تحول تنظيم داعش إلى وحش مخيف يبث الرعب فى نفوس الكبار قبل الصغار، حتى إن أقوى دولة فى عالمنا المعاصر الولاياتالمتحدة أبدت قلقها وخوفها من تنامى سطوته وانتشاره فى العراق وجارتها سوريا، وبدأت تتحدث بلا مواربة عن أنه يمثل خطرًا محدقا يزحف صوبها وفى اتجاه أقرب حلفاء واشنطن وتسعى لتكوين تحالف دولى مضاد لقطع رقبة «داعش»، الذى يتلذذ عناصره بجز رقاب اخوانهم فى الاسلام. كثرة الكلام عن هذا الموضوع، وتبارى كل من هب ودب ليدلى بدلوه فيه، جعل من داعش فقاعة ضخمة نتعمد النفخ فيها يوميا بغباء منقطع النظير فى وسائل اعلامنا، واعطاءها حجمًا يفوق بمراحل حجمها الحقيقى الواقعي، وذلك لا ينفى أنها تشكل خطورة على بلدان الشرق الأوسط والعالم، لكنه تهديد محدود ولن يدوم طويلا، فهو امتداد لخطر دائم أعظم وأفدح اسمه التكفير، وتطويع الدين لتبرير الإرهاب والوحشية واستباحة دماء الاخرين، ولا ننسى أن التاريخ الإسلامى كان شاهدًا على جماعات جامحة فى تطرفها وعنفها، لكنها كانت وليدة الظروف، وسرعان ما تلاشت ووضعت فى سلة قمامة التاريخ. ومن المؤسف والمؤلم معا أننا الآن نقع فى الخطأ نفسه مرة ثانية بالانسياق خلف النغمة الأمريكية بشأن داعش، ودون أن نستفيد من درس الماضى المتصل بتنظيم القاعدة وتوابعه، الذى صنعته ووفرت له الرعاية المخابرات المركزية الأمريكية «سى اى ايه» قبل أن ينقلب عليها، ويتمرد على صانعيه. فواشنطن ساقت العالم إلى ما سمته الحرب على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر، وتحت رايتها غزت العراقوأفغانستان، بذريعة حماية البشرية من شرور ومساوئ الإرهابيين الذين استوطنوا الأراضى الأفغانية والعراقية، وشاهدنا كيف أن سياسات الإدارات الأمريكية الخاطئة كانت سببًا جوهريًا فى استشراء الإرهاب وتفاقمه. فداعش خرجت من رحم القاعدة، والقاعدة نفسها كانت كائنًا مشوهًا ولد من رحم المؤمنين بالفكر التكفيرى للقيادى الاخوانى سيد قطب، وتسعى أمريكا مجددًا لإيقاعنا فى فخ الانجرار وراءها دون تفكير، وترديد ما تقوله عن داعش، كى تدفعنا لخوض معركة بالنيابة عنها دون أن تمتلك شجاعة الاعتراف بإسهامها الكبير فى ظهور هذه الكيانات الغريبة التى تحركها نوازع ورغبات مغرقة فى السادية والشطط الديني. وما يوجب علينا التزام الحذر التام أن أمريكا، ومعها الغرب، لا يهمها سوى مصلحتها، فعندما كانت القاعدة تقتل المسلمين لم تكن تهتم بالقضية من أساسها، لكن إذا تضررت مصالحها تهب لحشد الرأى العام العالمي، فذبح داعش لصحفى أمريكى هز الداخل الأمريكي، وجعل إدارة أوباما تتحرك، فهى تحت ضغط الناخبين الأمريكيين الذين أزعجهم نحره بهذا الأسلوب الهمجي، وحسابات أوباما كلها تخص الداخل. وإن كنا فى المنطقة نريد دحر داعش والقضاء عليها قضاء مبرمًا، فمطلوب منا الاعتماد على أنفسنا دون انتظار ما سيصدر من توجهات من جهة العاصمة الأمريكية، ونقطة البداية ستكون من الخطوات الآتية: أن نعترف بأن داعش وغيرها ما هى الا نتاج اختلال أوضاع بعض البلدان العربية والإسلامية اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، وأن علاج هذا الخلل يعد الخطوة الأولى الصائبة على درب تجفيف منابع تجنيد مزيد من الاتباع والمهووسين الباحثين عن مغامرات فى جبال وتلال أفغانستانوسورياوالعراق بدعوى رفع لواء الإسلام واقامة دولة الخلافة. ثانيا: أن تضطلع المنظمات والهيئات الإسلامية كالأزهر، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومعهما المرجعيات الإسلامية، التى يُعتد بها بمسئوليتها فى كشف حقيقة هذه الجماعات، وأن تهرع هذه المنظمات إلى تجميع صفوفها بالدعوة لعقد مؤتمر جامع لعلماء ومشايخ الاقطار العربية والإسلامية المشهود لهم بالبعد عن الغلو والتشدد، للرد على اباطيل داعش، وضحالة قياداتها الفكرية والدينية، وطرح وثيقة تلخص ما انتهوا إليه من قرارات وتوصيات تصبح حجة يستند إليها كل من يرغب فى التصدى لأفكارها الهدامة الشاذة. فلابد من اتخاذ موقف موحد لمرجعيات الأمة الإسلامية، حتى لا تصدر فتاوى وآراء تشجع على الإرهاب والعنف، فداعش والقاعدة والتنظيمات الملقبة بالجهادية ليست سوى جماعات ترفع لافتة للإيجار بإمكان من بيده المال والنفوذ دفع الثمن وتوجيهها بالاتجاه الذى ترسمه. ثالثا: ألا تتحرج جماعات الإسلام السياسى من الاقرار بعيوبها وسقطاتها، ومن بينها نصرة أبناء التيار الإسلامى سواء كانوا على حق أو على باطل، وبيان أن عاقبة الدعوات التكفيرية وخيمة على أصحابها فى الدنيا والآخرة، وأنهم يشكلون بأفعالهم محنة لهذا الدين الحنيف، وكجزء من استراتيجية المواجهة يتحتم تغيير المناهج التعليمية التى ترسخ لاستخدام العقل وتحكيمه فيما يقوله بعض المشايخ فى جلساتهم الخاصة والعلمية إن كانوا حقا من أهل العلم والصلاح . رابعا: الوضع فى الاعتبار أن قصة داعش لها صلة وثيقة بالترتيبات الغربيةوالأمريكية المعدة للمنطقة والهادفة لإضعاف دولها، فالتدخل الأمريكى لن يكون سياسيًا وحسب، إذ سيتبعه تحركات عسكرية تفرض ضغوطًا على الأنظمة القائمة التى لن تملك سوى غض الطرف عما سيرتكبه الجانب الأمريكى من انتهاكات ومخالفات بدعوى مواجهة الإرهابيين، علاوة على استنزاف بلدان الشرق الأوسط ماليا بدفع تكاليف العمليات العسكرية الأمريكيةوالغربية، وتدفق شركات السلاح الدولية لتقديم عروض شراء أحدث ما انتجته مصانعها من أسلحة متنوعة. ياسادة احذروا من النفخ فى بالونة داعش، فعمره أقصر مما تتصورون ولن يقدر على تهديد ذبابة، فمهما يمتلك من قوة وعتاد فإنه فى المحصلة النهائية جملة عابرة فى تاريخنا الإسلامى والانسانى. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي