التعصب يجتاح إقليمنا بسبب العولمة والديكتاتورية وغياب العدالة الإجتماعية د . عمار على حسن التطرف الاجتماعى العام يغذى التطرف الإسلامى التطرف كفكرة مجردة هوالذهاب إلى الحد الأقصى فى كل موقف,وفى اللغة هو الذهاب إلى الحافة أو «الطرف», وفى علم النفس التطرف النفسى سمة مصاحبة لحالات الاعتلال, بينما السواء عادة ما يصاحبه الاعتدال, وربما كان التطرف النفسى له مع التطرف الاجتماعى والسياسى علاقة الجذر بالنبات,ولكن جزئيا, إذ لا يمكن تجاهل الدور الحاسم الذى يلعبه الفقر والجهل والظلم والفساد..ولكن ما بالنا نتجاوز التقديم إلى المتن؟ لندع أولى الأمر يفتوا فى الأمر, كل فى مجاله. الأيديولوجية تنطوى على التطرف وتحاول فرض نفسها على الواقع ، وهى لا تؤمن بالتعددية ولا بالديمقراطية . هذا ما أكده الدكتور سعيد توفيق أستاذ الفلسفة وعلم الجمال ، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة, بينما يرى الدكتور عمار على حسن الروائى والباحث فى علم الاجتماع السياسى أن تنظيم الإخوان يعد بمثابة العباءة الكبرى التى خرجت من أكمامها كل التنظيمات التى اتخذت من الإسلام أيديولوجية..وإلى نص الحوارين... بدأنا بسؤال د.سعيد توفيق: نتحدث مع دارس كبير للفلسفة ، ولذلك نريد أن ننتهز الفرصة ونتعامل مع مفهوم التطرف ، كمفهوم مجرد وليس كوقائع فى السياسة المحلية والإقليمية ، أو حتى كظواهر فى المجتمع ؟. التطرف مرتبط «بالفكرة» فى المقام الأول ، الأساس الفكرى هو المولد لكل أشكال التطرف سواء كان سياسيا أو دينيا أو اجتماعية. ومرتبط أيضا بمايسمى «الدوجماتيقية» بمعنى «عقيدة أو معتقد» يدعى امتلاك الحقيقة المطلقة. وعلى مستوى الشخص العادى نجد أن التطرف يظهر فى اعتقاده بمجموعة من الأفكار التى يظن أنها صالحة تماما لكى تكون منهاجا للحياة ، وهذا نسميه «دوجماتيقية رجل الشارع»، وظواهرها موجودة لدى كثير من الناس ممن نراهم فى حياتنا اليومية . لكن أكثر أشكال التطرف التى نلاحظها فى مجتمعاتنا خلال الفترة الراهنة ، هو مانسميه بالتطرف الدينى . إذن..فما هى أسباب طغيان ظاهرة التعصب على حياتنا فى المنطقة العربية ؟ .. وهل هناك علاقة بين النظم الديكتاتورية وظهور التطرف ؟. سألت نفسى كثيرا هذا السؤال حينما شاهدت كل هذا التطرف المصحوب بالكراهية وإقصاء الآخر، والسعى إلى تدميره والقضاء عليه وتصفيته جسديا، بالإضافة إلى التسلط والهيمنة على كل شيء يتعلق بالآخر. بلدنا لم يشهد التطرف خلال تاريخه الطويل. وأرجع ظهور التطرف إلى بداية التدهور والإنهيار فى مصر بدءا من عام 1952. والسبب يرجع إلى السعى الحثيث نحو إسقاط وإلغاء المشروع النهضوى الليبرالى المصرى ، الذى بدأ فى القرن التاسع عشر. وحقق هذا المشروع تألقه فى النصف الأول من القرن العشرين، وكانت هناك قامات نعرفها فى جميع المجالات ،السياسة والفكرية والأدبية والاقتصادية . أيضا كانت هناك أحزاب قوية ، وبرلمان نيابى ليبرالى قوى وديمقراطى. وانعكس كل هذا الإزدهار على التعليم ، وتحولت مصر إلى قطعة من أوروبا. ومع تصفية مشروع مصر النهضوى وظهور الديكتاتورية والقمع ونظم الحكم السلطوية، غابت العدالة الاجتماعية ،و ازداد معدل الفقر بين المصريين. هناك أمر آخر خطير يتمثل فى ازدياد الهيمنة الغربية والعولمة ورغبة الغرب فى سحق الشعوب العربية . كل هذا جعل الناس يتقوقعون ويبحثون عن بديل ينسجمون معه ، سواء كان البديل عرقيا أو دينيا أو طائفيا ، ويبحثون فى ماضيهم عما يعوضهم عن معاناتهم ، وهذا نسميه الأصولية ، فنجدهم قد أطلقوا لحاهم وارتدوا الجلابيب وإنحصرت عودتهم الى الماضى فى الشكل فقط . واستغلتهم جماعات الإسلام السياسى وقدمت لهم المساعدة والدعم ، واستخدموا الدين لتحقيق أهدافهم فى السيطرة على البلاد وتمكين جماعتهم من تحديد مصير البلاد والعباد . وفى هذا الإطار .. متى يمكن أن نصف الشخص أو الجماعة بالتطرف ؟. كل من يستخدم الدين باعتباره أيديولوجية لكل شئون الحياة ، فهو متطرف الفكر ، هذا النوع من التطرف يعنى أن الفرد أو الجماعة يرون فى عقيدتهم أنها تصلح لكل شئون الحياة، ويمكن تطبيقها على سائر الأمور ، الاجتماعية منها والسياسية وحتى الاقتصادية . وهذا الإنسان يفقد التمييز بين ما هو نسبى بطبيعته ويتعلق بأمور الدنيا ، وبين ماهو مطلق ويتعلق بأمور العقيدة . بعيدا عن النمط التقليدى السائد حول الإسلام السياسى وجماعاته المتطرفة .. ألا يمكن أن يوجد ليبراليون متطرفون ؟. الليبرالية بما هى ليبرالية ليست بطبيعتها متطرفة ، لكن إذا حدث ، فهو أمر عارض نتيجة دخول عناصر أخرى فى تفكير الشخص الذى ينتهج الليبرالية نمطا لتفكيره . وواقعنا أفرز جماعات سواء كانت دينية أو سياسية ، انتهجت التطرف سبيلا للدفاع عن رؤاها ومصالحها، الليبراليون إنعكاس لضعف الأحزاب السياسية . الجماعة الوحيدة القوية والمنظمة كانت جماعة الإخوان، وقد استغلت أمية وجهل وفقر الشعب ، وضعف التيارات السياسية الأخرى، واستخدمت تفسيرها المشوه للدين لاعتلاء السلطة والسيطرة على البلاد . إذا كان التطرف الإسلامى يقمع المرأة ، ويريد أن يعيدها إلى العصور الوسطي..أليس من الممكن أن توجد بين المنتميات للحركة السياسية المطالبة بحرية المرأة بعض المتطرفات فى موقفهن ، بمعنى المغالاة ؟. بالطبع هذا يحدث أحيانا ، ولكن لابد من أن نعترف بأن المرأة فى مصر تتعرض لظلم فادح ، فهى لم تحصل على حقوقها بشكل كاف ، ولا حتى الحقوق التى كفلها الإسلام . المرأة المعيلة خير دليل على هذا ، فنسبة كبيرة من النساء تتجاهلهن الدولة ، واكتفت بما أسمته «الضمان الاجتماعى» الذى انحصر فى مبلغ زهيد لا يتعدى المائتين من الجنيهات ، فكيف لها أن تنفق على أسرتها هذا المبلغ فى مجال الصحة والتعليم والسكن؟! . بعد ذلك نتكلم عن تطرفها فى الدفاع عن حقوقها وأسرتها ؟ ونتجاهل الأسباب التى أدت إلى ارتفاع معدل الجريمة ، وتفاقم ظاهرة أطفال الشوارع ... كل هذا إفراز طبيعى لواقع المرأة الصادم وغير الإنسانى . قد يكون تطرف المرأة نتيجة طبيعية للظلم والقهر والتهميش التى تتعرض له. المطالبون بالحرية الشخصية بشكل مطلق ، كدعوة فى وجه التطرف الإسلامى الذى يريد قمع الحرية الشخصية .. أليست المغالاة فى المطالبة بالحرية الشخصية بلا حدود هى أيضا نوع من التظرف الاجتماعى؟. المطالبة بالحرية الشخصية المطلقة تعكس عدم دراية وفهم لمعنى الحرية، وهؤلاء على خطأ بين ، لأن الحرية بطبيعتها ليست مطلقة. كل المفكرين والفلاسفة وفى مقدمتهم «سارتر» أجمعوا على أن الحرية مقيدة، وأن الإنسان كائن حر يعيش وسط قيود، فحريته المطلقة سوف تصطدم بحرية الآخر، وهذا معناه تحول الحياة إلى حالة من الفوضى، الحرية أساس الوجود الإنسانى، ولا يمكن تصور الحياة بدون الحرية، فالنبات يحتاج إلى حرية ليتجاوز العوائق لكى يتمكن من النمو ، والحيوان أيضا إذا تم حبسه يموت. الحرية ضرورة للوجود، ولكنها مقيدة بالإطار الاجتماعى، وبالنظام القانونى والذوق العام وبالقيم السائدة فى المجتمع . وإذا نقلنا نفس الفكرة إلى حرية التعبير عن الرأى ، وفى مجال الفن والأدب.. أليس من يطالب بحرية مطلقة فى كل ما سبق، هو أيضا متطرف ؟. حرية التعبير مطلقة ومكفولة شرط ألا تتضمن سبا وقذفا ، ودون أن تنال من الأشخاص. الحرية تسمح بمناقشة الأفكار والمواقف والسياسات دون التعدى بالقول الجارح. هناك فروق دقيقة فى حياتنا غائبة، وبغيابها نخلط بين الأمور المتعلقة بالحرية فى التعبير. القانون يكفل الحرية، ودولة بلا قانون ليست دولة، وهذه الحالة يسميها الفيلسوف هوبز « حالة الطبيعة», وهى ضد الجميع, حيث تتحول الدولة إلى غابة الجميع فيها أنانيون طماعون. حينما ينشأ المجتمع السياسى ينشأ القانون ، وبالتالى تكون حرياتنا فى إطار هذا القانون. أما عن حرية الإبداع فى الفن, فهناك من يقيد حريتها بالأخلاق ، وأن الفن يجب عليه مراعاة الأخلاق ، هذا التقييد خاطيء ، لأن الفن قيمة جمالية وفنية: الأخلاق قيمة أخرى، هذا لا يناقض ذاك، كل منهما له استقلاليته. ليس من مهام الفن تقديم مواعظ أخلاقية، لأن هذا ليس دوره ولا رسالته. للفن كل الحق فى تقديم الجنس، لأن له كل الحق فى تناول شئون الحياة, شرط ألا يتناول الجنس باعتباره «بورنو» أى الجنس الصريح، وإذا فعل هذا تحول من رسالته الجمالية إلى إثارة الغرائز الجنسية. بعد الثورات التى شهدتها منطقتنا العربية ، كيف ترى مستقبل التطرف السياسى؟. التطرف فى منطقتنا لن ينتهى بالمواجهة الأمنية فقط ، ولا بالقمع ، لكن المطلوب خطة طويلة المدى ، على مستوى الثقافة والتعليم وعلى مستوى الخطاب الدينى فى الزوايا والمساجد والقرى والنجوع، أيضا فى الإعلام، بهدف تغيير الوعى المجتمعى، و وعى النخبة الحاكمة, بقضايانا، واستحداث مشروعات حقيقية تنهض ببلادنا . هذه المنظومة وحدها قادرة على نقل مجتمعنا نقلة نوعية، تمكننا من القضاء على التطرف والتعصب والنجاة بمجتمعنا . الأيديولوجية بشكل عام عادة تفرز ظواهر متطرفة ، قد تصل إلى حد العنف سواء عند المسلمين أو المسيحيين أو اليهود ، وحتى الديانات غيرالسماوية مثل السيخ والهندوس..بم تفسر ذلك ؟. الايديولوجية كثيرا ما تنطوى على التطرف لأنها تمثل نظريات شمولية تحاول أن تفرض نفسها على الواقع، وبالتالى لا تؤمن بالتعددية ولا بالديمقراطية. جماعة الإسلام السياسى تضع نفسها كأيديولوجية بجانب الشيوعية والإشتراكية والليبرالية, بينما الأديان السماوية ليست أيديولوجيات، ولكنها عقائد ، وعلاقة بين الإنسان وربه. الدين يجب أن يكون منفصلا ومستقلا عن سلطة الحكم .
د . عمار على حسن
التطرف الاجتماعى العام يغذى التطرف الإسلامى
