الدكتور أسامة القوصى هو واحد من دعاة السلفيين الأكثر جدلا على الساحة الآن.. فهو يظهر بين الحين والآخر على الناس، مؤكدا أنه عائد من التطرف إلى الاعتدال بعد أن ضيّع حياته فى أفكار متشددة والانتساب لجماعات تحّرم وتحلل على هواها. وفى حواره مع «أكتوبر» أعلن توبته بعد سنوات من الانحراف وعودته إلى السلف الصالح وليس «سلف اليوم». فالشيخ القوصى ينظر إليه السلفيون المتربعون على الساحة على أنه متربص بهم ويراه الأقباط والليبراليون النموذج الأمثل للإسلام، لأنه لا يمانع فى أن يتولى رئاسة الدولة قبطى ويرفض زواج الدين بالسياسة ويصف السياسة ب «النجاسة». ويسرد الشيخ القوصى جزءاً من حياته وكيف أنه عاش متشددا معتبرا أن المجتمع يعيش فى ضلال وحرمة بسبب قراءته لفكر سيد قطب وتركه دراسة الطب بوصفها اطلاع على العورات ثم ينتقل من التشدد والتطرف إلى رحابه الفكر دون أن يخشى الاعتراف بتلك المرحلة والرحلة.. * سألته:تاريخك الدعوى مرتبط بآراء متشددة.. فكيف تكون لديك هذا الفكر؟ ** نعم.. فقد كان هناك شىء من الانحراف فى بداية عمرى، فقصة حياتى مليئة بالتفاصيل وتحديدا منذ الجامعة، حيث انقطعت عن دراسة الطب تحت دعوى أنها مهنة تطلع على عورات النساء، ثم ذهبت إلى السعودية وارتبطت ببعض الأفكار المتشددة هناك، وبعدها ذهبت إلى اليمن، وتفككت بعد ذلك الجماعة التى كانت تنادى بهذا الفكر وتحولت إلى جماعات أخرى، ولكن فى نهاية الأمر اكتشفت أنهم مستغلون، حيث إنهم كانوا يحصلون على اشتراك شهرى يعيش عليه أمير الجماعة، فقد فهمت وتكشفت لى حقيقة هذه الجماعة، كما أننى عملت فى بيع الأحذية والملابس، ثم «تهت» بعد ذلك فى مستنقع تلك الجماعات المتطرفة وعددها وأنواعها. * وما هى علاقتك بجماعة «جهيمان» التى اقتحمت الحرم وهى كانت جماعة متطرفة؟ ** حين انقطعت عن الدراسة فى مصر انتقلت إلى السعودية، وهناك كنت احضر دروس علم لجماعة «جهيمان العتيبى» وهى الجماعة التى قامت باحتلال الحرم، وادعوا أن هناك المهدى المنتظر ونصّبوا أمير جماعتهم، وطالبوا من أعضاء الجماعة مبايعته، وكان يدعى محمد عبد اللاه القحطانى وهو للعلم قرشى النسب، ولكن كل علاقتى بهم أننى كنت أصلى خلف هذا الرجل، وقد كان يبكى ويبكى وعشت معهم فى مسكن واحد، وبعد أحداث الحرم تم القبض عليهم وكان من بينهم صيدلى مصرى، ومن كرم الله أننى لم أكن فى هذا المكان ولو كنت متواجدا لتم القبض علىّ. * وما هى علاقتك بخالد الإسلامبولى قاتل السادات؟ ** كل علاقتى بخالد الإسلامبولى أنه هو وعبد الحميد عبد السلام والذين شاركوا فى اغتيال الرئيس السادات هم فقط أصهارى ووقت حدوث الاغتيال كنت فى اليمن وبقيت بها لمدة 6 سنوات وعدت لمصر عام 1985. نشأة الفكر المتطرف * متى نشأ الفكر المتطرف فى عالمنا العربى؟ ** المتابع للفكر المتطرف يجد أنه أخذ اتجاهين المكون الأول للتطرف كان على يد الشيخ أبو الاعلى المودودى، وذلك فى شبه الجزيرة الهندية ومنه إلى دول شرق آسيا ودول الخليج، أما فى مصر وهو الاتجاه الثانى فقد كان مولده على يد المفكر سيد قطب، وهذا واضح جليا فى كتبه وظهر أيضا فى فكر الآخرين فكر «الحاكمية» وفكر «أمد يدى للتغير» وصولا بالإرهاب- وأنا للأسف كنت منتهجاً هذا الفكر، ولكن عدت وعدلت أفكارى وبعدت تماما عن هؤلاء.. وبعد هذا المشوار وجدت أن هناك بسطاء أفضل منى لمسايرة هذا الدين، وقررت العودة إلى المجتمع والإقلاع عن فكرة «أنا على صواب والآخرين على باطل».. ثم عدت إلى الدراسة التى انقطعت عنها وهى الطب وبعد 29 عاما من انقطاعى عن الدراسة واصلت وحصلت على بكالوريوس الطب، ووجدت أن أمى وأبى البسطاء أفضل فى فلسفتهما الحياتية والدينية. لذا فأنا أقول إن كتب سيد قطب هى سبب «البلاوى» الموجود عليها الكثير من الجماعات المتشددة الآن. * هل مازلت على موقفك بأن الخروج على الحاكم حرام شرعا؟ ** منهج السلفية يحرم الثورة المسلحة على الحاكم، لكن ما حدث فى ميدان التحرير جعلنى أقلع وأغير من تفكيرى فى كثير من الأمور والأفكار، فكنا نحّرم المظاهرات مطلقا، وتبين لى أن المظاهرات السلمية أمر يقره البشر جميعا، ويقره الدستور، وفى هذا النهج كنا نسير خلف علماء السعودية فى أن أى تظاهر أو خروج على الحاكم محّرم شرعا، ولكن بعد معرفتى بشباب الثورة ورأيت سقوط قتلى بعلم الحاكم. قلت الذى يطلق النار على شعبه، لا يمكن أن يكون حاكما شرعيا، فعملت بالقواعد العامة فى الشريعة، فالحاكم الذى يطلق النار على شعبه الأعزل هو خارج عن الجماعة، وعند اعتدائه على الشعب من حق الشعب أن يدافع عن نفسه، لذا غيرت تفكيرى وهذا ليس عيبا. * هل تقصد أن تيار السلفية الموجود الآن على الساحة تشويه للإسلام؟ ** لاشك أن هناك العديد من النماذج التى ترتدى ثوب السلفية قد أساءوا إلى صحيح السلفية وبخاصة سليفى مصر الآن، فهم جاءوا بأفكار من الكهوف والسراديب القديمة ليطبقوها علينا، ولكن هم فى حاجة ماسة إلى الرجوع إلى السلفية السمحة، لأن السلفيين الآن هم «خوارج العصر»، فالسلفية الآن لها وجه واحد مشرق ووجوه كثيرة مظلمة منها أننا أصبحنا نصف السلفية الآن كمنهج بالتشدد، لأن المنتسبين إليها قد صّدروا لنا هذا الفكر، فمثلا هناك شيخ سلفى أصدر فتوى بأن من يتكلم عن الرئيس السابق يهدر دمه وقد أهدر دم البرادعى إلى جانب العديد من الفتاوى والرؤى الغريبة فى إهدار «الدم وإن كانت هذه الفتاوى نظرية يطلقها مدعو السلفية حتى الآن إلا أنها صورة مشوهة عن السلفية المعتدلة. زمن الصوت العالى * ومع ذلك فإن الكثيرين سواء داخل مصر أو خارجها يعتبرون هؤلاء رموزاً للسلفية مهما تغيرت أوصافها؟ ** أوضح لك معلومة مهمة وهى أنه ليس للسلفية رموزا على أرض الواقع إلا إذا اعتبرنا أن السلفيين الموجودين الآن يعدون تنظيما، فمثلاً الإخوان المسلمون فعلا تنظيم الأمر الذى جعل السلفيين الآن يتحولون إلى تنظيم وله عضوية، ونظراً لأن هذه التنظيمات لها أعداد فأصبحت مشهورة، وبما أننا فى زمن الصوت العالى فإن صاحب الصوت العالى أصبح هو الذى يظهر فى الصورة، الكلام فى السياسة له بريق أكثر من الدين، كما أعيب على الإعلام الذى بالغ فى تضخيم هؤلاء وعرضهم فى شو سياسى وأحياناً استخدمهم الإعلام لإثارة الجدل لأنهم لا يملكون الحنكة السياسية. * وكيف تشاهد مكاسب الإخوان اليوم؟ ** الإخوان هم تنظيم جيد يعرف جيداً ماذا يريد، ومع ذلك فكل التيارات الموجودة الآن بلا استثناء لا تخلو من التطرف، وأذكر موقفاً يدل على ذلك فكل هذه التيارات هللت طربا يوم مقتل الرئيس السادات وظلوا يتبادلون التهانى، مع أن الجميع الآن يتبرأ من ذلك حتى القتلة أنفسهم يتبرأون ويقولون إننا أخطأنا. * إذاً فما هى رؤيتك فى الفصل بين الدين والسياسة؟ ** أضرب لك مثلاً.. لو أن قاضياً يمارس القضاء فهل يجوز له أن ينضم لحزب سياسى؟ الإجابة لا.. لسبب واحد هو إجلالاً القضاء، كما لا يجوز لضابط الجيش أن ينضم لحزب سياسى إجلالاً للعسكرية لأن دوره محورى، فهم صمام الأمان، لذا نقول لهم أن دورهم فى المجتمع مهم جداً، ونقول لهذا الشخص لا تنزل لهذا المستوى ولما يريد أحد من هؤلاء أن يمارس السياسة نقول له استقل أولاً من وظيفتك وعملك الأساسى، واخلع رداء المهنة واسبح فى عالم السياسة، ومن هذا المنطلق نقول دائما إن لرجال الدين دورا محوريا لأن دورهم فى المجتمع أهم من القضاة ورجال الجيش والطبيب وهذا لا يعنى المطالبة بالعزل عن العالم ولكن أقول لهم إن السياسة «نجاسة»، كما أن ممارسى السياسة من الممكن أن يخطئوا أويصيبوا أحياناً فلا يمكن أن نربط أخطاءهم بالدين مثلاً. * ذكرت أنك لا تمانع فى أن يتولى حكم مصر قبطى.. ما هى علة كلامك؟ ** هذا الكلام صحيح.. وأنا دائما استند لحدث جلل سجله التاريخ وهو تعيين سيدنا يوسف أمينا على خزائن الأرض تحت قيادة عزيز مصر القبطى، وبالتالى فنحن كمصريين جميعا شركاء فى المجتمع، وأجعلنى أضرب لك مثلاً بسيطاً قد يمارسه غالبية المصريين الآن، وهو لو أنك تسكن فى عمارة واحدة وبها المسلم والمسيحى ولكن أرجح السكان عقلا وتدبرا وتصرفا هو المسيحى ليدير اتحاد الملاك ففى إدارة الأمور ليست هناك مشكلة فهو «لا يودينا الحج» بل هو يدير العمارة فالدولة مدنية ولكن أعتب على البعض الذى يقول الدولة إسلامية إسلامية. تجارة بالدين * البعض يستغل الدين فى الترويج لأهدافه، فهل ما يحدث الآن على الساحة «تجارة بالدين»؟ ** نعم بالفعل هناك تجارة بالدين وهذا يعنى استثارة العقول مع الدين، بحيث أن تتعاطف مع المتدينين وأقولها ظاهرة: الذى يريد أن يدخلنا الدكان أبعد الناس عن الدين، والذين يريدون أن يخرجونا من السعة إلى الضيق هم كذلك، فالإخوان المسلمين ليس من حقهم أن يقولوا نحن المسلمين وليس من حق الجماعة السلفية أن تقول نحن الجماعة السلفية بالإسكندرية وهم ليسوا بالسلفيين، فلا يمكن حصر الواسع بالضيق، فالإسلام منهج عقائدى وفكرى وليس جماعة تدخلها فتصبح واحدا من أهلها، فلا الإخوان المسلمون ولا الجماعة السلفية يعبرون عن جموع المسلمين أو مسلمى مصر.