أثار الخطاب المتشدد الذى تبنته الجماعات السلفية الكثير من المشاكل التى أثرت بالسلب على العلاقة الأزلية بين أبناء الشعب المصرى وكان آخرها عندما دعا مشايخهم فى أكثر من 300 مسجد بالإسكندرية إلى مقاطعة محلات الأقباط، وعدم مشاركتهم فى احتفالاتهم، واتهام من يتعامل معهم بالكفر وخيانة الأمانة. السطور التالية تؤكد أن السلفية كانت فى بادئ الأمر جماعة سرية انطلقت من الإسكندرية واعتنقت الفكر البدوى المتشدد، واستحلت الخروج على الحاكم وجاهرت برفض الآخر وتأثرت بشيوخ الوهابية، وانشقت عن جماعة انصار السنة المحمدية وتمردت على فكر الإخوان وتربت فى حضن الجماعة الإسلامية، وأقامت معسكرات، ونظمت ندوات، وطبعت كتيبات وناهضت الفكر الوسطى المعتدل ورفضت الديقراطية وأثارت الفتنة بين أبناء وأحياء عروس البحر ومنها باقى محافظات مصر. فى البداية أكد د. على جمعة مفتى الجمهورية فى محاضرة ألقاها بمكتبة مصر الجديدة أن الإسلام لا يعرف التحزب أو العنصرية، وأنه دين للناس كافة، ونفى وجود مذهب للسلفية أو الوهابية، مؤكداً أن هذه مسميات متأخرة ظهرت بقوة مع ظهور محمد بن عبدالوهاب الشيخ البدوى الذى تعاون مع آل سعود فى تأسيس المملكة. وإذا كانت هذه حقائق ثابتة بحكم التاريخ فإن د. على جمعة قد أشار إلى نقطة مهمة وهى أن السلفية مرتبطة بمرحلة زمنية معينة تبدأ بنهاية عصر الخلفاء الراشدين وحتى القرون الثلاثة الأولى مما يؤكد أن السلفية ترمز إلى فترة تاريخية محددة وليست مذهباً أو جماعة معينة، كما يحلو للبعض أن يردد حتى يضفى على نفسه وأتباعه الهالة والقداسة بعيداً عن النقد وكشف الحقائق بعد تبنيهم تغليف التشدد وتصدير العنف. النشأة وقد نشأت الدعوة السلفية بالإسكندرية ما بين عامى 1972 و 1977 على يد مجموعة من الطلبة الذين تعاطفوا مع الإخوان فى الستينيات وظهر منهم محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد وسعيد عبدالعظيم ومحمد عبدالفتاح ثم ياسر برهامى وأحمد حطيبة. وقد تأثر هؤلاء الطلبة الذين كانوا يجتمعون فى كلية الطب بجامعة الإسكندرية بالمنهج السلفى الذى وصل إليهم من مطالعة كتب التراث الإسلامى خاصة مؤلفات ابن قيم الجوزية، وابن تيمية، بالإضافة إلى تأثرهم بشيوخ السعودية فى رحلات الحج والعمرة ومحاضرات محمد إسماعيل المقدم، والذى تأثر بشيوخ جمعية أنصار السنة المحمدية منتصف الستينيات. وكما يقول على عبدالعال فى دراسته الشائقة عن جذور الحركات الاسلامية فى مصر إن محمد إسماعيل المقدم نجح فى تأسيس النواة الأولى للسلفيين بالإسكندرية، من خلال درسه الأسبوعى الذى كان يلقيه كل خميس فى مسجد عمر بن الخطاب بالإبراهيمية، بالإضافة إلى حلقة أخرى كان يلقيها بمساعدة أحمد فريد فى مسجد عباد الرحمن ب «لوكلى» صباح كل جمعة. بيوت الإخوان ورغم رفض دعاة السلفية الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتفضيلهم البقاء فى تيار الجماعة الاسلامية، فإنهم لم يكونوا بعيدين عن الإخوان فكرياً أو تنظيمياً لأن بعضهم نشأ فى بيوت الإخوان بينما عمل البعض الآخر فى صفوفهم. وقد رفض دعاة السلفية الانضمام إلى الإخوان لأنهم -أى الإخوان- قد اختاروا كما يقول على عبدالعال فى دراسة عمر التلمسانى ليكون مرشداً لهم، وقد كان آنذاك شخصية مجهولة على عكس المستشار حسن الهضيبى والذى كان ملء السمع والبصر، هذا بالإضافة إلى استجابة التلمسانى لضغوط الإخوان وإجباره على رفض محاضرة لدعم السلفية فى جامعة الإسكندرية، حيث شجع هذا الجو المشحون بالغضب على وقوع مصادمات بين دعاة السلفية والإخوان داخل جامعة الإسكندرية عام 