أما د. عمار علي حسن فسألناه: بداية ..هل وجود دولة إسرائيل فى المنطقة هو السبب الرئيسى لظهور الحركات الإسلامية المتطرفة؟ تاريخ التطرف الإسلامي يعود إلى قرون طويلة، ولا نبالغ إن قلنا إنه يرجع إلى الفتنة الكبرى في صدر الإسلام، التي أنتجت الخوارج، الذين لا يزال كثير من أفكارهم وتصرفاتهم يتم تداولها حتى الآن. لكن وجود إسرائيل وعدوانها المتكرر على الدول العربية أسهم في تعميق التطرف في العصر الحديث، وزوده بذرائعه، ووسائله في التعبئة والحشد، لاسيما مع رفع شعار «تحرير المسجد الأقصى». جماعة الإخوان تتبرأ من أعمال العنف .. ولكن ألا ترى أنها تاريخيا وربما حاليا التنظيم الأم الذى أفرز كل حركات الإرهاب الإسلامية ؟ هي العباءة الكبرى التي خرجت من أكمامها في العصر الحديث كل التنظيمات والجماعات والتجمعات السياسية التي اتخذت من الإسلام أيديولوجية لها. فالبعض نشأ ليوازيها أو يضاهيها, والبعض نشأ لأنه رماها بالتخاذل والتباطؤ في الصراع بغية الوصول إلى السلطة، لكن أفكار مؤسسها حول الدين والدولة والجماعة التي تمثل الإسلام, ثم أفكار سيد قطب أحد قادتها اللاحقين عن الحاكمية والعصبة المؤمنة والمجتمع الجاهلي، أثرت تأثيرا بالغا في كل التنظيمات المتطرفة ليس في مصر وحدها إنما في العالم الإسلامي بأسره. لماذا تراجع دور الأزهر فى نشر الاعتدال والتقريب بين مذاهب الإسلام وطوائفه؟...وإلى أى مدى لعب هذا التراجع دورا فى ظهور المتشددين الإسلاميين ؟ مشكلة الأزهر أنه مثقل بأعباء إدارية وقوانين وتشريعات حان وقت تغييرها، وزاد على هذا أن الفكر المتزمت والمتطرف قد غزاه ليس على مستوى الطلاب فحسب بل على مستوى الأساتذة، وقبل هذا مناهج التدريس والتعليم العتيقة والمشبعة بآراء بالية، وإذا أردنا للأزهر أن يأخذ دوره في محاربة التطرف علينا أن نرفع كل هذه العوائق، وننقل مهمته من مجرد تجديد الخطاب الديني إلى الإصلاح الديني، الذي بات فريضة واجبة الآن. كيف تكيف الخطر الذى تمثله تطورات الحركة التكفيرية فى العالم العربى بدءا من طالبان حتى ظهور داعش؟ خطر داهم من دون شك، على الدين والوطن في آن. فكلتاهما مسكونة بفكرة اقتطاع أجزاء من الدول لإقامة إمارات إسلامية عليها توطئة لإقامة الخلافة على القتل والتخريب والتدمير والسبي والنهب والسلب، دون فهم أن الخلافة لم تكن قط فريضة أو ركنا من الإسلام إنما هي تجربة تاريخية جاءت في زمن الإمبراطوريات، الذي لم يعد له وجود، مع ظهور الدولة الوطنية. أما الخطر على الدين, فيكفي ما يطال الإسلام من تشويه جراء أفعال بوكو حرام وداعش والقاعدة وأنصار الشريعة وكل من على شاكلتها. ألا ترى أن ظاهرة التطرف الإسلامى قد تكون جزءا من تطرف اجتماعى عام؟ من دون شك أن التطرف الاجتماعي العام يغذي التطرف الإسلامي أو يمهد الأرض أمامه، لكن يظل التطرف على أساس ديني له وجهه المنفصل والمستقل، حيث لا يمكن أن يُعزى هذا النوع من التطرف إلى أسباب طبقية تتعلق بالتهميش والعوز, إنما له جانب قيمي وآخر نفسي وثالث عقدي، وكله يدور في ركاب الفهم الخاطئ للدين. أحدث أعمالك الروائية « السلفى» .. فما موضوع الرواية، وفي ضوئها كيف ترى مستقبل الحركة السلفية فى مصر ؟. علما بأنها تسعى لوراثة تنظيم الإخوان ؟ دعني في البداية أحدثك قليلا عن رواية السلفي، فهذا قد يفيد في تعميق الإجابة على سؤالك. فالرواية تمزج بين «صورة سحرية» تجسدها نبوءة شيخة صوفية تعيش في قرية, وبين واقع مقبض فرض نفسه على الحياة الاجتماعية في مصر خلال العقود الأخيرة, نظرا لتصاعد نفوذ تيار ديني تقليدي بتصوراته وقيمه وهو التيار السلفى الجهادى, حيث تسرد معاناة أب يعمل محاميا ويؤمن بأفكار عصرية مع ابنه الجامعي الذي تسلل السلفيون الجهاديون إلى عقله وجندوه ليأخذوه معهم في الحرب التي خاضوها ضد الروس في أفغانستان، وبعدها ينضم إلى فصيل من تنظيم القاعدة. وبعد أن أعيت الحيل الأب في استعادة ابنه عبر كل الطرق المعروفة، مما أدى إلى إصابته بانفصام، يتذكر نبوءة قديمة لعبدة صالحة كان الكل في قريته يعتقد في كراماتها ذكرت له فيها أنه لن يستعيد الغائب، روحا أو جسدا، إلا إذا مر بكل عتبات بيوت القرية ليشرح منابع التدين المعتدل الذي تعلمه الأب في الصغر، والذي لا يزال يؤمن به. وفي طوافه عبر البيوت يستعيد الأب كل مسرات أصحابها وأوجاعهم، سواء من بقي منهم على قيد الحياة أو من رحل تاركا وراءه حكايات صغيرة تتناسل بلا هوادة عبر نص شاعري ينتقل بنا من القرية إلى المدينة ذهابا وإيابا. ويتخيل الأب أن ابنه يصاحبه في طوافه هذا فيدخل معه في حوار عميق حول الفرق بين التصورات الدينية المعتدلة لأصحاب كل هذه العتبات، والتي ذابت في حياتهم البسيطة من دون تكلف ولا ادعاء، وبين التشدد الذي يعشش في رأس الابن، وجعله يتحول إلى قاتل محترف وهو يظن أنه يجاهد في سبيل الله. لهذا فبطل الرواية، وهنا أدخل في الإجابة على الشق الثاني من سؤالك، يحدد مستقبل جزء من السلفيين، أي أولئك الذين انخرطوا في العنف فعلا من فصائل «السلفية الجهادية» التي تعاطفت مع الإخوان أو تلعب لمصلحتها. وعموما التيار السلفي تأثر بالتجربة السيئة للإخوان، وطاله بعض ما طالهم من النبذ والاشمئزاز، فعموم الناس لا يفرقون بين السلفي والإخواني، وينظرون إليهما باعتبارهما شيئا واحدا، وهو تصور يجافي جانبا من الحقيقة، على مستوى التفكير والتدبير. لكن مستقبل الإخوان والسلفيين يظل رهنا بفهم الدولة أن المعركة ضد مرتكبي العنف من الطرفين، أو حتى ضد من يمارس السياسة منهم على أساس ديني أو يستغل الدين في الوصول إلى السلطة، لا يجب أن تقتصر على المبادأة الأمنية، التي من الضروري أن تخضع للقانون والاحتراف، إنما تمتد إلى الجوانب الفكرية أو الثقافية وإيجاد البديل السياسي وملء الفراغ الاجتماعي الذي انسحبت منه الدولة فاستغله المتطرفون. هل هناك علاقة بين تراجع دور الجماعات المتصوفة ، وبين ازدياد حدة جماعات الإسلام السياسى؟ الطرق الصوفية، رغم كثرة أتباعها، ليست لها خبرة في التعبئة على خلفية سياسية، وليس من مصلحة مصر تسييسها بدعوى إيجاد جبهة دينية في وجه المشروع السياسي للإخوان والسلفيين. فالأصح هو أن يبتعد الكل عن مسار الحكم والسلطة والإدارة ويتفرغ لما يحتاجه مجتمعنا من الدين: وهو الامتلاء الروحي والسمو الأخلاقي والعمل الخيري، وهذا يسمى توظيف الدين في تحصيل القوة الناعمة للدولة. وفي ضوء هذا لو نشطت الطرق الصوفية وأدت دورها على خير وجه يمكنها أن تقطع الطريق على التيارات الدينية المتزمتة التي تسعى إلى احتكار الإسلام أو تدعي ذلك.