اهتمامها بتناول المرأة المهمشة فى أعمالها الروائية ، واقترابها من عالم السجينات خلال فترة اعتقالها القصيرة لأسباب سياسية، ساعد الروائية والأديبة سلوى بكر على الوقوف على أسباب معاناة المرأة المصرية، واشتهرت فى الوسط الأدبى بكتاباتها عن المرأة المهمشة، والتى لا تُرى كثيرا فى الأدب، وتبدى بكر استغرابها من موقف الرجل من المرأة بعد عقود من الزمان حققت فيه إنجازات فى المجالات المختلفة . وحول قضايا المرأة، وكيف تناولتها فى أعمالها كان لنا معها هذا الحوار: رغم تفوقها العظيم فى الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية؟.. هل مازالت المرأة مخلوقا قاصرا يجب أن يظل خاضعا للرجل؟. هناك مشكلة تتمثل فى التناقض بين الواقع الفعلى للمرأة، وبين المفاهيم والقيم السائدة فى المجتمع. المرأة موجودة بالفعل وتسهم اسهامات فعالة فى كافة المجالات، وليس فقط فى صناعة الحياة، دورها لا يمكن إنكاره أو تجاهله أو التغاضى عنه . القيم الحالية «قيم ماضوية» تعود إلى الماضى، وهى تستخدم للتحكم فى دور المرأة المجتمعى، وهى ليست دينية فقط بل مجتمعية أيضا. يسعى البعض إلى إعادة إحيائها وتقييد النساء بها، ووقف دورهن الطليعى فى الحياة، فى وقت لم تعد فيه المرأة كما كانت عليه منذ عشرات بل ومئات السنين. أخطر ما تواجهه المرأة اليوم محاولات عدد كبير من الرجال إحياء تلك المفاهيم والقيم ، التى تهدف إلى تحجيم دور المرأة.إن البداية الصحيحة والحقيقية لإصلاح حال المرأة، تكون بالتطبيق الفعلى للدستور الجديد ، على كافة أمور الحياة، وليس تطبيق المواد الخاصة بالمرأة فقط. عندما يشعر الجميع أنهم متساوون فى الحقوق والواجبات، وأن القانون يطبق على الجميع، سوف يتحقق مبدأ المواطنة وسيؤدى ذلك إلى تغير تدريجى للمفاهيم والتقاليد السالبة لحق المرأة فى المشاركة فى العمل العام. كيف حققت المرأة النجاح فى ظل مجتمع يحمل كل هذه التناقضات؟. عبر التاريخ الحديث، ومع نهاية القرن التاسع عشر، سعت المرأة لتحقيق طموحاتها، وتجاوز أدوارها التقليدية والقيام بمهام مجتمعية، وشجعها على هذا رغبة مجتمعية فى تعليم النساء، وتزامن ذلك مع ظهور دعوة رفاعة الطهطاوى وقاسم أمين، وشيوع فكرة تحرير المرأة. وعام 1925 تخرجت أول مجموعة نسائية من الجامعة المصرية، وشاركت فى الأعمال المختلفة، وبعد نحو عقدين من الزمان ظهرت عالمة الذرة سميرة موسى وجيل كامل من الرائدات فى المجالات المختلفة. ما دلالة ارتفاع معدلات ظاهرة العنف والتحرش بالمرأة؟. هذه الظاهرة التى انتشرت فى مجتمعنا سببها عجز منظومة التعليم، وفشلها فى تحرير العقل والجسد، هناك أجيال من التلاميذ والطلاب لم يمارسوا الرياضة أو الأنشطة المختلفة، بالإضافة إلى الإنحطاط فى الذوق العام، وانتشار الأغانى الهابطة فى الطريق العام والميكروباصات والتكاتك، فكيف ننتظر من المجتمع أن يكون متحضرا عندما يتعامل مع النساء؟ .عندما قال الشاعر الراحل صلاح جاهين «البنت زى الولد ماهيش كمالة عدد» ساهم وببساطة فى تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة. وأتذكر فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، عندما كانت المرأة غير محجبة وترتدى الملابس التقليدية، لم يحدث أن تحرش بها أحد من الشباب أو الرجال. فمن الأمور التى تدعو إلى الدهشة والإستغراب أن العادات والتقاليد والمفاهيم المغلوطة قد وجدت طريقها إلى حياتنا وانعكست على تعامل الرجل مع المرأة. هذا الأمر الجلل حدث فى وقت تدعى فيه تيارات الإسلام السياسى انتشار دعوتها فى المجتمع. من المسئول عن إتساع رقعة المرأة المعيلة ، الدولة أم المجتمع؟. منذ سنوات قليلة كانت نسبة المرأة المعيلة لا تتجاوز 23 %، وأحدث التقارير تشير إلى إرتفاع النسبة إلى 35%، هذا الإرتفاع يؤكد وجود خلل جلل فى المجتمع، وأن الرجل تخلى عن مسئولياته التى خلقه الله من أجلها، وترك المرأة تتحمل مسئولية الإنفاق على أسرتها. هذه الإحصائيات الحكومية لا تشير إلى مساهمة المرأة فى الاقتصاد غير المباشر للأسرة، مثل إسهاماتها داخل البيت وخارجه من أعمال تطوعية وخدمية, مما أرهق كاهل النساء,فى ظل تحول إقتصادنا من إنتاجى إلى إستهلاكى، فوجدت المرأة نفسها مسئولة عن سد الفجوة بين الدخل المادى وبين متطلبات الحياة اليومية، من مأكل وملابس وتعليم وعلاج وترفيه. وكان من نتائج ارتفاع نسبة المرأة المعيلة انتشار الظواهر السلبية فى المجتمع كالاغتصاب والدعارة والمخدرات ، فهذه الظواهر أعراض لأمراض اجتماعية تنتشر فى بلادنا. ما العلاقة بين انتشار العشوائيات، وزيادة معاناة المرأة؟. العشوائيات عبارة عن تجمعات لا تصلح للحياة الآدمية ، تفتقد إلى الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء ورعاية صحية ومدارس. وتحملت المرأة الآثار السلبية لهذه الحياة . ولأنها غير مسلحة بأية خبرات حياتية، سرعان ما وقعت فريسة لهذه الظروف الصعبة، وتحولت النساء إلى قنابل موقوتة تهدد استقرار المجتمع. فى روايتك «العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء» ثمة تجربة شخصية اقتربت خلالها من عالم السجينات، وتناولت نماذج حقيقية من جرائم المرأة ودوافعها.. حدثينا عن تلك التجربة؟. عام 1989 خلال إشتراكى فى إضراب عمال مصانع منطقة حلوان، اعتقلت لمدة خمسة عشر يوما، بتهمة المشاركة والتحريض على الإضراب والتظاهر، ولحسن حظى وبسبب تعاطف السجانات معى، أودعونى عنبر الجنائى، فكنت السجينة السياسية الوحيدة فى هذا العنبر، مما أتاح لى فرصة الإستماع إلى قصص وحكايات السجينات. وبعد الإفراج وجدت نفسى مهمومة ومشغولة بما سمعته من حكايات ، فكتبت الرواية للربط بين أوضاع المرأة داخل السجن وخارجه والأسباب التى دفعتها لارتكاب تلك الجرائم. فى تلك الفترة كانت قد انتشرت ظاهرة قتل الزوجات للأزواج، ووضعهم فى أكياس سوداء، وكانت الأسباب تتعلق بأسلوب تعامل الرجال غير الإنسانى وتخليهم عن الرحمة والمودة فى علاقتهم مع زوجاتهم، وتناولت أيضا فى الرواية نماذج لسجينات تعرضن للاغتصاب. فى مجموعتك القصصية الأخيرة »ذات الغلاف الأسود« ألقيت الضوء على دور المرأة خلال ثورة 25 يناير، فكيف ساهمت فى إنجاح هذه الثورة؟. اتهمت المرأة خلال الفترة السابقة على الثورة بأنها غير مهتمة بأوضاع البلاد، وأنها غير معنية بالسياسة, وهذا الاتهام يتنافى مع الحقيقة . فالمرأة عانت من حالة الاحتقان العام خلال حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك ، بل وقبل فترة حكمه. مازلت أتذكر الاضطرابات التى حدثت عام 1977، وأن النساء المهمشات هن من أعلنّ عن غضبهن بسبب رفع أسعار السلع الأساسية، وليس كما يدعى بعض المثقفين أنهم هم من قاموا بالإنتفاضة. وفى ثورة يناير شعرت المرأة بضرورة مشاركتها سعيا إلى تغيير المجتمع الذى يعكس آثاره السلبية على حياتها . المرأة المصرية تتميز بحس سياسى عال، وكانت مشاركتها فى الثورة رفضا لمنظومة القيم البالية التى تنتهك حق المرأة فى أن تعيش حياة كريمة. فى ظل الوضع السياسى الراهن، ماهى توقعاتك حول مستقبل المرأة المصرية؟. المرأة أصبحت طرف أساسى فى الوضع السياسى الراهن، وبمشاركتها فى ثورة 25 يناير والخروج العظيم فى 30 يونيو، تحررت من قيود كثيرة كان تيار الإسلام السياسى يحاول تكبيلها بها. ولن تعود المرأة إلا بعد أن يتحقق الاستقرار للوطن.