متى تتوحد الجهود حتى تتسنى رفعة الوطن العربي، الذى يعانى ويلات كثيرة، وإلى أين نحن نسير وفى أى اتجاه، وما هو مصيرنا، وما هى أهدافنا، وإلى متى يحارب بعضنا بعضا، ومتى تتكاتف الأيدى وننتصر دون النظر إلى طائفة أو إلى حزب؟. أسئلة كثيرة تدور فى أذهاننا جميعا، ولا نجد لمعظمها إجابات شافية، فقد بلغ سوء أوضاعنا مرحلة يعجز المرء فيها عن التفكير. لقد كنا فيما مضى نقول إن الاستعمار هو السبب فى تقسيم الوطن العربي، لكن أكاد أجزم اليوم أننا نحن من قطعه وجزأه، وفعلنا ذلك بإرادتنا ورغبتنا. الوطن العربى الذى كان يستطيع بإمكاناته الهائلة منافسة أمريكا وأوروبا، تمضى معظم دوله فى طريق مجهول، مع أن حب الإنسان لأرضه ووطنه لا يمكن المزايدة عليهما، لكن هذا الحب يجب أن يأخذ فى اعتباره المصلحة العامة، أى مصلحة الوطن والعرب قبل أى شيء آخر، لأنه جزء منا ولا نستطيع أن نعيش بدونه، حتى لو كان بيننا كثيرون ممن يفكرون فى مصالحهم الشخصية. فى المقابل هناك دائماً من يحب وطنه ووطن إخوانه العرب من حوله، كما يحب نفسه، لكن متى ستدرك بعض الدول وضعها المتردي؟ ومتى تبدأ فى رسم طريق النمو الحضاري؟ ومتى ندرك جميعا حجم الأخطار الخارجية التى لم تعد خافية على أحد، والتى تتطلب عملا وحدويا منظما لمجابهة خطر يهدد العرب ويهدد وجودهم؟ متى نتمكن من القضاء على الإرهاب؟ وأين هذا الربيع العربى الذى صفق العالم له قبل أن يكتشف أنه يدفع بالعرب والمسلمين إلى مزيد من التمزق والاقتتال؟. قائمة الأسئلة طويلة، وتمتد إلى القول: متى تنتهى الحرب الباردة المندلعة من جديد بين الشرق والغرب، مع إضافة أطراف ومصالح جديدة عليها وتطوير وسائل تقاتل اللاعبين القدامى والجدد فيها، أى الولاياتالمتحدة والغرب الأوروبى وروسيا والصين وإيران وتركيا وبعض الدول العربية، طوعا أو غصبا، بعد أن بات مسرحها ممتدا من أقصى الشرق الأوسط إلى أقصى المغرب؟ أما انقسام الدول والشعوب العربية والإسلامية وتفككها بل وتقاتلها، بدلا من توحيد صفوفها، فليس بالأمر الجديد. وقد نكتشف قريبا أن النافخ السرى على نارها، والكاسب، مرة أخرى من مآلاتها، أيا كانت، هو إسرائيل؟ متى ندرك أن السياسة الأمريكية والأوروبية هى سياسة بعيدة عن الإخاء وتمتين العلاقات، بقدر ما هى سياسة دولار ومصالح اقتصادية فقط. على العرب أن يحددوا انتماءهم للأرض التى يعيشون عليها ويقفوا عليها بصلابة كرجل وجسد وهدف واحد وينشروا عليها الأمن والأمان والمحبة والإخلاص ويكفوا عن محاربة أنفسهم ويتقوا الله فى مستقبلهم وأجيالهم. وكما قال الحكيم الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله (نحن أمة تحارب نفسها) ما نشاهده اليوم فى عدد كبير من الدول العربية ينطوى على تصاعد مخيف لتيارات وقوى ليست فقط ضد العروبة وضد أى توحيد عربي، لكنها أيضا ضد الدولة المدنية الحديثة، وضد مفهوم الولاء للوطن، وضد أى محاولة لبناء دولة قوية قادرة. أعنى هنا بالطبع، التيارات والقوى الطائفية فى الدول العربي. إنها صورة كالحة لواقع مرير وملتهب يتخبط فيه العالم العربي، بعد أن أفلت مصيره من يد أبنائه وباتت تقرره من جديد المصالح المتضاربة أو المتقاطعة للدول الكبرى ولبعض الدول النافذة، غير العربية فى الشرق الأوسط، دون أن ندرى هل هذه الدول تسعى كما تقول لإحلال السلام فى هذه المنطقة من العالم، أم إلى مبارزة بعضها على الأرض العربية وتحقيق مآربها المعلنة وغير المعلنة، على حساب الشعوب العربية؟. الأمر فى نهاية المطاف متوقف على وعينا العربى بمدى خطورة ما نحن فيه، وما نحن مقبلون عليه، والتصرف يجب أن يكون منطلقا من هذا الأساس. كاتبة من الإمارات لمزيد من مقالات مهره سعيد المهيرى