يقول الحق تبارك وتعالى «كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين»60 البقرة، ولقد بين جلت قدرته فى آيتين من آى الذكر الحكيم انه لايحب الفساد ولايحب المفسدين، إذ يقول «وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد» «205 البقرة». وقال «ويسعون فى الأرض فسادا والله لايحب المفسدين» «64المائدة» نهانا الله عن الفساد لأنه عليم بأن الفساد يؤدى إلى التدهور الأخلاقى وانحدار القيم وتفكك أواصر المجتمع، بالإضافة الى انه يكبد البشر خسائر مادية فادحة وخسائر فى الأرواح التى لاتقدر بثمن، وبالنظر الى الأموال التى تفقدها مصر نتيجة لانتشار الفساد نجد أن الخسائر المادية تقدر بمئات المليارات من الجنيهات بسبب تدمير المؤسسات والمبانى الحكومية وممتلكات الأفراد، واندلاع الحرائق التى لاتبقى ولاتذر، بالاضافة الى الخسائر الناتجة عن تعطيل المصالح العامة والخاصة كما يضاف إلى هذه المليارات المفقودة أموال أخرى بسبب التلوث البيئى الذى يترتب عليه اصابة الإنسان بأمراض يتطلب علاجها تكاليف باهظة، كما يؤثر التلوث البيئى تأثيرا سلبيا فى الحرث والنسل، كما بين لنا الحق فى محكم آياته، حيث يترتب على التلوث تدهور نمو الخضراوات والفواكه وانخفاض قيمتها الغذائية وتصبح مصدرا من مصادر الإصابة بالأمراض. أيضا يسبب التلوث إعاقة فى نمو الأشجار ومدى بقائها صالحة لحماية البيئة، وعرقلة الاستفادة منها فى أغراض صناعية وإنشائية وإضرارا بصحة الحيوانات ونموها مما ينعكس بالسلب على الثروة الحيوانية، ولقد ثبت ان تلوث الهواء يلحق الضرر بالمبانى والآثار ويسبب تآكل المعادن وتدنى مستوى جودة المنسوجات، ولذلك ينبغى على الدولة الاهتمام بحل مشكلات التلوث البيئى والمحافظة على البيئة والارتقاء بها، والانتباه إلى الخسائر الناجمة عن تدهور الثروة النباتية والحيوانية والممتلكات العامة والخاصة والآثار التى لاتعوض. وتعد مشكلة تعاطى المخدرات وإدمانها من أخطر المشكلات التى يعانيها كثير من دول العالم بما فيها مصر، وخطر الإدمان لايقتصر على المتعاطى فحسب بل تمتد أضراره لتشمل المجتمع بأسره، حيث تعتبر من أهم أسباب التخلف الحضارى والفكرى والثقافى، والتدهور الصحى والاجتماعى والاقتصادى، وعن الجانب الصحى تشير الدراسات الى ان تعاطى المخدرات يصيب المتعاطين بأمراض نفسية وعصبية وعقلية وبدنية ويعتبر التعاطى من أهم اسباب الإصابة بأمراض بالغة الخطورة،مثل الإيدز والتهاب الكبد الفيروسى (B.C) وسرطان الكبد وأمراض القلب والرئة وتشوهات الأجنة والتخلف العقلى والفصام الشخصى والاكتئاب وغيرها، وقد يترتب على الإصابة بالمرض الذى يعوق الحركة وممارسة العمل انقطاع الموظف أو العامل عن عمله مما ينعكس أثره ماديا على المتعاطين والمجتمع، وتشمل أضرار التعاطى والإدمان مشكلات اجتماعية تتمثل فى تفكك الروابط الأسرية وتشرد الأبناء ، وتدنى القدرة على الإنتاج البدنى والذهنى وانتشار جرائم العنف والسرقة والاغتصاب والقتل والانتحار وحوادث السيارات والقطارات والطائرات، وينجم عن انتشار الجرائم وكثرة الحوادث خسائر فى الأرواح والأموال. أما عن الخسائر المادية فأرقامها تعكس أخطار الإدمان، فمن واقع الدراسات التى أجريت فى أمريكا بين عامى 1992 و2000، اتضح ان خسائر إدمان المخدرات والخمور قدرت بنحو 250 مليار دولار فى عام 1992،ثم ارتفع هذا الرقم تدريجيا حتى بلغ مايقرب من 400 مليار دولار فى عام 2000، واتضح ان نحو 70% من هذه الخسائر يعزى الى الانقطاع عن العمل وعلاج أمراض الإدمان وعقوبات السجن، وتشير تقصيات أجريت فى مصر الى ان ماينفق على شراء المخدرات قد تجاوز 20 مليار جنيه سنويا. وإذا أضفنا الى المليارات التى تخسرها دول العالم، بما فيها مصر، بسبب التعاطى والإدمان مليارات أخرى تفقد بسبب جرائم العنف والتخريب والإرهاب والقتل والسرقة والاعتداءات والاختلاسات، وغيرها من كبائر الإثم والفواحش، فكم تتكبد البشرية كل عام بسبب الفساد فى الأرض؟ سؤال يحتاج إلى إجابة واحدة وكثير من الحلول. د. عز الدين الدنشارى