1980 رغم تبعية الإخوان للجماعات الاسلامية آنذاك. أنصار السنة وكما رفض دعاة السلفية العمل مع الإخوان فقد رفضوا أيضاً التعاون مع جماعة انصار السنة المحمدية وهى الجماعة التى حرصت على نشر منهج أهل السنة، والجماعة بمعرفة المشايخ محمد حامد الفقى وعبدالرازق عفيفى وعبدالرحمن الوكيل ومحمد على عبدالرحيم. معسكرات الطلبة وقد تمثل نشاط السلفيين فى نهاية السبعينيات فى إقامة المعسكرات السنوية وتنظيم ندوات دعوية وثقافية بمبنى اتحاد الجامعة، وأمام كلية الهندسة، وتشكيل صندوق خاص لدعم رحلات الحج والعمرة من اشتراكات الطلاب وجمع التبرعات وطبع الكتيبات والامساكيات وتجهيز قوافل للدعوة على غرار جماعة التبليغ. هذا بالإضافة إلى المعسكرات الصيفية فى أعوام 1979،1978،1977 ودعوة مشايخ السلفية والجماعات الإسلامية لإلقاء محاضرات وتوزيع كتب الاصول العلمية للدعوة السلفية وتطهير الجنان والأركان عن درن الشرك والكفران لنشر الفكر السلفى وتوصيل معلومات معينة أذهان الشباب، وطلبة الجامعات. ولأن أجهزة الدولة كانت تخطط لضرب الاتجاه الشيوعى فى الجامعات فقد تجاهلت التجاوزات التى صدرت عن دعاة السلفية وأعضاء التنظيمات الإسلامية، مما مهد الطريق لانضمام عشرات الآلاف من الطلبة لهذه الجماعات، وارتفعت وتيرة العنف فى الجامعات، وانتقلت إلى الشارع المصرى خاصة بعد الصدام الدامى الذى وقع بين أنصار دعاة السلفية والجماعات الإسلامية فى جامعة الإسكندرية عام 1980. مخاوف والغريب أن النشاط الزائد لمشايخ السلفية أثار ذعر وخوف جماعة أنصار السنة، حيث اعترف د. عبدالله شاكر الرئيس العام للجماعة فى أحد الاجتماعات بخطورة الجماعات السلفية نتيجة اعتناق أفكار متشددة تحمل رياح الفكر البدوى الوهابى المتطرف كما أحسن مشايخ جماعة أنصار السنة-كما يقول على عبدالعال - بسحب بساط الدعوة من تحت أيديهم نتيجة الحركة الزائدة لدعاة السلفية، وفشل جماعة أنصار السنة فى السيطرة على قلوب الأهالى بسبب تواضع خريجى معهد الدعاة، وحركة الجماعة المحدودة نتيجة التزامها بالقانون. وتتوالى الانتقادات حيث أكد الشيخ محمود عامر رئيس فرع جماعة أنصار السنة بدمنهور على أن ياسر برهامى زعيم مجموعة الدعوة السلفية نجح مع رفاقه فى اختراق الجماعة وتصدير أفكار إرهابية منحرفة تدعو إلى التدمير والتخريب. وأضاف الشيخ أسامة سليمان عضو مجلس إدارة جماعة السنة أن ياسر برهامى هو أساس السلفية الحزبية فى مصر بعد تحويلها إلى جماعة تنظيمية تسير على خطى المحظورة سواء بسواء. وقال إن الجماعة التنظيمية الجديدة لها قائد وأمير، ومسئول دعوة، وقيم أو راعٍٍ فى كل محافظة يتابع نشاطها، ويتولى أمور أعضائها ويجتمع بأنصارها، طالباً منهم الانصياع والطاعة، لأوامر قائد الجماعة وجواز الخروج على ولى الأمر بتشكيلات موازية للأنظمة الحكومية، والتهكم على فكر انصار السنة بدعوة أنهم يتمسحون فى السلفية ويفتقدون إلى المنهج السلفى الصحيح. ويشير أسامة سليمان إلى أن السلفية الجديدة تخالف الشرع كما تخالف منهج جماعة أنصار السنة المحمدية الذى يدين لولى الأمر بالطاعة والولاء، وعدم منازعته فى حكمه، والدعوة إلى الله على بصيرة، ومجادلة أهل الكتاب بالتى هى أحسن وحرية العبادة ونبذ التطرف والعنف، والذى أصبح السمة الغالبة، فى منهج السلفية الجديدة والتى انشقت عن جماعة أنصار السنة فكراً وتنظيماً. اعترافات حشيش ومن جانبه قال الشيخ على حشيش رئيس إدارة الدعوة فى جماعة أنصار السنة إن الجماعات التى يطلقون عليها السلفية الجديدة هى عصابات تعمل باسم السلفية لتحقيق مصالح وغايات خاصة، وأضاف أنها تستغل هذا الاسم للوصول إلى الناس والخروج على ولى الأمر مؤكداً أن أفكار السلفية الجديدة خطر على الدعوة التى تدعو إلى الوسطية والاعتدال والتسامح، وهى المبادئ التى دعا إليها نبى الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم. وفى نفس السياق تؤكد مصادر خاصة إن السلفية يحاولون الهيمنة على 300 مسجد بالإسكندرية، بعد سيطرتهم على مساجد المناطق العشوائية والنائية، وإعدادهم ساحات خاصة لإقامة صلوات العيدين ونشر الأفكار المتشددة على جموع المصلين، والذين يصلون فى هذه المناسبات بالآلاف. وقد ظهر حجم التيار السلفى فى الإسكندرية بعد خروجهم فى مظاهرات حاشدة ضد الحكومة بعد إغلاق القنوات الفضائية مؤخراً،حيث تجمعوا فى مسجد ناجى بالدخيلة واتفقوا على إطلاق حملة تبرعات لاطلاق قمر صناعى إسلامى كما اعترفت قناة الحكمة فى موقعها على الانترنت أنها توقفت بسبب ديونها لشركة نورسات. وأشارت نفس المصادر إلى أن شيوخ قناة الحكمة السلفيين وضعوا أرقام حسابات بنكية على الإنترنت لتلقى التبرعات، بغرض شراء مساحات بث فضائى على القمر القطرى (سهيل) الذى ينطلق بالقرب من مدار نايل سات المصرى على أن يكون ذلك نواة لإطلاق قمر إسلامى يضم كل القنوات الدينية. ومشكلة السلفية الجديدة أنها ترفض الديمقراطية كنظرية سياسية للحكم مع رفض قواعد التصويت، والانتخابات، والأغلبية، والدولة المدنية وحكم الشعب بحجة أن هذه القواعد تخالف أحكام الإسلام التى ترفض الفصل بين الدين والدولة. وقالوا: إن الديمقراطية لا تراعى قواعد الإسلام فى طريق الحكم أو التشريع لأنها من وجهة نظرهم قد تأتى بكافر ليحكم المسلمين، أو تأتى بامرأة لتتولى شئون الأمة، حيث رفض شيخ السلفية سعيد عبدالعظيم هذه القواعد علناً فى مساجد الإسكندرية. كما يرفض السلفيون دعوات «مصر للمصريين» و «الوطن للجميع» بحجة أنها دعوات تعارض ما جاء به الاسلام . وإن كانت سلفية الإسكندرية تعتنق الفكر المتشدد فقد ظهرت على السطح سلفية أخرى منسوبة إلى الشيخ أسامة القوصى والذى يدعو دائماً إلى طاعة ولاة الأمور لأن طاعتهم مقرونة بطاعة الله ورسوله، ولذلك وصف القوصى سلفية الإسكندرية بالخوارج الجدد مما أدى إلى توتر العلاقة بين الشيخ القوصى ودعاة السلفية هناك. ولكن الملاحظ فى منهج القوصى أنه يهاجم سياسات ولا يهاجم أشخاصاً لذلك رفض سياسة الجماعة الاسلامية التى تدعو إلى التخرب، وتقسيم المسلمين إلى فئات ودرجات، كما هاجم فضائيات التعصب التى انتشرت مؤخراً بغرض التربح مضيفاً أنها لا تنطق باسم الإسلام، لأنه لا توجد دعوة على مدار 24 ساعة، مشيراً إلى أن مشايخ تلك القنوات لا يملكون مؤهلات الوعظ أو الفتوى وأنهم ظهروا بالمصادفة بعد ارتداء الغطرة والطاقية. ويقول الشيخ القوصى ساخراً: إن أصحاب تلك القنوات يعلنون عن مرض مشايخهم حتى تتوافد عليهم الرسائل والمكالمات واقتسام الكعكة مع شركات الاتصالات، كما أنهم لا يتورعون فى النصب باسم الدين بالإعلان عن غسالة زمزم الإسلامية، والبطانية الاسلامية، التى تشع الدفء والحرارة والمودة والرحمة، وفى مقابل ذلك يدعو الشيخ القوصى إلى مشاهدة القنوات الفضائية المعتدلة التى تحض على التسامح والوسطية. كما يدعو القوصى إلى محاورة الغرب والتفاهم مع الرئيس الأمريكى أوباما، والتفاوض مع إسرائيل لأنها اصبحت امراً واقعاً. ويتابع الشيخ أسامة القوصى أن الدعوة الإسلامية الصحيحة هى التى تعتمد على التواصل وحسن الجوار والمعاملة الطيبة لأن الدين المعاملة كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الأديان والعقائد فهى لله وحده.