تعتبر حرب اكتوبر 1973 بكل المقاييس الاستراتيجية في ظل الاوضاع العالمية والاقليمية السائدة لحظة اشتعالها . وموازين القوة العسكرية الاسرائلية والعربية تعتبر معجزة عسكرية انتزعت بها الامة العربية النصر فاستعادت عزتها وكرامتها . فكانت نقطة تحول استراتيجي في الصراع العربي الاسرائيلي الذي استمر مشتعلا زهاء 30 عاما بل كانت نقطة تحول استراتيجي في المنطقة العربية والشرق اوسطية وتغيرت كثير من المفاهيم التي كانت سائدة فيها واصبح عالم ما بعد اكتوبر يختلف تماما عما كان عليه قبل نصر اكتوبر وبحسب ما اكده اللواء اركان حرب عبد الستار أمين الاستاذ الزائر باكاديمية ناصر العسكرية ان نصر اكتوبر كان له تاثيرات استراتيجية علي اطراف الصراع العسكري في مجالات قوي الدولة الشاملة سياسيا واقتصاديا وعسكريا . ويشمل النطاق الاقليمي كافة الدول العربية من المحيط الاطلسي غربا الي الخليج العربي شرقا ومن السواحل الجنوبية للبحر المتوسط شمالا الي منابع النيل والقرن الافريقي وبحر العرب جنوبا أي انه يضم كافة الدول العربية والافريقية علي امتداد البحر الاحمر حتي باب المندب وامتداد وادي النيل جنوبا حتي منابعه ليشمل النطاق كافة الدول التي نطلق عليها دول شرق اوسطية غير العربية مثل تركيا – ايران – اسرائيل – اريتريا – اثيوبيا واوغندا .... الخ ويضيف امين ان خلال الربع قرن الماضي تحسنت العلاقات العربية مع معظم القوي العالمية وخاصة مع الولاياتالمتحدةالامريكية والدول الغربية الديمقراطية وانحصر دور الاتحاد السوفيتي بشكل كبير في دول الشرق الاوسط ولعبت الولاياتالمتحدةالامريكية دورا رئيسيا في احلال السلام في المنطقة بعملها كشريك كامل في جهود السلام وزاد تعاونها في المجالات العسكرية لدول المنطقة . ومن أهم المتغيرات العالمية والاقليمية انحصار الحرب الباردة بانهيار النظم الشيوعية وتراجع دور الاتحاد السوفيتي كقوة عظمي وتبلورت احادية القطبية للولايات المتحدةالامريكية وما تبع ذلك من تاثيرات علي الاوضاع العسكرية العالمية والاقليمية , وايضا الاتجاه العالمي للحلول السلمية للقضايا الاقليمية مع تعظيم دور الاممالمتحدة في الحصول للحلول السلمية وفرض السلام عن طريق استخدام سلطات مجلس الامن بفرض عقوبات علي الدول . وفرض قيود وضوابط لعمليات التسليح ونقل التكنولوجيا العسكرية خاصة في مجالات صناعة الصواريخ واسلحة التدمير الشامل بما في ذلك الاسلحة النووية . وكذلك فرض قيود علي تجارة الاسلحة التقليدية بفتح سجلات في الاممالمتحدة لتدوين حركة تجارة الاسلحة . كما كان اتجاه لخفض الاسلحة الاستراتيجية في اوربا مثل الاسلحة النووية قريبة ومتوسطة المدي وكذا لخفض الاسلحة التقليدية في اوربا عقب حلف وارسو . واعادة تنظيم قوات حلف الناتو بتشكيل قوات انتشار سريع لفرض السلام والاستقرار في المناطق الملتهبة سواء داخل نطاق الحلف او خارجه .واخيرا انتشار ظاهرة الارهاب عالميا واقليميا ( الجزائر – السودان – ايران – افغانستان ) مما هدد الامن القومي في المنطقة . ويقول امين ان نشوة النصر في حرب اكتوبر لم تنس ان يطرح الرئيس الراحل انور السادات مبادرة سلام للحل السلمي للقضية يوم 16 اكتوبر امام مجلس الشعب المصري . وصد قرار وقف اطلاق النيران رقم 338 الذي تعهدت فيه القوتان الاعظم بضمان وقف اطلاق النيران وحل المشكلة علي اساس قرار مجلس الامن رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967 فكانت اتفاقيتا فصل القوات الاولي والثانية علي الجبهة المصرية والسورية كاستثمار لنصر اكتوبر . مما جعل المنطقة تنعم بالهدوء والاستقرار العسكري لاول مرة منذ عام 1948 , ودارت عجلة السلام وادارت مصر معارك السلام بنفس الشجاعة والاصرار الذي ادارت به معارك الحرب علي مدار 30 عاما قدمت خلالها اكثر من 100000 شهيد من اغلي شبابها في اقدس المعارك التي خاضتها العسكرية المصرية دفاعا عن شعب مصر وعن شرف الامة العربية . ويتابع امين ان مصر استمرت في الدعوة لنهج السلام العادل والشامل واستطاعت خلال مؤتمر القمة