يكفى المرء إلقاء نظرة على ما وصلت اليه أحوال عدد من الدول العربية كى يعرف، مهما كان حسن النية، أن القوى المهيمنة على العالم، والتى عاشت، لقرون طويلة، على نهب ثروات الشعوب والحيلولة دون تحقيق احلامها فى التقدم والنهوض، والعيش بكرامة لم ترجع يوما عن اهدافها ،ولكن باسلحة جديدة، تحل محل الجيوش وعلى ان تكون اشد فتكا وقدرة على التدمير.. ولم يعد لدى ادنى شك بان عدوان يونيو عام 1967، يندرج فى اطار استهداف «خيمة» أو «مظلة» العروبة، الجامعة، التى يتكاتف ابناؤها، فى مثل هذه الحال، ويدافعون باستبسال عن سلامة نسيجها المتماسك الى حد يستعصى على الطامعين فى النيل من حريتهم وكرامتهم الانسانية وليس الوطنية فحسب.. كانت «العروبة» تجمعنا، من المحيط الى الخليج،المسلم والمسيحى واليهودى، السنى والشيعى والدرزى والعلوى والاقليات العرقية بكل تنوعاتها وعقائدها، لا احد يسأل الآخر عن علاقته بالخالق، لكن الكل يتكاتف وتتشابك الأيادى للبناء والسعى المضنى كى يكون لنا المكان اللائق بنا، تحت الشمس، مكان نتعلم فيه، معا،ننتج فيه، معا، نزرع فيه، معا، ومعا، نحرص على تعليم اولادنا، قادة المستقبل.. كان من أوضح تجليات الشعور بوحدة المصير العربى فى زمننا هذا، يوم اعتلى الزعيم جمال عبدالناصر منبر الأزهر الشريف إبان العدوان الثلاثى على مصر عام 56، مؤكدا إرادة الصمود فى مواجهة العدو وقتاله دفاعا عن استقلال القرار المصري، الذى تمثل وقتها فى تأميم قناة السويس.. فور انتهاء الخطاب التاريخى، بدأت الجماهير العربية، بحس جماعى، فى تفجير أنابيب النفط، من الظهران الى طرابلس الغرب، ولم يملك الحكام العرب التابعون للبيت الأبيض الأمريكى، آنذاك،أية حيلة أمام هذا الطوفان العارم، الجارف.. اشتعل الغضب فى رؤوس قادة البيت الأبيض الأمريكى و«حلفائه» بالتبعية، وقرروا، وقد داهمتهم المفاجأة، هدم الخيمة العربية على من فيها، وتمزيقها،إربا إربا، بل خيطا خيطا، لو أمكن، وذلك عبر الاسراع بإحياء وتنشيط مخطط «فرق، تسد» العابر للامبراطوريات. تحقق العدو من صوابية «تشخيصه» الذى يعتبر الوحدة العربية كابوسا ما بعده كابوس!!، وقد تبين أن انشاء دولة اسرائيل على أساس طائفى،التى ظن انها «الخطوة العملية، والمضمونة!»، على طريق تمزيق الوطن العربى الى دويلات عرقية وطائفية، لم يعد كافيا، ومن ثم كان لا بد لهذا العدو، من إحياء وتنشيط، اداة التفتيت الأخرى، المتمثلة فى إشعال الفتن الطائفية والعرقية، من جهة، ومن جهة أخرى، تشويه صورة الاسلام بأدوات«اسلامية» تتولى مهمة «الذبح والترويع» باسم الخلافة الاسلامية تارة وبدعوى نصرة الاسلام ومحاربة الكفر تارة اخرى، بما يجعل جرائم اسرائيل، على بشاعتها، تتضاءل وطآتها، مقارنة بما يفعله تنظيم داعش وأمثاله. وهو ما يسهل تنفيذ مخطط التمزيق باشعال الحرائق الدينية، التى اثبت التاريخ، انها لا تبقى ولا تذر، لا سيما وأننا أرض الرسالات الإبراهيمية الثلاث، اليهودية، والمسيحية والاسلامية، وتحويل نعمة الثراء الثقافى فيها الى نقمة مؤلمة، وكله باسم الاسلام المفترى عليه، وسط صمت مريب من جانب كافة الاطراف، المفترض فيها التصدى الشجاع لهذا المخطط، والغريب ان الهجمة الشرسة على «مظلة» العرب، يقابلها تشجيع علنى من قِبل الرئيس التركى اردوغان «الخليفة» النموذجى!؟، الذى يشارك، كعضو فى الحلف الاطلسى، بتمويل وتسليح، داعش، بل وتشجيعه، لهذا التنظيم الإرهابى، على سرقة النفط العربى لصالح «دولة الخلافة!!»، التى لم يعد خافيا انها احد أهم الأذرع الخادمة لمشروع التمزيق..!! وهو ما يفسر هيستيريا الغضب التى تمكنت من اردوغان، ومن يولونه، بعد ان مزقت ثورة يونيو المصرية، المشروع الخبيث.. وهذه الحرب التى جاهر بها الأعداء ويلجأون فيها إلى كافة الوسائل والادوات، وأشدها تدميرا واكثرها انحطاطا،علينا مواجهتها، انطلاقا من قاعدة يونيو 2014 التى أعادت للأمة، خريطتها الأصلية، بكل ما لدينا من حق فى حياة حرة كريمة وايمان بأن الارادة المصرية لن تعلو عليها إرادة أخري، حتى وان ظل الأعداء على غطرستهم المعهودة.. فبعد خطاب الازهر الجامع للأمة «قرر!؟» البيت الابيض، شن عدوان يونيو 67، بواسطة اسرائيل، الأرخص ثمنا بالنسبة لأمريكا، و«عدم السماح بظهور ناصر آخر!».. ونسى الأعداء، أن مصر تقول كلمتها مهما طال الزمن، وانها تؤمن بالقدرة العربية على تمزيق مخططات الأعداء، على أساس أنهم، ليسوا قدرا محتوما ولا ارادتهم هى ارادة السماء، وأن المظلة العربية ستعود بفضل الله وسواعد ابنائها، أقوى مما كانت.. ومصر، فى القلب.. فقد انكشف سوء القصد بآجلى صوره، وبات الصغير يعرف، قبل الكبير، الفرق بين من يعمل على تعميق الخلافات وسن ساطور التفتيت، أيا كانت الشعارات التى يغلف بها كراهيته للوطن، وبين من يسعى الى لمَ الشمل، واصطفاف الجميع، تحت مظلة الوطن،الحضن والملاذ. لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى