فى حدث غير مسبوق وافق الرئيس الكينى أوهورو كينياتا على المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية للرد على اتهامات بالتحريض على العنف وعلى ارتكاب مجازرعرقية عقب انتخابات الرئاسة عام 2007 كادت تشعل حربا أهلية فى كينيا التى تعيش على أرضها 42 مجموعة عرقية.والمغزى هنا هو تأكيد أنه قد انتهى زمن افلات الحكام وكبار المسئولين من العقاب جراء ما ارتكبوه من جرائم فى حق شعوبهم خاصة فى افريقيا، من الكونغو-كينشاسا وليبيريا وسيراليون غربا الى الصومال والسودان وجنوب السودان وأوغندا شرقا مرورا بإفريقيا الوسطى وتشاد فى الوسط. هى المرة الأولى التى يمثل فيها زعيم دولة وهو فى الحكم أمام المحكمة الدولية ويذهب اليها غيرمقبوض عليه معولا على عدم كفاية الأدلة بعد انسحاب سبعة من الشهود ورفض حكومته طلب المحكمة تسليمها تسجيلات هاتفية وبيانات مصرفية مفضلا ذلك على اصدار مذكرة توقيف بحقه تجرعليه الادانات وتقيد تحركاته الخارجية وتعرض بلاده لعقوبات اقتصادية كما حدث للرئيس السودانى عمر البشير. ومع ذلك فإن حجب المستندات والأدلة التى يمكن أن تساعد على إثبات أن كينياتا دفع أموالا لأشخاص ليشاركوا فى أعمال العنف دفع الادعاء الى المطالبة بالإبقاء على القضية مفتوحة حتى لواستمر انسحاب الشهود بعد ترهيبهم أو رشوتهم وفقا لما قالته فاتو بن سودا المدعية العامة للمحكمة.فحمامات الدم التى استمرت شهرين وراح ضحيتها أكثر من 1200 انسان وشردت نحو 600 ألف آخرين وتعد الأسوأ منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1963 ستبقى ماثلة فى أذهان القائمين على العدالة الباحثين عن الجناة لينالوا جزاءهم عن جرائمهم بحق شعوبهم. بعد التحقيق الذى أجرته الأممالمتحدة أصدر مورينو أوكامبو المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية وقتها لائحة بأسماء ستة من كبار المسئولين متهما اياهم بتدبير أعمال العنف التى وصفها بأنها جرائم ضد الانسانية وعلى رأسهم كينياتا الذى كان وقتها نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للمالية ونائبه الحالى وليام روتو الذى كان متحالفا مع مرشح المعارضة رايلا أودينجا بالاضافة الى وزيرى التعليم العالى والصناعة وسكرتير مجلس الوزراء وقائد الشرطة ومدير الاذاعة.وشملت عريضة الاتهام القتل والتعذيب والترحيل القسرى والاضطهاد.وأشار أوكامبو الى أن هناك متهمين آخرين تترك للحكومة احالتهم الى القضاء الكيني. قبل انتخابات 2013 التى فازا فيها بمنصبى الرئيس ونائبه ذهب كينياتا وروتو الى المحكمة الدولية بناء على طلبها بينما حاولا بعد ذلك التهرب بحجة مشاغلهما ومسئولياتهما التى تستغرق كل وقتهما الا أن قضاة المحكمة أصروا على مثول كينياتا أمامهم فلم يجد مفرا من الموافقة.أما المتهمون الآخرون فقد حال نواب بالبرلمان دون محاكمتهم داخليا حتى الآن رغم أن اتفاق تقاسم السلطة بين مرشحى الرئاسة فى 2007- الفائز مواى كيباكى والخاسر أودينجا- يقضى بمحاكمة المسئولين عن أحداث العنف أمام القضاء الكينى أو المحكمة الجنائية الدولية.ففى مجتمع يتفشى فيه الفساد والفقر مكلفا الدولة أربعة مليارات دولار سنويا -أوما يعادل ثلث الميزانية العامة- وتصل الرشاوى الى 10% من قيمة أى صفقة حكومية ليس من الصعب تزوير نتائج الانتخابات وترغيب أو ترهيب الشهود. مشكلة كينيا الأساسية هى استحواذ مجموعة عرقية واحدة هى كيكويو على السلطة منذ الاستقلال.فرغم أنها لا تشكل سوى 22% من عدد السكان الا أنها أكبر العرقيات وأكثرها ثراء وتسعى بكل الوسائل للحفاظ على مكانتها ومكاسبها.كما أنها تستحوذ هى وعرقية كالنجين رابعة أكبر الجماعات العرقية على 40% من وظائف الدولة وتهيمنان على الجيش والشرطة والمخابرات بما يضمن لهما البقاء فى الحكم.كما يتمتع تحالف كينياتا بنفوذ قوى وثراء فاحش قال خصومهم انهم استغلوه فى شراء أصوات الناخبين وتزوير نتائج الانتخابات وكسب ولاء الأجهزة الأمنية.وتقدر ثروة كينياتا وحده بنحو 500 مليون دولار وتمتلك عائلته الكبيرة (عائلة جومو كينياتا أول رئيس بعد الاستقلال) ثلث أراضى كينيا الزراعية (500 ألف فدان). وربما لهذه الأسباب وغيرها أخفق أودينجا الذى ينتمى لعرقية اللو ثالثة أكبر العرقيات (13%من عدد السكان) فى انتزاع الرئاسة من كيباكى ومن بعده كينياتا.ففى انتخابات 2007 أظهرت النتائج الأولية تقدمه على منافسه بمليون صوت ثم جاءت النتائج النهائية بعد تأخير اعلانها عدة أيام لتعطى كيباكى تقدما بفارق 200 ألف صوت مما أثار اتهامات بتزويرها.وزادت الشكوك عندما سارع كيباكى بحلف اليمين الدستورية بعد 30 دقيقة من اعلان النتيجة دون انتظار الفصل فى الطعون فاندلع العنف فى مجتمع يقف على برميل بارود بسبب الصراع على الأرض الزراعية.فقد انتزع الانجليز الأراضى الخصبة من قبائل الماساى وكالينجين فى الوادى المتصدع ليزرعوها بالشاى ولما انسحبوا سلموها لقبائل كيكويو وحلفائهم وأعطوا أصحابها الأصليين أراضى فى مناطق تتركز فيها قبائل أخرى لم تقبل بوجودهم معها ودارت الصراعات الدموية.ومع أن دستور 2010 نص على اعادة توزيع الأراضى المغتصبة على المحرومين وتم تشكيل لجنة لهذا الغرض الا أن النخبة السياسية عرقلت برنامج الاصلاح الزراعى وذهب سدى اعلان الحكومة عام 2006 أنها ستعيد توزيع الأراضى التى تغيب ملاكها. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى