فى مبادرة هى الأولى من نوعها حرص الدكتور نبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية على استضافة رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة والمستقلة، الى جانب وكالة أنباء الشرق الأوسط وعدد من محررى الشئون العربية مساء أمس الأول بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، بحضور نائبه السفير أحمد بن حلى وعدد من الأمناء المساعدين للقطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية. واتسم اللقاء بقدر كبير من المصارحة وتناول الأعباء والتحديات التى تواجه النظام الإقليمى العربى، خاصة بعد ثلاث سنوات من ثورات الربيع العربى وقرب انعقاد القمة العربية العادية الخامسة والعشرين الأسبوع المقبل بالكويت، وقدم فيه رؤيته لكيفية التعاطى مع الملفات الساخنة فى المنطقة العربية. وقد سيطر على اللقاء، سواء فى مداخلات الدكتور نبيل العربى أو السفير بن حلى أو تساؤلات رؤساء التحرير، الملفات المطروحة على القمة العربية المقبلة التى تستضيفها الكويت للمرة الأولى على الصعيد العربى، والمرتبطة فى أغلبها بمفردات الواقع العربى الراهن والتى يمكن تصنيفها فى خانة الأزمة، أو بالأحرى الاحتقان، وهو ما يستوجب ضرورة إحداث تغيير يطول الشكل والمحتوى فى أداء النظام الإقليمى العربى الذى تجسده الجامعة العربية، والجديد فيما طرحه العربى أو كبار مساعديه يتمثل فى أن الجامعة لاتمارس دورا سياسيا فحسب، وإنما هناك أدوار نوعية على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية لمساعدة شعوب المنطقة . وكالعادة فإن القضية الفلسطينية بأبعادها المختلفة ستكون وفقا لما ذكره الدكتور نبيل العربى على رأس أولويات قمة الكويت باعتبارها القضية المركزية والمحورية للأمة لاسيما فى ظل ما تقوم به إسرائيل من ممارسات تشكل تحديا للنظام الدولى. وبالطبع ستكون الأزمة السورية بتداعياتها الوطنية والإقليمية حاضرة بقوة فى جدول أعمال القمة الى جانب ملف تطوير وإصلاح الجامعة العربية بعد أن مضى أكثر من 69 عاما على صياغة ميثاقها، الذى سبق صياغة ميثاق الأممالمتحدة بعام الى جانب قضايا أخرى وهو ما يؤكد الحاجة الى رفد هذا الميثاق بمفاهيم وبنود جديدة كموضوع حقوق الانسان تجعله قادرا على التفاعل مع التطورات والتغيرات المتسارعة عالميا وإقليميا. وسيعرض على قمة الكويت تقرير يتعلق بمبادرة الرئيس السودانى عمر حسن البشير التى طرحها على قمة الدوحة العام المنصرم، وتتعلق بتحقيق الأمن الغذائى العربى، فضلا عن إنشاء آلية للتنسيق مع المنظمات الإقليمية والعالمية فى مجال تقديم العون والمساعدات الإنسانية، وتقرير عن مشروع عربى عملاق يتصل بالطاقة الجديدة والمتجددة. ثم أعطى العربى الكلمة لنائبه السفير أحمد بن حلى الذى وصفه بأنه يمثل ذاكرة وضمير الجامعة العربية، وقال إنه تقرر أن يركز جدول أعمال القمة على أربعة بنود فقط حتى يمكن بحثها باستفاضة، هى: قضية فلسطين باعتبارها أم القضايا العربية، ثم الأزمة السورية، وقضية مكافحة الإرهاب ثم تنقية العلاقات العربية العربية من الغيوم التى تحاصرها فى الوقت الراهن. وكان «الأهرام» أول من طرح الأسئلة على الدكتور نبيل العربى طالبا منه أن يقدم مفهومه لما تشهده دول الربيع العربى من وقائع وتطورات وأحداث خلال العام الماضى وتأثير ذلك على النظام الإقليمى العربى لاسيما فى ظل تفجر الخلافات العربية العربية فى الآونة الأخيرة وفى مقدمتها الأزمة بين مصر وقطر، وقطر وثلاث من دول مجلس التعاون الخليجى وهى السعودية والإمارات والبحرين بعد سحب سفرائها من الدوحة أخيرا، فعلق الأمين العام للجامعة العربية بقوله: يجب أن نعترف بأن الدول العربية التى طالتها رياح التغيير عانت سنوات طويلة من الحكم الاستبدادى فضلا عن مكابدات المواطنين الذين كان من حقهم الخروج مطالبين بالحرية والديمقراطية مقللا فى الوقت نفسه من مخاوف بشأن التداعيات السلبية التى شهدتها هذه البلدان لافتا الى أن المرحلة الانتقالية فى بعض الدول التى اندلعت فيها ثورات امتدت الى أكثر من 9 سنوات ثم شهدت تصحيحا لأحوالها وأوضاعها. أما فيما يتعلق بأزمة سحب السفراء من الدوحة فرأى العربى أن هذه الأزمة وقعت داخل منظومة مجلس التعاون الخليجى وهو المنوط به أن يعمل على احتوائها، أما الجامعة العربية فالأمر ليس مطروحا. وسئل العربى عن مكافحة الإرهاب فأوضح أن مصر على لسان وزير خارجيتها نبيل فهمى تقدمت بمبادرة مكونة من 6 نقاط خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية فى دورته ال 141 على مستوى وزراء الخارجية فى التاسع من مارس الحالى للتعاون العربى فى هذا المجال وذلك تفعيلا للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التى وقعت عليها 17دولة عربية فى عام 1998. وفى معرض إجابته عن سؤال آخر ل «الأهرام» حول طبيعة المقاربة الجديدة للتعامل مع الأزمة السورية بعد فشل جولتى المفاوضات بين وفدى الحكومة والمعارضة فى مؤتمر «جنيف 2» وأسئلة لزملاء من صحف أخرى تتعلق بتداعيات هذه الأزمة علق الدكتور نبيل العربى مستفيضا فى شرح الدورالذى قامت به الجامعة العربية للتعامل بفعالية وكفاءة مع هذه الأزمة منذ اندلاعها فى الخامس من مارس 2011 فى شكل متظاهرات سلمية لكنها قوبلت بعنف شديد من النظام واستعرض زياراته الثلاث لدمشق ولقاءاته الرئيس بشار الأسد والتى قوبلت فيها اقتراحاته بالرفض المطلق من قبل القيادة السورية وصولا إلى قرار الجامعة بإرسال مراقبين عرب لمراقبة الأوضاع فى سوريا بعد التوصل إلى قرار بوقف لإطلاق النار ولكن سرعان ما انهارت هذه المهمة بعد عدم تجاوب النظام معها مما أدى للاستجابة لمطالب المعارضة الملحة باللجوء إلى مجلس الأمن الدولى ولكنه للأسف لم يسهم بأى خطوة للأمام على صعيد حل الأزمة ثم عقد مؤتمر «جنيف 1» فى الثلاثين من يونيو من العام نفسه وتوصل الى وثيقة تنص على بدء مرحلة انتقالية وتشكيل حكومة أو هيئة تنفيذية لها صلاحيات واسعة وبالذات فيما يتعلق بالجيش وقوات الأمن وحظيت بموافقة كل الأطراف ولكن لم يعقد مؤتمر «جنيف 2» الا بعد سنة ونصف بعد أن طرأت تغييرات سلبية على مواقف المعارضة بعد تحولها الى مجموعات متعددة وحدوث تقدم لقوات النظام ميدانيا فضلا عن ظهور جماعات وعناصر كنت أتمنى لو أنها لم تظهرأو تنضم لفصائل المعارضة. ووجه العربى نداء إلى فصائل وقوى المعارضة بضرورة استعادة توحدتها وتشكيل قيادة موحدة لها حتى يمكنها أن تفرض حضورها كرقم مهم فى المعادلة السياسية المقبلة خاصة أن النظام يصنفها بأنها تنظيمات وجماعات إرهابية يقوم بمحاربتها منددا بارتكاب قواته جرائم ضد الانسانية وهو للأسف ما تمارسه بعض الفصائل المنتمية للمعارضة ويطرح الأمين العام للجامعة العربية تصوراته للحل والتى تقوم على تحقيق توازن عسكرى على الأرض بين طرفى الأزمة، وهو أمر لاعلاقة للجامعة العربية به ثم قيام روسيا بالتخلى عن حمايتها للنظام فضلا عن قيام إيران بتقليص دعمها له وطلبها من قوات حزب الله الانسحاب من سوريا فذلك من شأنه أن يحدث تغييرا فى مسار الأزمة التى تعانى من التجمد فى الوقت الراهن . ولكن العربى يلفت فى معرض إجابته عن سؤال الى أن مجلس الأمن هو المسئول عن إيجاد حل للأزمة لكنه لم يفعل شيئا حتى الآن، على الرغم من الأوضاع شديدة المأساوية التى يعيشها الشعب السورى التى تمثل أكبر كارثة فى القرن الحادى والعشرين . وفيما يتعلق بمنح مقعد سوريا فى الجامعة العربية للائتلاف المعارض كشف أمينها العام عن أنه شخصيا اعترض على ذلك فى بداية طرح الأمر استنادا الى منظور قانونى، فالجامعة هى بالأساس مكونة من دول ذات سيادة بينما الإئتلاف دون ذلك لكن أغلبية الدول الأعضاء أيدت المطلب ووافقت مبدئيا على تمثيله سوريا فى القمة العربية التى عقدت بالدوحة العام الماضى . وحول الوضع فى ليبيا وعما إذا كانت الجامعة قد قدمت الغطاءالسياسى للتدخل الغربى العسكرى عبر حلف الناتو لفت الى أن مجلس الأمن أصدر قرارا بفرض منطقة حظر جوى والذى أيدته الجامعة بعد أن هدد القذافى بمحو نصف مدينة بنى غازى من الوجود ثم تطور القرار الى التدخل المعروف، مشيرا إلى أن الأوضاع الحالية فى ليبيا تعكس قلقا واسعا لدى الجامعة بسبب انتشار أعمال العنف وغياب مؤسسات الدولة وانتشار المجموعات المسلحة التى تفرض هيمنتها على مناطق ومدن وموانى بكاملها. وأضاف العربى: ان اسرائيل تمارس فى مفاوضاتها مع الفلسطينيين لعبة إهدار الوقت والتى تعتبر أن لها قيمة استراتيجية فكل وقت تكسبه تحقق فيه مكاسب على صعيد مشروعها الاستيطانى مما أدى الى تحجر كامل فى مسار المفاوضات حتى الآن. وأضاف أن ثمة جانبا آخر يتمثل فى الدعم والتحرك العربى النشطين الذى أسفر عن حصول فلسطين على وضعية الدولة المراقب بالأممالمتحدة من قبل الجمعية العامة فى عام2012 والذى أعقبه اعتراف 138 دولة بها، مؤكدا فى الوقت نفسه حرص الجامعة على دعم جهود الرئيس محمود عباس الراهنة. وحينما سئل الأمين العام عن مسألة المصالحة الفلسطينية عبر عن أسفه لعدم إتمامها حتى الآن ولفت الى أن هناك قرارا من قبل وزراءالخارجية العرب بترك ملف المصالحة لمصر التى تتولاه بالفعل معبرا عن أسفه لاستمرار فرض اسرائيل لحصارها على قطاع غزة، موضحا أن الفصائل الفلسطينية وقعت على اتفاقية بالقاهرة مايو 2012 والتى نصت ضمن بنودها على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فى الضفة الغربية وقطاع غزة ولكن حماس تبدى رفضا لذلك وقال: يجب أن نتذكر أن غزة ليست «حماس» لذلك يجب عدم استمرار فرض الحصارعلى القطاع والذى اعتبره خطأ كبيرا يدفع ثمنه الشعب الفلسطينى. وكشف العربى عن أن المصالحة شهدت تعثرا خلال فترة العام التى حكمت فيها جماعة الإخوان المسلمين مصر مما أدى الى تعقد المزيد من الأمور، موضحا أن الرئيس عباس اشتكى له عدة مرات من المصاعب التى تعرض لها الفلسطينيون خلال هذا العام. وعن إمكانية ترحيل موعد قمة الكويت انتظارا لتنقية الأجواء العربية بادر بن حلى الى التوضيح أن انعقاد القمة ومشاركة القادة فيها أمر من الأهمية بمكان لاقتحام وحل المشكلات القائمة بين بعض الدول العربية لذلك نصر على عقد هذه القمة فى موعدها. وحول ما إذا كان قلقا على مستقبل الجامعة العربية لفت العربى الى أنه قلق بالفعل على هذا المستقبل لكن ما يدفعه الى الطمأنينة هو أن قطار التطوير والاصلاح بدأ يتحرك، مطالبا بأن تقتدى الدول العربية فى ذلك بنموذج الاتحاد الافريقى الذى اتخذ خطوات متقدمة فى هذا الصدد. وحول إمكانية انضمام كل من تشادوجنوب السودان الى الجامعة العربية قال العربى إن تشاد هى التى طلبت الانضمام الى الجامعة وقررت أن تكون اللغة العربية لغة رسمية فيها وهناك اتصالات مستمرة معها فى هذا الشأن، أما جنوب السودان فقد أبلغنا وزير خارجيتها خلال مشاركته فى الاجتماع الوزارى الأخير أن دولته مازالت وليدة ولم يمض عليها سوى سنتين وطلب فرصة لمناقشة هذه المسألة وأبلغنا أيضا أنهم فى حاجة الى مساعدات اقتصادية واستثمارية بالأساس فى المرحلة الراهنة. وبدوره كشف بن حلى عن أن التطوير الذى سيتم إحداثه على ميثاق الجامعة سيتيح منح صفة المراقب للدول غير العربية فيها.