فى سياق التعلم الايجابى من العالم فى مواجهة تحدى تصنيع مصر؛ باعتباره عنوان التقدم الشامل وأساس الأمن القومى والانسانى وسبيل العدالة الاجتماعية ومكافحة البطالة، أوجزت فى مقالات سابقة أهم الحقائق التى أوردها تقرير منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية لعام 2013. وفى سياق التعلم الايجابى من العالم فى مواجهة تحدى أزمة الطاقة بمصر، وحيث لا تصنيع بغير بناء قاعدة الطاقة، أوجز هنا أهم الحقائق التى أوردها تقرير وكالة الطاقة الدولية لعام 2013. وتجدر الإشارة فى البداية الى أن تأسيس وكالة الطاقة الدولية كان رد الغرب على تحدى ثورة انهاء العرب لعصر الطاقة الرخيصة، حين تمكنت البلدان العربية الخليجية المصدرة للبترول من إجبار الغرب على تصحيح أسعاره؛ بفضل عبور قواتنا المسلحة العظيم فى حرب أكتوبر 1973 والدعم العربى الخليجى لحرب تحرير الأراضى العربية من الاحتلال الاسرائيلى باستخدام سلاح البترول. وأما وكالة الطاقة الدولية، التى اتسعت لتضم الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية الكبرى واليابان وغيرها من الدول الصناعية أعضاء منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، فقد تبنت- منذ نشأتها بعد عام من حرب أكتوبر- استراتيجية تطلعت الى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: أولها، ترشيد استهلاك الطاقة، وثانيها، تقليص وزن البترول فى استهلاك الطاقة بتنمية مصادرها البديلة، وثالثها، تقليص الاعتماد على صادرات البترول العربى الخليجى مع ضمان امداداته. وقد تمكنت الدول الصناعية بفضل تقدمها التكنولوجى وقوتها الشاملة من تحقيق هذه الأهداف جزئيا، كما تكشف تقارير وكالة الطاقة الدولية عن احصاءات تطور وحالة انتاج واستهلاك الطاقة، والتى تعد الأهم من نوعها فى العالم. والى تقرير الوكالة، الذى صادف الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر، تستند الحقائق التالية، التى ينبغى أن نتعلم منها فى صياغة استراتيجيتنا الوطنية للمواجهة الشاملة لتحدى أزمة وفجوة ومستقبل الطاقة فى مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. الحقيقة الأولي، أن البترول والغاز الطبيعى رغم التراجع النسبى فى استهلاكهما مازالا يمثلان أهم مصادر الطاقة المستهلكة فى العالم. فقد هبط نصيب البترول من نحو 46 % فى عام 1973 الى نحو 32 % فى عام 2011، ولكن ارتفع نصيب الغاز الطبيعى من 16 % الى أكثر من 21 %، ورغم هبوط نصيبهما معا من 62 % الى 53 % فقد استمر البترول والغاز المصدر الأهم للطاقة فى العالم. وقد هبط بدرجة طفيفة نصيب الشرق الأوسط من انتاج البترول الخام فى العالم؛ من نحو 37 % فى عام 1973 الى نحو 33 % فى عام 2012، ولكن، وفى المقابل، زاد نصيب الشرق الأوسط من انتاج الغاز الطبيعى فى العالم تضاعف ثمانى مرات من نحو 2 % فقط فى عام 1973 الى نحو 16 % فى عام 2012. والحقيقة الثانية، أن بلدان الأوبك استمرت أهم مصدر للبترول الخام فى العالم، ومنها فان السعودية والامارات والكويت والعراق ومعها ايران قد أسهمت بنحو 40% من صادرات البترول الخام فى العالم فى عام 2011، وفى المقابل، وفى ذات العام، استمرت الدول الصناعية أهم الدول المستوردة للبترول الخام فى العالم، ومنها بقيت الولاياتالمتحدة أهم المستوردين؛ بنصيب بلغ نحو ربع واردات العالم (24 % من الاجمالي). وبلغ نصيب الأخيرة مع المانيا وفرنسا وايطاليا وهولندا اضافة الى اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة نحو ثلثى واردات العالم (أكثر من 63 % من الاجمالي). كما تجدر الاشارة الى أن الصين صارت مع نهضتها الصناعية الكبرى ثانى أهم مستورد للبترول الخام فى العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية. كما تجدر ملاحظة أن قطر قد شغلت المرتبة الثانية بعد روسيا فى تصدير الغاز الطبيعي، وبحصة بلغت نحو 15 % من اجمالى صادراته العالمية، ومثلت الدول الصناعية أهم الدول المستوردة له. والحقيقة الثالثة، أن الفحم رغم كل المحاذير البيئية قد استمر ثانى أهم مصدر للطاقة فى العالم، وبحصة زادت من نحو 25% الى نحو 29% من اجمالى امدادات الطاقة فى العالم. بل وعلى الرغم من كل سياسات وجهود حماية البيئة من التلوث، وخاصة بتقليص انبعاثات الكربون الناجم عن استخدام البترول الخام والفحم، فقد استمر الأخيران أهم مصدرين للطاقة فى البلدان الصناعية أعضاء منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية. وهكذا، فقد هبط نصيب البترول الخام فى استهلاك هذه البلدان للطاقة من نحو 53% فى عام 1973 الى نحو 36% فى عام 2012، وهبط استهلاك الفحم من نحو 23% الى نحو 20% بين ذات العامين. وساعد على هذا ارتفاع مساهمة الغاز الطبيعى فى اجمالى استهلاكها للطاقة من نحو 19% الى نحو 26%. والحقيقة الرابعة، أن كل اجراءات وسياسات تنويع مصادر الطاقة خاصة الجديدة والمتجددة والنظيفة لم تسفر عن تغيير جذرى فى مصادر الطاقة فى البلدان الصناعية أعضاء منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية. وهكذا، فقد استمر نصيب الطاقة من المصادر الهيدروليكية (المائية) ثابتا، ولم يتعد نحو 2% تقريبا، رغم زيادته بدرجة طفيفة. وتضاعفت حصة الوقود الحيوى والنفايات فى مصادر الطاقة من أكثر قليلا من 2% الى أكثر قليلا من 5%. وأما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة فانه على الرغم من تضاعف حصتها بنحو ثمانى مرات فإن حصتها لم تتعد نحو واحد ونصف فى المائة من اجمالى امدادات الطاقة المستهلكة فى العالم. والأهم أن نصيب الطاقة النووية فى اجمالى استهلاك الطاقة قد تضاعف بنحو ثمانى مرات، من أكثر قليلا من 1% الى أقل قليلا من 10%؛ رغم كل اللغو عن تراجع الاعتماد عليها لارتفاع تكاليفها وتجنبا لمخاطرها. وللحديث بقية عن محتوى التقرير والدروس الواجب تعلمها منه. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم