أثار قرار قطر بترحيل سبعة من قيادات جماعة الإخوان ومنحهم أسبوعًا كمهلة لمغادرة البلاد، تساؤلات عدة بعضها يتعلق بالأسباب والدوافع وراء اتخاذ هذا القرار فى هذا التوقيت تحديدا، وفى محاولة لقراءة هذا، يمكن تسجيل ثلاثة ملاحظات مهمة: أولاً - رغم ما قد يبدو للبعض أن القرار القطرى اتسم بالمفاجأة لدى البعض، إلا أنه فى حقيقة الأمر لم يكن مفاجئا لبعض المتابعين للقضية بصفة عامة ولجماعة الإخوان وتنظيمها الدولى بصفة خاصة. يدلل على ذلك أمرين: الأول، اللحظة الراهنة التى تمر بها المنطقة. وليست مصادفة أن تأتى الدعوة للحملة الأمريكية الثانية ضد الارهاب متزامنة مع ذكرى أحداث 11 سبتمبر، ومن ثم تحتاج واشنطن لدعم دول اقليمية وفى مقدمتها السعودية نظرا لدورها وتأثيرها الكبير فى مجريات الأحداث، وهو ما يتطلب تصفية الأجواء المتوترة بين بلدان المنطقة، وتمثل الأزمة الخليجية (السعودية والإمارات والبحرين) مع قطر على رأس هذه الأجواء، ومن ثم يمكن النظر إلى القرار القطرى فى ضوء الاستجابة للضغوط الامريكية من أجل تهدئة الموقف مع بقية بلدان الخليج، بالبدء فى تنفيذ بعض بنود وثيقة مجلس التعاون التى وقعت عليها قطر قبل ذلك. أما المؤشر الثانى على عدم فجائية قرار قطر فيبرز فى ردود فعل قيادات الجماعة وأنصارها، حيث اتسمت هذه الردود بالترحيب والشكر لدولة قطر على حسن الاستضافة وكرم الضيافة وهو ما يجعل من السهولة بمكان القول إن القرار تم اتخاذه بالتنسيق بين الحكومة القطرية وقيادات جماعة الأخوان الموجودة فى قطر بل مع قيادات التنظيم الدولى للجماعة. ثانيا - غنى عن القول إن الوجهات الموجودة أمام قيادات الجماعة ليست ببعيدة عن التوقعات بل يمكن حصرها فى عدد من البلدان يأتى فى مقدمتها بريطانيا وتركيا وماليزيا، يضاف اليهم كل من ليبيا والسودان واليمن. صحيح أن البلدان الثلاثة الأولى قد تواجه ضغوطا دولية فى حالة استضافتها لهذه القيادات، إلا أنه من الصحيح أيضًا ان الدول الثلاث الأخرى تظل الملاذ الأكثر أمنا لقيادات الجماعة وعناصرها، ففى ليبيا تغيب الدولة وتسيطر التنظيمات الارهابية على بعض الأماكن الحيوية، بما يسهل عملية دخول هذه القيادات، وهو الوضع الذى يتكرر فى الحالة السودانية فى ظل انتماء البعض فى الخرطوم للفكر الاخواني. أما بالنسبة لليمن، فالدور القطرى ما زال موجودًا فى الأزمة اليمنية بما قد يمثل منفذا مناسبا لوجود الجماعة فى الأزمة وخاصة أنها تمثل أحد أبعاد الازمة المستمرة فى الدولة اليمينة. ثالثا - تكشف بعض الوقائع والدلائل أن القرار يأتى فى إطار العمل التكتيكى الذى تستهدف به قطر بالتنسيق مع جماعة الإخوان والولايات المتحدة تحقيق جملة من الأهداف المشتركة من أبرزها تخفيف حدة الضغط على الدوحة من جانب دول الجوار الجغرافي، كما يمنح القرار الجماعة فرصة لمزيد من الانتشار فى بلدان أخرى تستكمل بها جهودها لإعادة التموضع من جديد بانتهاج آليات أخرى من خلال الوجود فى مناطق ملتهبة، بحيث لا يتم اعادة ترتيب هذه المناطق دون أن يكون هناك وجود للجماعة بمعنى أن الجماعة تسعى لأن يكون لها دور فى ترتيب الاوضاع فى هذه البلدان بعدما خسرت بلد التأسيس والنشأة (مصر) وتواجه صعوبات فى بلدان أخرى كانت ملاذا لها فى أزماتها السابقة ويقصد بها دول الخليج، وينسجم القرار مع المصلحة الأمريكية فى انجاح حملتها الدولية ضد الارهاب حينما مارست ضغطا على قطر للاستجابة إلى مطالب دول الخليج وتحديدًا السعودية بما يجعلها توافق على المشاركة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الضغط على العشائر السنية فى العراق للمشاركة فى الحملة ضد تنظيم «داعش». ما قامت به قطر من خطوة أرادت بها أن تذر الرماد فى العيون من أجل تحقيق أهدافها وأهداف حلفائها لن تنطلى على مصر وكثير من الدول العربية الواعية لأهدافها ومصالح شعوبها. ولذا، فعلى صانعى القرار أن يضعوا هذه الخطوة محل اختبار لحين اتضاح النيات الحقيقية من ورائها دون أن يكون لها أى مردود فعلى على توجهات السياسة المصرية حيال قطر التى مازالت تناصب الشعب المصرى العداء من خلال احتضانها لجماعة تمارس العنف والإرهاب ضد الدولة المصرية، ولاتزال وسائل إعلامها تحرض ضد جيشها، وخاصة أن قرار الاستبعاد لم يتضمن المنع من دخول الدوحة، بما يفتح المجال أمام احتمال التلاعب والالتفاف على قرار الاستبعاد من خلال تنظيم زيارات متتالية لهذه القيادات بين الحين والآخر الى الدوحة دون أن يكون لها اقامة دائمة بها. لمزيد من مقالات عماد المهدى