العربي بالقاهرة عام 1996 من الاتفاق علي اجماع عربي علي التمسك بالسلام كخيار استراتيجي للامة العربية لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة العربية والشرق الاوسط تمهيدا لتنمية المنطقة وايجاد علاقات شاملة ومنافع متبادلة ومصالح مشتركة بدلا من الصراع العسكري والاقتتال بين دول المنطقة . ويضيف امين انه بالمقارنة بين اهم ملامح السياسة العسكرية المصرية عقب نصر اكتوبر 1973 وبين نظيرتها السياسة العسكرية الاسرائيلية في نفس الوقت نجد ان مصر ركزت علي اعادة بناء القدرات العسكرية عقب نصر اكتوبر في اطار توازن استراتيجي مقبول في منطقة الشرق الاوسط ببناء قدرة عسكرية دفاعية تحقق الردع الاستراتيجي وتضمن الدفاع لتحقيق الامن القومي المصري والعربي . واهتمت بتشجيع البحوث والتطورات العالمية والتكنولوجية لخدمة الالة العسكرية المصرية , وركزت علي اجراء بحوث مكثفة لتطوير الفكر السياسي العسكري والفكر الاستراتيجي العسكري بما يخدم اهداف الدفاع وطنيا وعربيا وافريقيا. اما اسرائيل فاهتمت باحراز التفوق في مجال الاسلحة التقليدية واسلحة الدمار الشامل بما في ذلك امتلاك ترسانة نووية تضم العديد من الرؤوس النووية ووسائل التوصيل بامتلاك وتطوير الصواريخ " اريحا " متوسطة وبعيدة المدي وطائرات ف 15 و 16 المتطورة . وركزت علي امتلاك عناصر استطلاع استراتيجي حاليا تضم مجموعة من اقمار فضائية تستخدم في الاغراض العسكرية ويمكنها ان تغطي معظم الدول العربية . وكانت نقطة التحول الاستراتيجي في مجال تطوير التسلح والحصول علي التكنولوجيا المتقدمة في مجال الصناعات الحربية هي توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدةالامريكية في اول الثمانينات التي ضمنت استمرار التفوق العسكري واكدته , ثم اعقبها التوقيع علي عدة اتفاقيات وبروتوكلات مع امريكا بحيث تطورت العلاقة ووصلت الي ما يشبه التحالف الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدةالامريكية حاليا . وتحولت اسرائيل عقب حرب اكتوبر في مجال الردع العسكري من الردع باستخدام الاسلحة التقليدية ( الذي فشل خلال حرب اكتوبر ) الي الردع النووي . وحاولت اسرائيل اختراق منطقة الخليج والحصول علي موطئ قدم لتمارس نشاطها في هذه المنطقة الحيوية الغنية بمصادر البترول والغاز والبترو دولار وهو هدف استراتيجي في مخططات الصهيونية العالمية باعتبار الطاقة عصب الحياة ومصدر لرؤوس الاموال . كما سعت الي تطوير علاقتها العسكرية مع تركيا اما في اطار حلف الناتو او في اطار الاستراتيجية الامريكية الخاصة بمنطقة الشرق الاوسط وخاصة منطقة شرق البحر المتوسط حيث تعتمد امريكا علي اسرائيل لحماية مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة . وسعت اسرائيل عقب نصر اكتوبر لدعم علاقتها مع اثيوبيا عن طريق تقديم مساعدات لها لحل مشاكلها علي امل التاثير علي الموقف الاثيوبي الارتيري للحصول علي تسهيلات عسكرية عند باب المندب " المدخل الجنوبي للبحر الاحمر" بالتواجد في الجزر القريبة من المضيق . كما تأمل اسرائيل بفضل تدعيم علاقتها مع اثيوبيا ان تساهم في اثارة مشاكل مياه وادي النيل والمنتظر ان تتصاعد خلال القرن القادم كجزء من الصراع حول المياه في الشرق الاوسط . وبشكل عام يمكن القول ان الهدف الاستراتيجي من النشاط الاسرائيلي في الدول شرق اوسطية غير العربية هو الالتفاف حول الدول العربية في اسيا وافريقيا لمحاولة تهديد العمق الاستراتيجي للامة العربية بتهديد المصالح الحيوية في العمق العربي والحصول علي موطئ قدم يخدم اهدافها التوسعية العدوانية علي الامة العربية والوصول الي دول العمق في العالم العربي لاحكام سيطرتها مستقفبلا علي نتطقة الشرق الاوسط . ويؤكد امين ان علي ضوء ما سبق وحقيقة انه لاتستطيع أي دولة في العالم تحقيق امنها الشامل بمفردها بما فيها الولاياتالمتحدةالامريكية بدليل انها مازالت متمسكة بانتمائها لحلف الناتو باعتباره خط دفاعها الاول وعقدت العديد من الاتفاقيات متعددة الاطراف لدعم امنها الشامل .