الزمن الحاضر وهو يهييء خصبا للزمن الآني أبحث عنهم مازلت, وجها وجها, واسما واسما يرتد البصر حسيرا, وحزينا, فأودع نفسي, المتوحد والباقي, هذا أقسي مايمتحن به الإنسان! أعجب للمحتالين بكل صنوف شطارتهم حتي تمتد حيال العمر! يكفيهم كم ؟ ستون ؟ سبعون ؟ ثمانون ؟ حتي لو بلغوا المائة فلن تكفيهم! سيظل الوهم الممدود بطول حبال العمر يلاحقهم و يشاغلهم في يوم ألفيت أبي مربد الوجه حزينا. منطويا, في داخله, معتصرا, لايتكلم. حين سألت عرفت السبب الغامض, وهو المندفع الي سن التسعين, كان ابن اخيه, صاحبه ومسليه في وحدته, والسائل عنه, يعالج سكرات الموت, ويغيب كما غاب ألوف من ابناء القرية حملوا في الاكباد المتليفة حويصلة الداء الكامن منذ طفولتهم لكن, في وقت ما ينشط هذ الداء و يبدأ دورته بعد سنين طالت, فيكون الفتك بهذا الجسد الذاوي ويكون الموت. ينكسر ابي حزنا. لاينطق, لكن حين يعزي كان يحدق فيهم ويقول: من بقي من الاحباب ليصحبني في وحشة هذا العمر؟ ماقيمة ان احيا والغربة من حولي كامنة في عين لا تبصرني, او سمع لم يألف صوتي, او وجه لم اصحبه ولم يصحبني زمنا ؟ الموت خلاص والعيش سراب! أنذا أسترجع ماقلت وليبي كنت معك والحزن الناشب فيك يمزق اجمل ماتحمله من ايام. واغلي ماتذكره من احوال الكنز الكامن فيك, تكون في خطوات قطعتها قدماك, وانت تلاحق في وقد مسيرتك الخضراء. لنا عرقا يساقط منك لآلئ من شرف, وصحائف من نبل وجهادا لم يتوقف, يوما من اجل صغار زغب في عشك, يلتقون ببابك كل صباح ويلوذون ببابك كل مساء, ولهم ام تعرف ريحك عن بعد فتبشرهم. أصحو من نومي: الدنيا غير الدنيا, وأنا نفسي ماعدت الطفل الضال, الطفل المسكون بفيروس القرية, ينشب فيه مخالبه, عشقا للطين المتشقق حين يحل جفاف الأرض, وحلما بخيال يرسم صورا لزمان فات القرية لا تحويه الآن ولاتشبه قرية من غابوا من اقران أو اصحاب. يمتد بي البصر كليلا, فأري في النهر المتحدر وهو يشق مدينتنا الوحشية, جسرا يربطني بمصب النهر, ومنبع دنياي, وشقوة اهل كانوا يقتطعون من اللحم طعاما لي, لايشكون ولايحتجون ولايهنون, كم كان الاصرار كبارا وصغارا والايثار كبارا وصغارا يملؤني بالحزن, فلا قدرة لي, لا وقت لدي, ارد جزاء للتضحية العظمي, يقتلني ان يأتي يوم فيه تخيب الآمال, ويكبو ركب الغازي ضمن غزاة القرية, مذ عبروا النهر, وذاقوا الغربة, وانبطحوا تحت سدود العجز, وخلف الابواب! ها نحن تفرقنا, كل منا يسعي لوليمة عمر لم تتكشف بعد, ورحلة أيام قادمة نأمل أن تساقط منها, بين الايدي, جنات الفاكهة الطافحة رحيقا وشرابا معسولا, لاندري ان فراقا سيطول, ويمتد إلي عشرات الاعوام لايلقي واحدنا صاحبه, أو يسمع منه, أو يدري عنه إلا في نعي يصدم أو في معضلة كاشفة تجبر صاحبنا ان يبحث عن صاحبه, يتصل به, ولأول مرة, بعد عقود خمسة. شاب القلب وجف العمر وهذا الرأس اشتعل ونامت فيه شواغل شتي وهموم, ها هو ذا يبحث عن صاحبه, يتصل بي, فلعل لديه الحل لمشكلة عظمي, أو عونا في امر جلل حل, صغر الطالب والمطلوب, ودار العمر, وعرفا أنهما ما محض بقايا حلم, أو شرذمة من اغراب! اتلفت حولي, ابحث عنهم, حين اعود إلي القرية في موعد ترح أو فرح, رحلوا, رحلوا, غابوا من عالمنا, رقدوا في طين الأرض المشقوق, وطمي, وتري سمتك عن بعد تغرس فينا معني العيش, تعلمنا كيف لقاء الاحباب! هاأنذا استرجع موكبكم يا أقران ويا اصحاب, واري فيكم من كان يباهي بالقوة والجبروت, يغتصب الارض ويمعن في الطغيان. من كان كريما وودودا, يسعي في الارض, ولاصوت له.ويمضي كنسيم صبا قد رق ولان من كان يحب العلم ولاتخلو يده من صفحة تجربة او برهان. من كان يحب الشعر, فيأباه, ويكبو, يشكو دوما لغز عروض او اوزان. زادي انتم, ومتاعي في ذاكرتي, وزماني اذ كان لما احياه زمان. اني احمل هذا الدين لكم, اكتب عنه حتي اتحرر منه, وامضي, لايثقلني عبء الاحزان. سأقيم لكم حفلا في قلبي واودعكم, لتغيبوا, لكن اي غياب! المزيد من مقالات فاروق شوشة