يصعب أن يقتنع أحد بأن أغلبية ساحقة من المصريين، قد وافقت تطوعا، وعن قناعة، على التغيرات التى طرأت على مجتمعنا فأحدثت فيه ما يشبه الزلزال وكانت أداتها للأسف الشديد، الدين الإسلامي!، فنقلتنا من العيش بأمان، فى ظل سلام اجتماعي، لآلاف السنين، الى حال لا يسر إلا العدو، منذ ظهر فى سمائنا، «دعاة، وشيوخ» منقطعو الصلة بما نشأ عليه المصريون وشكل هويتهم الفريدة منذ فجر التاريخ وحتى سنوات قليلة مضت وكان من دواعى فخرهم أنهم ،أيضا، بلد الأزهر الشريف. اقتحم هؤلاء قاموسنا بمفردات التكفير والتحريض على الكراهية، بل وعلى القتل، لمن يختلف مع منظورهم للعقيدة الدينية، بل حتى للمذهب، وصاحب ذلك انفجار سيل من الفتاوى الغريبة والدخيلة، تستهدف القيم المصرية المستقرة فى الضمير والوجدان، تحاول اقتلاعها، من الجذور، ومن ثم اقتلاع «الوسطية» التى صبغت شعبا، اشتهر بكونه مثالا للتسامح والتكافل والرحمة. والمحزن أننا تراجعنا أمام هذه الهجمة الشرسة، فى نفس الوقت الذى تراجعت فيه الدولة عن دورها، بل لا نبالغ إذا قلنا أنها انسحبت انسحابا شبه كامل، وتركت الساحة لأدوات مشروع تمزيق الوطن بالعبث بالعقول وتشويهها فى المدارس ومن فوق المنابر، ناهيك عن استغلال حالة الفقر والعوز.. نعم، اتخذنا إزاء الخطاب «الديني» الجديد، موقفا سلبيا، حتى لا أقول، جبانا.. توارى علماء الدين من خريجى الأزهر، وانتشرت الفضائيات الدينية!؟ كالفطر السام، تحلل الحرام وتحرم الحلال، لا ترى فى الإسلام إلا التواكل، ومعاداة العلم والعمل والتقدم، تبرر القتل والقمع والإقصاء وتختصر الدنيا كلها فى النصف الأسفل من الإنسان..صمتنا جبنا عندما خرج علينا «دعاة» يحولون الإسلام إلى مظهر ،مع إهمال جسيم للجوهر..فأنت مسلم، إذا أطلقت اللحية، وقصرت الجلباب، وأنت مسلمة،إذا تمثلت ب «أختك ؟» الأفغانية أو الباكستانية، أو الخليجية، ولا يهم ان يكون للمصرية زى قومي، فالبند الأول فى «تقزيم» دور مصر، هو ازدراء فكرة الوطن لمصلحة هدف الخلافة، شرط أن يكون الخليفة من اى دولة إسلامية ،غير عربية !!.. ولا تنبس ببنت شفة حتى لا يقتلونك بتهمة الكفر، كأن تذكر، مثلا، بقوله تعالي «إنا أنزلناه قرآنا عربيا». وشيئا فشيئا، ازدهر الفكر الإرهابى تحت سمع وبصر الدولة، التى انسحبت تدريجيا من المشهد، بدأت بسنوات «الانفتاح» الأولى وحتى حكم جماعة «الإخوان» بالتنسيق مع أطراف مخطط، تفتيت الوطن العربي، الى دويلات عرقية وطائفية، لضمان «بقاء» إسرائيل فى المنطقة، كما كشفت الأحداث والمواقف، منذ وعد بلفور وحتى «تشنج» باراك اوباما فى الكنيست، البرلمان، الإسرائيلي، وهو يصرخ، حتى يسمعه العرب والمسلمون، «إن القدس الموحدة هى العاصمة، الأبدية؟ للدولة اليهودية».. وقتها كان الرئيس الأمريكي، مطمئنا إلى نجاح مشروع بلاده مع جماعة الإخوان، وإغراقنا فى مستنقع حروب دينية وطائفية وعرقية، نغوص فيه ولا نخرج منه إلا يوم القيامة.. خرسنا جميعا ولم يتصد سوى نفر قليل لهذا المخطط الجهنمى والذى اطمأن إلى ان «الطعن» فى الإسلام، حتى بالصورة، التى يقدمها هؤلاء، من رابع المستحيلات، واستشرى الفكر الظلامى استشراء سرطانيا مفزعا، وسط سلبية معيبة بكل المقاييس.. وكان يكفى ان يربى شخص لحيته ويرتدى زيا أفغانيا أو باكستانيا، ليقيم «قانونه» بزعم انه يطبق الشريعة، وسط سلبية مقيتة من قبل الدولة التى لم تحاسب أيا ممن تجاوز وارتكب الجرائم، خشية «تكفيرها؟» .. كان معروف أن هذه الجماعات على اتصال بجهات خارجية، فى معظمها معادية لفكرة المواطنة، وكأن هناك تناقضا بين الوطن والعقيدة الدينية.. والواضح، ان مظلة المواطنة، كانت مستهدفة بضراوة، لكونها تحتضن الجميع، تحت راية القومية العربية، المُوحِدة لأبنائها، بينما «روشتة» الشرذمة والتفتيت القاتل، تستدعى النعرات العرقية والطائفية والدينية، حتى إننا عدنا أكثر من أربعة عشر قرنا إلى الوراء، لنكتشف؟، ان الخلاف بين سيدنا على وبين معاوية، على أحقية الخلافة، كان بالأمس القريب، وبالتالي، فالحرب واجبة، بين السنة والشيعة، كما أدى اكتشاف وجود مسيحيين عرب الى ضرورة تهجيرهم، لتطهير بلاد المسلمين منهم، علما بأن أحدا لم يعد يعرف من هو «المسلم» ووفق اى كاتالوج، داعش فى العراق، أم النصرة فى سوريا، أم أنصار بيت المقدس فى مصر، وعشرات التنظيمات الإسلامية التى تحمل فى ثناياها بذور إفناء الوطن العربى دون ان تتكلف إسرائيل عبء ثمن طلقة واحدة.. لقد تجلى أمام ناظرينا حصاد سلبيتنا بالصمت أو الخرس، طوال العقود الماضية، حتى اندلعت ثورة يونيو التى مزقت «مشروع التفتيت». ألا يكفى ما آلت إليه صورة المسلمين فى العالم، بل وحتى فى أعين الكثير من الشباب المسلم؟ لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى