إن المظاهرات التي شهدتها مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو ليست صورة من صور التعبير عن الرأي وليست سلمية بأي حال من الأحوال، بل هو إرهاب للدولة وللمواطنين وترويع لهم واعتداءات علي حياتهم وإزهاق لأرواحهم وتدمير للمنشآت الحيوية والعامة والشخصية وتمثل جميعها أفعالا مؤثمة ومجرمة قانونًا بحكم قانون العقوبات الحالي قبل صدور قانون التظاهر الجديد. وقد حسم صدور قانون تنظيم الحق في التظاهر ثلاث قضايا مهمة ظل يعاني المجتمع المصري من عدم تقنينها علي مدي السنوات الأربع الماضية، وأدت الي تكرار الفوضي والعنف المنظم بالشارع واستخدام التظاهر لتهديد مؤسسات الدولة وترويع المواطنين الأبرياء ونزيف الدم ووقوع ضحايا ومصابين، و تتمثل هذه القضايا فيما يلي: أولاً، في الاجراءات التي يتبعها المتظاهرون في تنظيم التظاهرات والاجتماعات والمواكب. ثانيًا، دور الأجهزة الأمنية في الحفاظ علي الاستقرار وأمن المجتمع. ثالثًا، العقوبات واجبة التطبيق علي كل من يمثل سلوكه خرقًا للضوابط والإجراءات التي حددها القانون. ولكن، علي الرغم من أهمية هذا القانون وضروريته لتنظيم ممارسة الحق في التعبير إلا أن ثمة نصوص فيه تحتاج إلي تعديل منها علي سبيل المثال ما جاء في المادة الثانية من القانون والخاصة بتنظيم الاجتماع الانتخابي، نجد أنه نص علي قصر حضور هذا الاجتماع علي الناخبين والمرشحين ووكلائهم، في حين أن الهدف من هذه الاجتماعات حضور الجمهور العام لكسبه لصالح المرشح وبرنامجه. ولم يحظ قانون باهتمام كما حظي قانون التظاهر منذ صدوره وحتي اليوم، حيث أثار فور صدوره في اواخر العام المنصرم جدلا واسعا النطاق حتي بعد التعديلات التي أجراها مجلس الدولة المصري عليه. ومع استمرار هذا الجدل، أضحت ثمة حاجة ملحة في البحث عن آلية تنهي حالة الجدل وتحقق توافقا في المجتمع، وهو ما يتطلب الإجابة علي حزمة من التساؤلات، منها: هل كانت هناك حاجة ملحة لإصدار مثل هذا القانون أم أن قانون العقوبات القائم بنصوصه كاف لمواجهة كل الجرائم والخروقات والتهديدات التي تمارسها بعض جماعات العنف بحق المجتمع؟ وإذا لم يكن قانون العقوبات كافيًا، فهل البديل الأنسب هو اصدار قانون التظاهر أم قانون الإرهاب أم إدخال بعض التعديلات علي قانون العقوبات؟ وهل قانون التظاهر الحالي يعد بديلاً لقوانين التظاهر السابقة وخاصة قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914؟ وهل يوجد بالفعل مثالب في قانون التظاهر الحالي؟ وهل يمكن تلافيها من خلال ادخال تعديلات علي بعض هذه النصوص كما يطالب البعض؟ وهل من الأفضل أن تقوم الحكومة بادخال تعديلات عليه أم يُترك هذا الأمر إلي البرلمان المقبل؟ لقد عرفت مصر علي مدي قرن كامل، أربعة قوانين خاصة بالتظاهر، بدءا من القانون رقم 10 لسنة 1914 الصادر في 18 أكتوبر 1914 في عهد الخديو «عباس حلمي الثاني» وحكومة «حسين رشدي»، حيث صدر هذا بعد أقل من أربعة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الأولي التي شاركت فيها منذ البداية بريطانيا التي كانت تحتل مصر منذ 1882ونص علي منح رجال الشرطة سلطة واسعة في تقدير مدي تعرض السلم العام للخطر من قبل المظاهرة أو التجمهر، وكانت هذه هي المرة الأولي التي يستخدم فيها مثل هذا التعبير الفضفاض «السلم العام» في التشريعات المصرية فقد نصت المادة الأولي من القانون علي أن «يعاقب مباشرة بالحبس مدة لا تزيد علي 6 شهور أو غرامة لا تتجاوز 20 جنيها لكل من شارك في تجمهر مؤلف من 5 أشخاص وعرض السلم العام للخطر، ورفض أوامر رجال السلطة للمتجمهرين بالتفرق»، ونصت المادة الثانية علي أن تطبق العقوبة ذاتها علي كل من «شارك في تجمهر غرضه ارتكاب جريمة أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين أو التأثير علي السلطات في أعمالها أو حرمان شخص من حرية العمل، وتزيد مدة الحبس إلي ما لا يجاوز السنتين أو الغرامة التي لا تزيد علي 50 جنيهًا لمن يحمل السلاح أو الآلات التي يمكن أن يؤدي استخدامها للوفاة، أما إذا استخدم المتجمهرون حاملو السلاح أسلحتهم فإن مدة الحبس ستتضاعف إلي 3 سنوات، أما إذا استخدموا القوة والعنف فقط في مواجهة السلطات، فتتضاعف مدة الحبس إلي سنتين. ونصت المادة الثالثة علي:»أن جميع المشاركين في المظاهرة وقت ارتكاب الجريمة يتحملون مسئوليتهم جنائيًا بصفتهم شركاء في أي عمل جنائي يعاقب عليه هذا القانون، إذا علموا بغرض التجمهر.. أن صدور قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية الذي يحمل رقم 107 لسنة 2013 جاء لينظم ممارسة هذا الحق بصورة كلية بعد إلغائه لكل التشريعات السابقة التي ظلت قائمة من حيث النصوص وغائبة من حيث التنفيذ. وقد اثار القانون الجديد جدلا واسع النطاق بين مختلف القوي السياسية التي رأي بعضها أن القانون لا يخالف المعايير الدولية الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة ويتفق في ذلك مع ما ورد في تشريعات الدول الديمقراطية، وبين من اعتبره قيدًا علي الحقوق والحريات ويُفرغ ممارسة هذا الحق من مضمونه، وهو ما يدفعنا إلي استعراض قوانين التظاهر في بعض البلدان الديمقراطية للوقوف علي مدي ديمقراطية القانون بما تضمنه من ضوابط واجراءات وهل يعني تنظيم الحق تقييده أم أن حرية ممارسة الحق تعني التخريب والإضرار بأمن المجتمع وأمان مواطنيه؟ فإذا ما نظرنا إلي فرنسا، والذي ينص دستورها علي أنه «لا يمكن لأحد أن ينتابه قلق بسبب أفكاره وآرائه وإن كانت دينية شريطة أن يكون التعبير عنها لا يتصادم مع النظام العام الذي يؤسسه القانون»، وهو ما تُرجم في نصوص تشريعية، فالقانون الجنائي الفرنسي لا توجد به إشارة صريحة إلي مصطلح التظاهر، وإنما استعاض عنها بمفردتين هما: الغوغائية (التجمهر الصاخب) والتجمع علي نحو علني، حيث أجاز القانون استخدم القوة (السلاح الناري) ضد الغوغاء بموجب أمر صريح صادر عن السلطة المختصة تقرره وهي حاضرة في المكان نفسه مفرقًا في هذا الأمر بين استخدام السلاح الناري وبين استخدام الوسائل العسكرية للتعامل مع هؤلاء حيث يتطلب استخدام الأخيرة إرادة سياسية يعبر عنها رئيس الوزراء. كما ألزم المرسوم بقانون الصادر في 23 اكتوبر 1935 ما سماه «التجمع في مكان عام» ضرورة الحصول علي تصريح مسبق من البلدية الكائن بمكانها التظاهرة علي أن يقدم التصريح خلال ثلاثة أيام علي الأقل من موعدها متضمنًا تحديد الهدف والمكان والتاريخ والساعة. كما منح لرئيس الشرطة الحق في أن يأمر بمنع التظاهرة اذا كانت ذات طبيعة خطرة علي النظام العام وذلك قبيل التظاهر بأربع وعشرين ساعة. وفيما يتعلق بالعقوبات، نص قانون العقوبات علي أن يعاقب كل من يخالف هذه القواعد بالحبس ستة أشهر وغرامة 7500 يورو، أما من حمل سلاحا في مظاهرة فكانت عقوبته الحبس ثلاث سنوات وغرامة 45000 يورو. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية، نص القانون علي أنه يتعين إبلاغ الجهات الأمنية بمكان المظاهرة، والعدد المتوقع حضوره لتأمين المكان بالأدوات اللازمة، في حين لا يحق لتلك الجهات التدخل قولاً أو فعلاً في المظاهرة نفسها، وقد تم تعديل هذا القانون في عام 2011، تم بمقتضي هذا التعديل، تجريم المتظاهرين الذين يحاولون اختراق المباني الاتحادية، حيث نص علي أن دخول منطقة محظورة تقع تحت حماية جهاز الخدمة السرية بعلم يستدعي الاعتقال وهي جريمة يعاقب عليها القانون. ومعلوم أن أجهزة الخدمة السرية والشرطة مخولة ليس فقط بحماية الرؤساء السابقين أو الرئيس الحالي للولايات المتحدة بل يناط بهم مهمة حماية ومراقبة المناسبات والأحداث ذات الأهمية الوطنية. وفي بريطانيا، وضع قانون التظاهر قيودًا كبيرة علي التظاهر بحجة منع «الشغب»، حيث منع الوجود حول البرلمان والمنشآت الحيوية، فقد كان يضع مسافة تقدر بكيلومتر واحد بين المظاهرة والبرلمان، إلا أنها أُلغيت في 2011، حيث تم السماح لرجال الشرطة بأن يقدروا المسافة حسب رؤيتهم، بالإضافة لمنع استخدام مكبرات الصوت أو نصب الخيام أو المعدات المشابهة تمهيدًا للاعتصام، وإلا ستتم مصادرة هذه المعدات بواسطة الشرطة وتعرض صاحبها لغرامة تصل إلي 5000 جنيه إسترليني، كما يحتم القانون إبلاغ الشرطة كتابيًا قبل موعد التظاهرة بستة أيام, ويحدد الطلب تاريخ, وزمن المظاهرة، والمسار الذي سوف تسلكه, وأسماء وعناوين المنظمين والأشخاص, ومنع أي اعتصام أو مظاهرة من شأنها أن تؤدي إلي غلق شارع، أو عرقلة حركة المرور علي الطرق العامة، أو الخاصة، كما يمنع إنشاء خيام, أو أي هيكل آخر للنوم أو استخدام أي معدات لهذا الغرض. بل أكثر من ذلك، أعطت المادة 60 من قانون العدالة الجنائية والنظام العام لعام 1994 لضابط الشرطة ايقاف وتفتيش أي شخص دون أي شبهة. وفي إسبانيا, يفرض القانون غرامة علي المواطنين عند قيامهم بمظاهرات غير مرخصة, كما يجرم إهانة رجال الشرطة, ويمنع المتظاهرين من ارتداء أقنعة, أو أي شيء يخفي هويتهم.