قال لى السفير الايطالى بالقاهرة السيد ماسارى مازحاً «ولمَ تذهب إلى استراليا؟ وماذا هناك يهمكم فى هذه الأرض البعيدة». فقلت له: «سأذهب للمشاركة فى حوار مصرى استرالي» من أجل تقوية الروابط ما بين بلدينا، ولكن الاجابة باختصار هي: «80 ألف مصرى يقيمون فى استراليا»، وهذه أرقام تقريبية، وأحسب أن الأرقام أكبر، كما أن نوعية المصريين المقيمين فى استراليا فى غاية الأهمية، ولديهم مواقع مهمة، ويتعين أن نشد الجسور، وأن نقول لهم ماذا يريد منهم الوطن، وأن نستمع إليهم بشأن ما الذى بامكانهم أن يقدموه لمصر التى لم تغب عنهم أبدا، (هذا ما لمسته من قبل فى زيارة أخرى عام 2004). إلا أن هذا الحوار الأول بين استراليا ومصر فى ملبورن يكتسب أهميته بعدما فرضت قضايا المنطقة المضطربة نفسها على استراليا البعيدة، وعلى رأس القائمة الآن لايوجد سوى خطر داعش، وما تفعله، وما الذى تعتزم فعله؟ فقد كان المتطرفون المرتبطون بتنظيم داعش يخططون قطع رأس مواطن من الجمهور فى استراليا، على حد تصريحات السيد تونى أبوت رئيس الوزراء الاسترالى يوم الخميس 18 سبتمبر، إثر مئات المداهمات التى نفذتها الشرطة فى عملية موسعة لمكافحة الارهاب. وقال إبوت انه «كان هناك خطر حقيقى وجدى من هجوم ارهابى محتمل بعد أيام من رفع استراليا مستوى التهديد الارهابى الوطنى إلى درجة مرتفع للمرة الأولي، فى اشارة إلى احتمال وقوع هجمات من قبل متطرفين استراليين فى العراق وسوريا». وهنا فإن خطر داعش وما يعكسه من «تطرف ديني» يدق أبواب الجميع، بل ان البعض من هؤلاء عاش وتطرف فى المجتمعات الغربية الأوروبية وأمريكا واستراليا ليست ببعيد أو بمنأي، ناهيك عن مجتمعاتنا العربية التى هى فى عين العاصفة. وبالطبع تشارك جميع دول العالم فى التصدى لخطر داعش، إلا أن مصر تقول ولديها كل الحق لابد من مواجهة كل أشكال الارهاب، وليس داعش فقط، وليس فى منطقة بعينها بل فى كل مكان، القاهرة تريد تحالفا دوليا صادقا وفاعلا، ولم تكن القاهرة وحدها هى التى تتحفظ على استراتيجية الادارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما بهدف تدمير داعش، فقد تحفظ أنتونى كوردسمان الباحث الأمريكى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى واشنطن على أن «تدمير داعش» تبدو هدفا طموحا، وقال إن خطر التطرف والجهاد العنيف من المرجح أن يستمر لسنوات طويلة قادمة، وأن يعاود ظهوره بنفس التهديدات على شكل قوس يمتد من المغرب إلى الفلبين، ومن إفريقيا جنوب الصحراء إلى روسيا والصين، وفى جملة كاشفة «يؤكد كوردسمان» ربما هذه ليست حربا طويلة فى مكان واحد بعينه، ولكنها حالة من عدم الاستقرار العنيف الذى سوف ينتشر، بحيث يكون هو القاعدة وليس الاستثناء». ويشير كوردسمان إلى أن «السؤال الحيوي» هو ما اذا كانت الدول العربية المهمة قادرة على أن تقدم الحجج الدينية والايديولوجية الضرورية لمواجهة التطرف العنيف وتعيد تقوية قيم الاسلام السمحة المعتدلة والتى تمثل الغالبية والتيار الواسع، ويختم كوردسمان مقولته بأن «الحرب الحاسمة بصورة كبيرة هى «حرب دينية»، وهذه هى حرب لايمكن إلا أن يكسبها المسلمون فقط»!. وأحسب أن هذه نقطة حاسمة، إلا أننا جميعا شركاء فى مواجهة التحديات. والأهم فى تفهم طبيعة المجتمعات لدى كل منا، وهذا ما حرص على تأكيده د. ميشيل ميشيل مدير مشروع الحوار المصرى الاسترالى الذى ينظمه مركز الحوار بجامعة لاتروب بولاية فيكتوريا وبدعم من الحكومة المحلية، فهو يقول ان الحوار يستهدف نشر تفهم عميق فى كل دولة عن الأخرى فيما يتعلق بالأمور السياسية والاقتصادية والثقافية. وبالاضافة إلى ذلك فان الحوار المصرى الاسترالى كان لابد أن يتطرق إلى القضايا الاقليمية والثنائية والتحديات العالمية التى تواجه مجتمعاتنا سواء فى مصر أو استراليا، وقبل بدء الحوار سألت «ما الذى تطمحون إليه».. قال: «إن هدفنا أن نضع أسسا لحوار طويل ومستمر يمكن أن يتطور وينمو بمرور الوقت»، وأشار إلى أن ذلك هو السر وراء دعوتنا لقادة الرأى من كلا البلدين الذين يهتمون بالصورة الكبرى وليس فقط «صورة العلاقات الثنائية»، ولكن أيضا يهتمون بالتغيرات القوية التى تحدث فى منطقة الشرق الأوسط الكبير وبامتداد العالم، ولقد شارك فى هذا الحدث المهم السفير المصرى النشط حسن الليثي، والذى كان تدشين مثل هذا الحوار على رأس أولوياته عندما التقيته منذ عامين وقبيل مغادرة القاهرة. ويؤكد السفير الليثى أن الحوار يأتى فى وقت دقيق للغاية، ومن المهم أن تلتقى نخبة العقول المصرية مع مراكز الأبحاث والمسئولين وأيضا الجاليات المصرية المقيمة هنا، وقال بابتسامة: إن الجالية اليونانية ذات الجذور المصرية سوف تقيم حفل استقبال، لكم وعشاء ترحيب، وسوف يدور حوار عميق بشأن مايحدث فى مصر والمنطقة. وبالطبع لايمكن أن يتجاهل مثل هذا الحوار تطورات الربيع العربي، والأوضاع فى مصر، وكيف يمكن التعايش ما بين أصحاب الثقافات والديانات المتعددة، وتبادل الخبرات، فضلا عن تطورات الأوضاع فى فلسطين وليبيا والعراق واستطلاع فرص السلام فى الشوق الأوسط، القائمة تطول والمشاركة تضم نخبة من أفضل العقول الاسترالية والمصرية، ومن القاهرة فإن وزير الخارجية السابق السفير محمد العرابى سوف يشارك بالاضافة إلى السفير المصرى الأسبق وعدد من وجوه المركز المصرى للعلاقات الخارجية وبعض الوجود الشابة وكاتب هذه السطور، ممثلا لرؤية الاعلام، ومتحدثا عن الثورة والديمقراطية والمجتمع المدني. .. ويبقى أن هذه بداية يجب أن تستمر، وأن تذهب النخبة غير الرسمية يدا بيد مع النخبة الرسمية، وألا نهدر الكفاءات الدبلوماسية، وأن نعطى الفرصة للاعلام الرصين لأن يتحدث باسم المجتمع وهمومه، ويدافع عن البلد لا الحكومة ومصالحه العليا لأنها هى الدائمة، وهذا ما يجب أن نعمل جميعا على بلورته بقوة. لمزيد من مقالات محمد صابرين