فى مثل هذه الأيام قبل 62 عاما صدر أول قانون للإصلاح الزراعى فى مصر فى أول تطبيق لمبدأ «العدالة الاجتماعية» الذى كان أحد المباديء الستة لثورة 23 يوليو 1952. هذا القانون الذى أعاد توزيع الأرض الزراعية التى كان معظمها مملوكا لقلة من الاقطاعيين كثير منهم أجانب لاينتمون للارض الطيبة التى حرص الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أن يعيدها الى أصحابها الذين كانوا يزرعونها بينما يحصد خيراتها هؤلاء القلة من الأعيان والأجانب، لقد تمكن الفلاحون من تملكها بفضل قوانين الاصلاح الزراعي، التى لولا الارادة السياسية القوية للزعيم الراحل الذى أنصف الفلاحين ونصرهم ، ما كانت لتحقق أهدافها النبيلة فى تمكين الفلاحين من العيش بكرامة وتربية أبنائهم وتعليمهم حتى تقلدوا أعلى المناصب، فى هذه الذكرى نتوجه الى روح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بالشكر والعرفان، فقد كان بحق «ناصر الفلاحين». ((الأرض لنا ... لمن يعملون فيها ... قضينا على الاقطاع وقضينا على الاقطاعيين ... وقضينا على الاستغلال وقضينا على الاستغلاليين ... ولكننا ايها الاخوة وقد وصلنا الى هذه المرحلة من احلامنا ، يجب على كل فرد منا ان ينظر الى المستقبل ، فكنا فى الماضى كل فرد منا يعمل بمفرده ، وكان الفلاح الصغير الذى يملك قيراطين او ثلاثة او اربعة قراريط يشعر انه خاضع لسيطرة المرابين ، ويشعر ايضا انه خاضع لسيطرة كبار الملاك الذين كانوا يحاولوا ان يحرموه من قطعة الارض التى تتمثل فى بضعة قراريط حتى يضموها الى ارضهم وكان يشعر أنه لا حول له ولا قوة )) ...... هذه كانت كلمات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يوم تسليم الفلاحين اراضى الاقطاعيين تنفيذا لقانون (الاصلاح الزراعي) الذى صدر فى سبتمبر عام 1952 فى عهد الرئيس الأسبق محمد نجيب تطبيقا لأحد مباديء ثورة 23 يوليو وهو «العدالة الاجتماعية»... ولم تكن مجرد كلمة او تسمية لقانون دعمه الرئيس جمال عبد الناصر ، ونفذه بتعديلاته ولائحته الصادرة عامى 1958 و 1963، فحسب بل خريطة طريق لتغيير مستقبل الاف الفلاحين وابنائهم ليشكلوا مجتمعا من القادة نحكى قصص كفاحهم لابنائنا متمنين ان يصلوا الى مراتب رفيعة مثلما وصلوا اليها . فقد نص القانون على تحديد الملكية الزراعية للأفراد والاسرة وفق التعديلات المتتالية متدرجة من 200 إلى خمسين فدانا للملاك القدامى ، وأخذ الأرض من كبار الملاك وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين. وعرفت هذه التعديلات بقانون الإصلاح الزراعى الأول والثانى ، وأنشئت جمعيات الإصلاح الزراعى لتتولى تسلم الأرض من الملاك بعد ترك نسبتهم القانونية وتوزيع باقى المساحة على الفلاحين الأجراء المعدمين العاملين بنفس الأرض، ليتحولوا الى ملاك لها ليستعيد الفلاح المصرى ارضه وكرامته التى حرم منها لسنوات طويلة ليجنى الفلاح ثمار عرقه ويرتقى بمستواه ويعلم ابناءه وتسقط طبقات اجنبية لطالما اهانت المصريين على ارضهم وفى ديارهم لنقف اليوم امام ابنائهم اطباء ومهندسين واساتذة جامعات وقضاة جميعهم يخلصون للوطن الذى اعطاهم كل شيء ولا ينسون لحظة تاريخا اعطاهم فيه الوطن حقهم يوم كانوا احد منتفعى قانون الاصلاح الزراعى . [لا يستطيع أحد أن ينكر فضل قوانين الإصلاح الزراعى التى صدرت فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر فى تغيير وجه الحياة فى بر مصر المحروسة والتى بدلت أحوال الفلاحين من أجراء إلى ملاك للاراضى الزراعية . كما لايستطيع أحد أن ينكر ان هذه الاراضى كانت المصدر الرئيسى الذى عاشت علية آلاف الأسر والعائلات لسنوات طويلة وتمكنت من خلال ملكيتها للارض فى تنشئة وتربية وتعليم الالاف من ابناء مصر والذين تبوأ عدد كبير منهم مراكز اجتماعيه مرموقه فأصبح منهم وزراء ووكلاء وزارة ومديرو عموم ورؤساء جامعات واطباء ومهندسون ومحامون وصحفيون ومئات الالاف من الموظفين فى جميع مؤسسات الدولة ولكل منهم قصة كفاح مشرفة تحتذى بها الاجيال الحالية والقادمة . واذا كان البعض منهم قد استحى من الحديث حول هذا التاريخ الذى نعتبره مشرفا بعد ان تقلد مناصب اجتماعية رفيعة فان البعض الاخر قد تحدث ل»الاهرام» بفخر وثقة واعتزاز. بداية يقول المهندس عصام فياض مدير عام الاصلاح الزراعى بمحافظة الدقهلية ان المحافظة واحدة من اكبر المحافظات التى طبقت فيها قوانين الاصلاح الزراعى حيث بلغ عدد المنتفعين45 الفا و221 منتفعا وقت صدور القانون 178 لسنة 1952 وحاليا يبلغ عدد المنتفعين 58 الفا و 600 منتفع لوفاة المورث وتفتيت الملكية ، ويتبع المديرية 9 مناطق. ويضيف فياض ان المديرية تعتبر من المديريات الرائدة فى جميع مجالات الانتاج الزراعى فهى الثانية على مستوى الجمهورية من حيث المساحة المزروعة ، ومن اوائل المديريات فى اعلى معدل انتاجية للفدان من المحاصيل الزراعية بصفة عامة ومحصول الارز بصفة خاصة وكذلك الانتاج الحيوانى والداجني. ويتحدث المهندس كمال محمد خضر مدير عام منطقة الاصلاح الزراعى بنبروه باعتباره واحدا من ابناء الاصلاح الزراعى الذين استفادوا من قوانين ثورة يوليو فيقول كنا اسرة فقيرة وتغيرت احوالنا بعد حصول والدى على « 3,5 « فدان من اجود الاراضى الزراعية بقرية نشا التابعة لمركز نبروه وساعدنا تملك هذه الارض فى اعاشة وتربية وتعليم اشقائى التسعة ، بالاضافة الى عمى ابراهيم خضر مدير عام الشهر العقارى بالمنصورة «توفاه الله» واصبح شقيقى السعيد مهندسا زراعيا وسعد موجها اول للغة العربية ،فلولا هذه الارض ما تغيرت احوالنا حيث كنا نعيش فى منزل مقام بالطوب «اللبن» اما الان فاصبح لنا منازل مقامة بالطوب الاحمر والخرسانة المسلحة ويتملك بعضنا سيارات خاصة ، وانا من محبى العمل الشبابى والسياسى والاجتماعى حيث كنت عضوا لعدة دورات بمجلس محلى مركز نبروه واللجان العرفية التى تمكنت من حل العديد من النزاعات بين الاهالى ومن خلال هذه العضوية نفذنا مشروع الصرف الصحى بنشا بالجهود الذاتية الأرض تعنى التعليم ويلتقط خيط الحديث المهندس السيد عبد المنعم حماد مير المكتب الفنى بمديرية الاصلاح الزراعى بالدقهلية قائلا ونحن ايضا من عائلة انتفعت بقوانين الاصلاح الزراعى حيث استفاد والدى و3 من اعمامى ب 10 افدنة بالعزبة الحمراء التابعة لقرية كفر بهوت بواقع 2,5 فدان لكل منهم وكان لوالدى 7 اشقاء كلهم تبوأوا مناصب اجتماعية رفيعة فى المجتمع بفضل هذه الارض التى منحها لهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، ومن بينهم اعمامى الدكتور فوزى حماد رئيس هيئة الطاقة الذرية سابقا والدكتور فتحى حماد استاذ الجيولوجيا بمركز بحوث الصحراء والمهندس حماد حماد مديرعام شركة النصر للتليفزيون سابقا واحمد حماد وكيل وزارة التربية والتعليم سابقا وحامد حماد رئيس جمعية كفر بهوت للاصلاح الزراعى سابقا وكنا ونحن صغار نقوم بمساعدة اهالينا فى زراعة الارض لرفع مستوى المعيشة حتى اصبح شقيقى احمد مهندسا كبيرا باسكان الدقهلية ومحمد محاسبا بمحطة تعبئة الغاز بطلخا وبدون هذه الارض لم يكن احد يستطيع ان يتعلم حيث كان المعروف فى ذلك الوقت ان المالك لا يعمل ويملك كل شيئ فى حين كان العامل يعمل ولا يملك اى شيئ وعندما جاءت ثورة يوليو صححت هذه الاوضاع ونحمد الله على ما اصبحنا فيه الان . ويحكى الدكتور حمزة ابو القمصان السيد واحدة من اروع قصص الكفاح لاولاد الاصلاح الزراعى فيقول : كنا لا نملك شبرا واحدا من الاراضى الزراعية قبل ثورة يوليو وكان والدى من فقراء القرية ولكن عندما قامت الثورة غمرت الفرحة قلبه لانهاء الظلم الواقع على جموع الفلاحين فى ذلك الوقت من قبل الاقطاع وتملك والدى فدانين من الارض الزراعية فيما يسمى بالاصلاح الجديد « قوانين يوليو الاشتراكية فى عام 1964 « وقامت والدتى بمساعدته فى زراعة الارض لتوفير احتياجاتنا المعيشية ، وكان القول الفصل الذى نشأنا وتربينا علية ان «الحلال بين والحرام بين» حيث لم نلتفت الى ما فى ايدى الناس ولم تكد تمر 4 سنوات حتى اختار الله والدى الى جواره وكان عمرى فى ذلك الوقت عاما واحدا وتولت والدتى بشرف قيادة دفة سفينة الاسرة وتحملت من اجلنا العناء الشديد حيث كانت تفلح الارض بنفسها وكنا نساعدها بايدينا لتوفير احتياجاتنامن ناتج الارض وكان الهدف الوحيد ان نصبح نماذج مشرفة فى المجتمع وهو ما تحقق بالفعل حيث اصبح شقيقى جمال ابو القمصان الذى يكبرنى مديرا اداريا لمحكمة بيلا الابتدائية والذى اطلق والدى عليه اسم جمال لحبه الشديد لجمال عبد الناصر ،اما انا فقد حصلت على الدرجة الاولى الوظيفية واعمل حاليا مديرا للوحدة الصحية بقرية كفر الابحر ويعمل شقيقى مرعى الذى يصغرنى مهندسا زراعيا. نموذج اخر لابناء الاصلاح الزراعى الذين جدوا واجتهدوا كان للدكتورة خضرة محمد السيد عبد العال التى عاشت وتربت وتعلمت فى اسرة فقيرة من اسر المنتفعين من اراضى الاصلاح الزراعى فقد كان جدها واحدا من المستفيدين من ثورة يوليو ونشأت فى كنف أبيها الذى ورث فدانين عن جدها مع شقيقه وشقيقته وراحوا يزرعون الارض. تقول الدكتورة خضرة انه بفضل نصيب والدها فى هذه الارض تمكنت من تلقى تعليمها المجانى بالمدارس الحكومية والالتحاق بكلية طب المنصورة حيث كانت تستذكر دروسها فى منزل والدها المتواضع و تخرجت فى كلية الطب فى عام 2004 كما حصلت على درجة الماجستير فى تخصص القلب والاوعية الدموية فى عام 2009 وتستعد حاليا للحصول على درجة الدكتوراة فى نفس التخصص وهى متزوجة ولديها طفلتان . يؤكد الدكتور علاء ادريس استشارى الجراحة العامة ومدير مستشفى زنانيرى العام بالشرقية ان والده حصل على ثلاثة افدنة من الاصلاح الزراعى من بين املاك احد بشوات اليهود الاقطاعيين وكان يلقب ب ((المقطم باشا)) وقصره لازال موجودا الى الآن فى صان الحجر حيث قام جمال عبد الناصر بطرد اليهود من مصر ، واقتسم اراضيهم الفلاحون المصريون الذين لقبوا حينها بالمنتفعين نسبة الى انتفاعهم واستفادتهم من قانون الاصلاح الزراعى ، وقد استأجروها فى البداية ليكون ما دفعوه من قيمة ايجارية بمثابة اقساط مكنتهم من تملكها بعد ذلك ، وبعدها استطاع ابى ان يدخلنى واخوتى السبعة مراحل التعليم لنحصل جميعا على مؤهلات عليا وكنت من بين المتفوقين ، ولولا قانون الاصلاح الزراعى ما تمكن أبى بيوميته الزهيدة التى كان يحصل عليها مقابل عمله فى الارض أن يتمم تعليمى انا واخوتي. والجدير بالذكر ان الاصلاح الزراعى كان يصرف مكافأة تفوق لابناء المنتفعين سنويا لكل من يتفوق فى الدراسة وكنت من بين هؤلاء وحصلت على تلك المكافاة عدة سنوات متتالية فخورين دائما باننا ابناء الاصلاح الزراعى ورغم ان والدى كان شيخا للبلد ولم يدخل الجيش الا ان ابناءه السبعة دخلوا جميعا وادوا الخدمة العسكرية... دروس بالمجان ويحكى الدكتور ادريس : عندما حصلنا على الارض كان يساعدنا (الاستاذ رشدي) وهو مدرس مسيحى ميسور الحال وكان ابناؤه جميعا مدرسين حيث كان يعطى ابناء القرية الفقراء دروسا بالمجان ومن لا يكفيه دخله الزهيد كان يشترى له بقرة لينفق على اسرته وكنا قبل الاصلاح من بين هؤلاء الاسر التى طالما ساعدها الاستاذ رشدى ، ولا اذكر انه مسيحى لشئ ولكن ليعلم الجميع حجم العلاقة بين المصريين مسلمين واقباطا فقد كان اغلب من يساعدهم هذا الرجل إن لم يكن جميعهم - من المسلمين دون النظر لشيئ سوى انه مصرى مقتدر يساعد مصريا فقيرا ليعيش حياة كريمة . لتتبدل اوضاع الفقر عندما نفذ جمال عبد الناصر قوانين الاصلاح الزراعى ليكون هو نفسه ثورة فى التاريخ ، فقد عمل لاجل الناس كثيرا ووزع على المنتفعين اراضى ليحولهم من «مستأجرين» باليومية الى «مالكين» يمتلكون قوت يومهم ويمتلكون تحديد مصيرهم ، ويصعد بكرامة الفلاح المصرى الى عنان السماء فقد كانت سياسته حينها ان من يعمل فى الارض من حقه ان يملكها ، لذلك جعل الايجار قيمته عينية اى جزءا من انتاج المحصول ويقدر الفدان بما تم زراعته فيه، وكل ذلك حتى يضمن استمرارية الزراعة وعدم تبوير الارض او التخلص منها. فقد تبرع بعض المنتفعين من قانون الاصلاح الزراعى وانشأوا مستشفى عام بجهودهم الذاتية باولاد صقر بالشرقية وهى المستشفى التى اديرها وكل ما نتمناه من الجمهور ان يحافظوا عليها حتى يستفيدوا منها هم وابنائهم فمهما فعلنا لن نستطيع ان نعطى الوطن حقه اما الدكتور حمادة محمد السيد سالم الحاصل على دكتوراه فى القانون الدولى العام واحد ابناء المنتفعين من قانون الاصلاح الزراعى فيحكى انه اخ من بين ثلاثة اخوة تربوا لاب كان يعمل فلاحا بسيطا ولكنه بفضل قانون الاصلاح الزراعى استطاع ان يعلم ابناءه الثلاثة ويوصلهم الى الشهادات العليا رغم بساطة اسرتهم حيث اعطى الاصلاح والده «فدانين وربع «وانتفع بهم ولازالت الاسرة تملكهم بل وزدنا عليهم بسواعدنا ،فقد كان والدنا يزرعهم بنفسه معتمدا على يديه وعرقه وقد حصلنا عليها ضمن مجموعه من الاراضى كان يمتلكها ثلاثة من اليهود هم «سمعان وكارامسينا واشمون «حيث كان يمتلك كل منهم اكثر من 400 فدان فى ذات الزمام ، وقد كان والدى مع غيره من الفلاحين يزرعون هذه الارض وتذهب خيراتها الى هؤلاء اليهود ولا يجنى فلاحو مصر من ثمار تعبهم شيئا لتأتى ثورة 1952 وتعيد خيرات اراضينا الى صغار الفلاحين وفق قانون الاصلاح الزراعي، كما كافأ الرئيس ناصر المصريين من الفلاحين ممن حاربوا فى 1967 وحرب اليمن ببضعة افدنة من اراضى الاصلاح تقديرا لتضحياتهم فى سبيل الوطن فمنهم من تعين فى وظائف ومنهم من حصل على الارض وكل حسب اختياره دون فرض من أحد لينعم اكثر من 200 اسرة بما استولى عليه كل يهودى من الثلاثة .