كعادة «الأهرام» على مدى تاريخه الممتد من القرن التاسع عشر إلى اليوم تتقدم المؤسسة العريقة لتكون من جديد جسرا للأفكار وتلاقى قوى المجتمع المصرى ليس فقط على صفحات الجريدة الأقدم فى مصر والعالم العربي ولكن أيضا فى جنبات مبانيها التى طالما احتضنت أعلام الفكر والثقافة والسياسة والفن والأدب لعقود طويلة. فى الشهور الأخيرة، استشعرت «الأهرام» أن هناك دورا أكبر يمكن أن تلعبه فى فتح حوار بين القوى الشبابية سواء النشطاء السياسيون منهم أو الفاعلون فى الأحزاب المدنية القائمة من جانب وبين السلطة السياسية، وقد بدأت الصحيفة تطرح على صفحاتها قضايا الحريات وقانون الحق فى التظاهر مشاركة الشباب فى العمل العام وتعظيم مشاركتهم فى العملية السياسية، وبخاصة الانتخابات البرلمانية المقبلة، بشكل مكثف فى الآونة الأخيرة فى أشكال وفنون صحفية مختلفة ووضع كتاب كبار في «الأهرام» أياديهم على ضرورة إحداث تغيير فى المشهد الراهن بما يتناسب مع طموحات لعب الشباب دورا أكبر فى الشأن السياسي، وجاءت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس الأول ودعوته للأهرام من أجل أن تعقد ندوة موسعة وإعلانه توجيه كلمة فى تلك المناسبة جاءت لتكلل رغبتنا فى إستعادة الدور والمكانة وإثراء النقاش العام من واحدة من كبريات مؤسسات المجتمع المصرى التى مازالت تحتضن شعلة الثقافة والفكر والصحافة الرصينة وتعتبر نفسها حارساً للقيم الحضارية وداعمة قوية للدولة المدنية وللوحدة بين كل أبناء الوطن. --- فى حوارات القوى الرافضة للتغيير والواقع الجديد فى مصر بعد ثورة 30 يونيو الشعبية تتعالى أصوات تشيع أجواء اليأس فى حراك مجتمعى حقيقى وتبشر بمصادرة العملية السياسية لمصلحة السلطة الجديدة فى البلاد على أمل أن تنجح فى حشد أنصار جدد لمواقفها التى تزعم غياب التوافق والإجماع الجماهيرى حول السياسات الجديدة التى ترمى إلى بناء المجتمع المصرى من جديد وتعويض سنوات الفشل والإحباط.. ----- فى حوارات الرئيس عبد الفتاح السيسى هناك ما يدعو إلى الأمل فى تجاوز الصعاب وخلق بيئة ملائمة للإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى رغم جسامة المهمة وهو على يقين راسخ أن شباب مصر هم الرافعة الأساسية التى سيقوم عليها البنيان الجديد.. --- ما بين حوارات الرئيس السيسى المبشرة بغد أفضل وحوارات القوى الرافضة التى تحاول إعاقة التقدم لفجر يوم جديد فى حياة المصريين مساحات شاسعة لن يقدر على شغلها والحركة فيها سوى الشباب الواعى بدوره فى صياغة المستقبل وبضرورة أن يتقدم الصفوف فى العملية السياسية الدائرة حاليا ورسالتنا في »الأهرام« إلى القوى الشابة أن تعتبر من دروس الماضى القريب وأن تقبل على الحوار سواء مع السلطة او مع نظرائها فى الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدنى بمفاهيم جديدة وبرغبة فى فتح عقولها على المستقبل وعدم البقاء أسرى لأفكار سلبية تعيق الحوار وتوقف عجلة الزمن وتترك الباب مفتوحا أمام عودة القوى القديمة المرفوضة شعبيا من جديد للعمل السياسي. كما أن التشدد فى المطالب والأفكار يقود إلى تشدد ناحية الطرف الآخر وهو ما نرغب فى تجنبه ونريد أن نفتح منبراً حراً للحوار على أرضية أن المستقبل هو ملك لنا جميعا والتقدم خطوات على طريق التقدم هو حصيلة جهدنا جميعا ولا ينبغى أن نخصم منه اليوم رصيد قوى شبابية مؤثرة تحت أى مبرر أو سبب. ---- بعد ساعات، تستضيف مؤسسة «الأهرام» ندوة تحضيرية للقوى الشبابية المؤمنة بثورتى 25 يناير و30 يونيو لبحث دورها فى العملية السياسية وتعظيم مشاركتها فى الانتخابات البرلمانية المقبلة ومناقشة مخاوفها بشأن أوضاع الحقوق والحريات وهو تجمع يأتى منسجماً مع حرص القيادة السياسية على منح فرصة كاملة للشباب فى قيادة الطريق نحو المستقبل. وقامت «الأهرام» فى فترة زمنية وجيزة بالتواصل مع القوى الحزبية والشبابية والمجتمع المصرى بغية صياغة رؤية موحدة حول ما يطلبه الشباب فى المرحلة المقبلة وجاءت الاستجابات فورية ومبشرة ويلتقى اليوم ممثلو القوى الشبابية الحزبية والمستقلة للاستقرار على رؤية عامة لما هو مطلوب فى المرحلة الجديدة بما يسهل من مهمة القيادة السياسية فى التواصل والتفاعل مع الشباب وتحقيق رغباتهم فى لعب أدوار ملموسة فى الحياة العامة. ومن المقرر أن تقود تلك الندوة التحضيرية إلى ندوة موسعة لكافة القوى الشبابية وفى حضور الرئيس السيسى بعد أسابيع قليلة. ولعل فى مواقف السلطة السياسية ما يدعونا فى مؤسسة »الأهرام« إلى تثمين تلك الدعوة الجادة والصادقة من الرئيس السيسى فى احتفال عيد الفلاح أمس الأول الخميس والتى أطلقها فى قاعة المؤتمرات بحضور ممثلين عن جموع الفلاحين حيث يؤكد السيسى على أهمية أن يرى مجلس النواب القادم النور فى ظل مناخ سياسى صحى يمنح شباب مصر الفرصة للتعبير عن مواقفه وأحلامه تحت قبة البرلمان وأن تسهم طاقات شابة فى خروج التشريعات الجديدة المطلوبة لتحقيق مزيد من الحراك السياسى والنهضة الاقتصادية والتغيير الاجتماعى والإصلاح التعليمى وإعادة بناء شبكات الخدمات الاجتماعية والمرافق الحيوية وتحقيق الشفافية وتفعيل مبدأ المحاسبة فى أجهزة الدولة والقضاء على المحسوبية البغيضة التى أغرقت قطاعات عريضة من المصريين فى حالة من اليأس وأدت إلى عزوف الملايين عن الانضمام إلى الأحزاب السياسية وابتعادهم لعقود عن أى حراك حقيقى فى الشارع السياسي. فى الأسابيع الثلاثة الماضية قدم الأستاذ أحمد السيد النجار رئيس مجلس الإدارة والأستاذ محمد عبد الهادى علام رئيس تحرير الأهرام رؤية شاملة عن ضرورة الإصلاح السياسى وتعظيم المشاركة المجتمعية فى صناعة القرار السياسى عبر خطوات محددة تقوم على بناء الثقة من جديد مع مختلف قطاعات الأمة المصرية وصولا إلى مشاركة حقيقية فى صياغة المستقبل. وقد أستدعى الكاتبان جملة من المشاهدات التى توضح ضرورة المضى قدما فى الإصلاح السياسى دون تأخير حتى لا يترك الشارع السياسى نهبا للشائعات والحملات الإعلامية المضللة التى تريد أن تلصق تهما جاهزة بالقيادة السياسية المستندة إلى شرعية 30 يونيو ومن بينها النزوع إلى الاستبداد ومحاصرة أصحاب الرأى والمعارضين ومصادرة العمل السياسى لمصلحة المقربين من السلطة وهى اتهامات يروج لها النظام السابق لجماعة الإخوان ومتعاطفون معها من بعض النخب السياسية التى لا يروق لها ما حدث فى الثالث من يوليو الماضى عندما تقدم السيسى الصفوف نيابة عن جموع المصريين معلنا وضع نهاية فورية لحكم الجماعة التى كادت تغرق البلاد فى مصير مظلم من السهل اليوم -فى ضوء التطورات الإقليمية المأساوية أن نعرف مداه وحدوده الكارثية إلا أن البعض يصر على الدفاع عن عام من الفشل ومحاولة إختراق الأمن القومى المصرى بطرق شتى وهو دفاع لا يجد فى الشارع المصرى سوى عبارات الشفقة على أصحابه وتابعيهم ولا يتبعه سوى فئة محدودة لفظ منطقها المصريون من واقع تجارب الشهور الماضية. من موضع الثقة اليوم فى التغيير والأمل فى مشاركة المجتمع بكل فئاته فى صنع المستقبل، كانت عملية بيع شهادات إستثمار قناة السويس الجديدة كاشفة عن درجة وعى كبير لدى السواد الأعظم من المصريين أصحاب الإنجاز الحقيقى فى ثورة 30 يونيو وفى ثمانية أيام فقط حاز المصريون على شهادات بقيمة 64 مليار جنيه ولم يكن أشد المتفائلين يتوقع الوصول إلى الرقم فى تلك الفترة الزمنية القصيرة.. وقدم درس شهادات الإستثمار برهانا جديدا على ضرورة قيادة المستقبل انطلاقا من بناء إجماع شعبى أوسع وفتح كل نوافذ الحوار والنقاش مع المؤيدين والمعارضين طالما أن منطلقاتهم الوطنية واحدة وثوابت الحفاظ على الأمة من عواصف التفكك والتناحر الداخلى هى التى تحكم تفكيرهم وقناعاتهم ..فلا مجال للعبث أو تغليب المصالح الخاصة على الصالح العام .. ومن التصور السابق، كانت دعوة رئيس تحرير الأهرام فى مقالاته السابقة، وآخرها بالأمس، تؤكد على ضرورة تغليب القوى الحزبية الشرعية مصلحة الوطن فوق أية أعتبارات أخرى وفتح المجال أمام قطاعات الشباب لصياغة البرامج الحزبية التى تصب روافدها فى البرلمان القادم من خلال احزاب قوية وهو مطلب لن يتحقق دون قيام تلك الأحزاب بالدخول فى عمليات إندماج كبرى توفر زخما للعملية السياسية وتحقق توازنات مطلوبة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة وتقضى على حالة التشرذم التى لن يستفيد منها سوى القوى المعادية للثورة الشعبية أو أصحاب المصالح الخاصة وقد لمست تلك الرؤية وترا لدى القيادة السياسية التى طالما دعت إلى أهمية التفكير فى تنشيط الحياة الحزبية وعدم الإرتكان إلى صيغ الماضى الكئيب التى أغرقت البلاد فى مستنقع آسن وكريه خرج المصريون ضده مرتين فى ثلاثة أعوام ولم يعد سيناريو البرلمانات المصنوعة تحت ضغط من السلطة قابلا للتكرار اليوم ولو حدث سيكون خطرا على تجربة التحول الديمقراطى وعافية الحياة السياسية فى مصر فى المدى الطويل.. ------------ حصيلة ما سيجرى اليوم داخل مؤسسة »الأهرام« سيكون نواة لحوار أكبر للقوى الشبابية والحزبية وكافة قوى المجتمع المدنى يعقد فى وقت قريب من أجل تقديم صورة أكثر وضوحا لرؤية الشباب لمستقبل وطنهم وهى الرؤية التى تترقبها الرئاسة المصرية وتبدى مرونة كبيرة فى الاستماع إلى أراء الجميع دون تمييز أو إجحاف لأحد وتبقى المسئولية على عاتق المشاركين لإقتناص الفرصة والتحدث دون تحفظات أو انحيازات تؤثر بالسلب على الحوار المنشود.. واستثمارا لمناخ طيب لاتظهر السلطة فيه استعلاء فى التعامل مع الشباب بل تخشى من غيابهم عن المؤسسات المنتخبة فى المستقبل »الأهرام« اليوم تفتح نافذة للجميع من أجل أن نطل منها على مشهد أكثر نضجا وأكثر قدرة على تحمل تبعات التغيير دون الاستسلام للصياح ورسائل البوم الناعق بالخراب.. تلك مقاصدنا.. وتلك رسالة المؤسسة العريقة فى مرحلة مصيرية من عمر وطن يحلم بفجر جديد..