ثمة إجماع على أن الوقت حان لإعادة التفكير فى أطر وقواعد النظام الأقليمى العربى والذى تجسده الجامعة العربية التى ما زالت محكومة بقواعد ومحددات تضمنها ميثاقها الذى أقرته سبع من الدول العربية فى العام 1944 وهو ما يجعل أمينها العام الدكتور نبيل العربى يتساءل غيرمرة فى حوارته معى عندما أسأله عن إشكالية التطوير والأصلاح لمؤسسات الجامعة : هل يعقل أن تعمل سيارة فى العام 1914 بمحرك صنع فى العام 1944 ؟ بالطبع السؤال منطقى ولكن الإجابة عنه تطلبت جهودا ولجانا وتقارير عرضت على قمتين عربيتين هما قمة بغداد فى العام 2012 وقمة الدوحة فى العام2103 واللتين طالب فيهما القادة بالمزيد من الدراسة والبحث المعمق فى أسس التطويروالإصلاح المطلوب للجامعة ومؤسساتها وآلياتها والأهداف المبتغاة والتى تصب فى خانة إحداث نقلة نوعية فى مسار النظام الأقليمى العربى لكى يكون أكثر قدرة وحيوية وفعالية فى التعاطى الناجز مع التحولات الخطيرة التى شهدتها -وما زالت - المنطقة خاصة الأعوام الأربعة الأخيرة التى اجتاحتها فيه جملة من التغييرات الهيكلية فى عدد من بلدان ما يسمى بالربيع العربى كان لها تداعياتها الواضحة ليس على البعد الداخلى لهذه البلدان ولكن على محيطها القومى وفى خلال الدورة الأخيرة العادية لمجلس الجامعة العربية – رقم 142 – التى عقدت بالقاهرة على مستوى وزراء الخارجية كان ملف تطوير وإصلاح الجامعة العربية مطروحا بقوة فى صدارة جدول الأعمال, بيد أن ملف مواجهة الإرهاب وتداعيات سيطرة داعش وإخواتها من منظمات متطرفة حسب التعبير الذى يفضل الدكتور نبيل العربى استخدامه هيمن على أجواء الدورة ويمكن القول فى هذا السياق أن ملف التطوير والإصلاح سيظل مطروحا على جدول أعمال اجتماعات الجامعة العربية خلال المرحلة المتبقية حتى إنعقاد القمة العربية فى مصر خلال شهر مارس المقبل والتى من المنتظر أن تقر أسس التطوير والإصلاح التى وضعتها فرق العمل الأربعة التى عملت على مدى السنتين الماضيتين فى إطار اللجنة المعنية التى شكلها الأمين العام للجامعة لبحث هذا الملف والتى اشتملت على الجوانب القانونية والفنية والسياسية وغيرها من الجوانب، وعندما سألت الدكتور نبيل العربى عن رؤيته لهذا الملف أوضح أن تطوير الجامعة العربية لا يمكن أن يتم بقفزة واحدة تستهدف معالجة كل النقائص وإنشاء منظومة مثالية صالحة لكل زمان وفي كل مكان ولكنه عملية متواصلة تتسم بالواقعية والطموح وتقوم علي رؤية جديدة للجامعة العربية ودورها وأهدافها وميثاقها وأجهزتها الرئيسية مع الأخذ في الاعتبار بالتطورات التي لحقت بالنظامين الإقليمي والدولي جنبا إلي جنب . والمؤكد – كما يضيف – أنه لن يكتب النجاح لاي محاولة لإصلاح الجامعة العربية ما لم يتم تعزيز الإرادة السياسية اللازمة للقيام بعمل عربي مشترك حقيقي وما لم يتم النهوض بالتعاون بين الدول العربية علي نحو يضم حماية مصالحها ، وذلك يستوجب أن يكون هناك ترتيب للأولويات علي نحو يساعد الدول الأعضاء علي الوفاء بالتزاماتها بالإضافة إلي إصلاح هياكل الجامعة العربية نفسها كي تتمكن من الاضطلاع بمهامها علي الوجه الأمثل على نحو يدفعها الى أن تكتسب المزيد من ثقة الحكومات والمجتمعات العربية وتسعي نحو مزيد من التواصل مع تطلعات الشعوب ومنظمات المجتمع المدنى وبالذات فى مجال حقوق الانسان ، وثمة خطوة نوعية اتخذت فى هذا السياق تتجلى فى مواقفة القادة العرب على إنشاء محكمة عربية لحقوق الانسان بناء على مقترح من عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى بالإضافة الى هناك مقترحات عدة لإجراء تعديلات مهمة على ميثاق الجامعة وعلى مجلس السلم والأمن العربى وإنشاء آلية للإٍسراع بتقديم المساعدات الانسانية . ويقول الدكتور العربى : إن ثمة آليات مغايرة باتت مطلوبة لإنجاح العمل العربى المشترك وهو ما سيتم التركيز عليه فى الفترة المقبلة، لافتا فى هذا الصدد الى أن منظمة أقليمية كالاتحاد الأفريقى حققت قفزات نوعية أكثر بكثير من الجامعة العربية على الرغم من أن أمكانات الدول العربية تتجاوزبكثير إمكانات الدول الأفريقية لسبب بالغ البداهة يتمثل فى أن هذه الدول تلتزم بقراراتهاوتنفذها بينما الدول العربية كثيراما تسوف فى تطبيق القرارات التى تتخذ على المستوى القومى. ووفقا للسفير أحمد بن حلى نائب الأمين العام للجامعة فإن ثمة إعادة نظر شاملة وعميقة لتطوير أداء الجامعة على نحو يقود الى تغيير كل الأساليب والمناهج لتى حكمت الفترة السابقة من تاريخها وتعديل ميثاقها الذى تم صياغته فى العام 1944 وفق مرئيات وآليات عمل تتوافق مع المتغيرات والمستجدات التى شهدتها المنطقة فى السنوات الأخيرة مشددا على أن التطوير المرتقب لن يقتصر على الجوانب الإدارية والمالية وإنما سيكون أكثر شمولا وعمقا من منظور استراتيجى شامل بما ينقل الجامعة العريبة الى مرحلة جديدة من التفاعل مع المخاطر التى تواجه النظام الأقليمى العربى، وحسب منظور صلاح الدين مزاور وزير الخارجية المغربى فإن من بات من الضروري مراجعة الأولويات، لا بالنسبة للجامعة العربية، ولا بالنسبة لكل بلد عربي على حدة ولكن على مستوى النظام الأقليمى العربى ولعل في مقدمة هذه الأولويات العمل من أجل استرجاع القدرة على التحكم في الوضع والتأثير على الأحداث في أفق توجيهها : إعادة توجيه سياسة الجوار العربي نحو خدمة المصير المشترك للشعوب التي أضحت مهددة بالتفكك. تسخير القدرات المتاحة، خاصة منها الإعلام الجماهيري للعب دوره التاريخي في خدمة شعوب المنطقة ومواجهة ثقافة الفتنة والتطرف وترويج الجهل. ضرورة تمكين المرحلة الجديدة في العلاقات العربية العربية من أدوات مناسبة في مجالات الأمن والسياسة الخارجية وتبادل المعلومات. القيام بعمل عميق ودؤوب على الواجهة الفكرية والعلمية والثقافية، لا فقط من أجل إرشاد الناس لصحيح دينهم وتعرية التطرف الدي يتخفى وراء قراءات غائية، ولكن أيضا من أجل تغيير الصورة النمطية التي أُلصقت بالإسلام جراء فظاعة الجرائم التي ارتكبت ولازالت ترتكب باسم الدفاع عنه، والمنافية كليا للقيم الإنسانية والأخلاقية الكونية، وكذلك من أجل ترسيخ قيم التسامح والوسطية والاعتدال وتعزيز قنوات الحوار والتسامح بين الحضارات والثقافات والأديان على أساس من التكافؤ والاحترام المتبادل والاعتراف بمشروعية الاختلاف.