخرى تثبت الأحداث أن الإعلام المواكب للبلاد بعد ثورتين لايتناسب جملة وتفصيلا, مهنية وأمانة مع مقتضيات المرحلة, ويجافى تماما ماعبر عنه الرئيس بقوله إنه يريد إعلاما غير مسئ, بل إن الرئيس لم يتردد فى إبداء إعجابه بالإعلام فى عصر سابق حين قال فى أحد أحاديثه أن «عبدالناصر كان محظوظا بإعلامه». فهل وصلت الرسالة لأساطين الفضائيات وصحافة اللعب على كل الحبال؟ لم يكن عهد عبدالناصر كله خير, لكنه أفرز قامات إعلامية وصحفية حمل معظمها على عاتقه هموم البلاد ونجحوا فى الترويج لمعركة بلادهم فى الخارج بما توافر لهم من أدوات بسيطة لا تقارن بحجم الإمبراطوريات الإعلامية الحالية التى يستهلكها أصحابها فى معارك شخصية أو لامتلاك خلطة النفوذ والمال. أصبح القائمون على الإعلام فى مصر أكثر توحشا بعد أن نجحوا خلال السنوات الثلاث الأخيرة فى تغيير الأقنعة بنجاح أكثر من مرة واستفادوا من حالة الفوضى العامة وعدم انجلاء الغبار تماما بعد ثورتين فى البقاء فى الصفوف الأولى حتى أن الدنيا قامت ولم تقعد حين وجهت صحفية بإحدى الصحف الخاصة عتابا للرئيس لتقريب إعلاميين منه معروفين بأجنداتهم الشخصية و«استحلالهم لكل الموائد». ودفعت نفس المصالح هؤلاء لقطع الإرسال عن برنامج لمذيع فى فضائية معروف بجرأته لأنه عرض بالوثائق وقائع فساد بوزارات التربية والتعليم والصحة والإسكان, وكان المذيع قد تلقى تهديدات سابقة بوقف البرنامج اذا ماواصل تعرية الفساد! نعرف قدر المسئوليات الجسام الملقاة على عاتق الرئيس لكنه يعلم أن الإعلام بوسائطه المتعددة أضحى أحد المحركات الرئيسية لتقدم المجتمع أو تأخره، بعد أن أصبح شريكا أساسيا فى عملية صناعة القرار بتأثيراته الهائلة على الرأى العام، بل وتحول فى كثير من الأحيان الى صانع للأحداث, وهذا يفرض على الدولة دعم الإعلام والصحافة بالارتقاء بحرياتها المسئولة والبحث الجدى فى رفع مستوى الصحفيين ماديا «بلا صفقات», وليكن إنشاء المجلس الوطنى للإعلام استهلالا لتطهيره دون أن تنفرد جماعة بوضع لبناته! لمزيد من مقالات شريف عابدين