فجأة، ودون سابق إنذار، تناقلت وسائل الإعلام منذ عدة أسابيع خبراً عن سقوط الموصل بيد «تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام»، أو ما عُرف اختصاراً ب«داعش». عندما سمع البعض ذلك ظنوا أننا أمام جماعة إرهابية تقليدية من الجماعات التى يحتشد بها التاريخ الإسلامى وتجربتنا المعاصرة، لكن بمرور الأيام بدأت هذه الفكرة فى التراجع، حين تنبّه المتابعون إلى حالة التمدد التى حققها التنظيم على مستوى الأرض، بعدها أعلن قائد التنظيم «أبوبكر البغدادى» نفسه «خليفة للمسلمين»! أحسّ البعض وقتها أننا بصدد شخصية كاريكاتيرية تم اختطافها من فيلم عربى دينى قديم، ولم يدرك الكثيرون حينها أن المشهد -على ما يبدو فيه من كركتة- يُعد تحولاً نوعياً فى تاريخ الإرهاب باسم الدين، لأنه يحمل فى رحمه ثلاث سمات فارقة. السمة الأولى أن «داعش» دولة وليست مجرد تنظيم، فإذا كانت الدولة عبارة عن شعب وأرض وجيش وموارد مالية واقتصادية، فإن كل هذه المعطيات تتوافر لدى «داعش». فالتنظيم يسيطر على مساحة شاسعة من الأرض داخل كل من العراق والشام، ويمنحنا ثباته على الأرض التى استولى عليها مؤشراً عن وجود حالة ما من الرضاء الشعبى من جانب من يعيشون فوق الأرض، يُستثنى من ذلك بالطبع من تنظر إليهم الدولة «الداعشية» نظرة عنصرية تعود بنا قروناً إلى الوراء. ويتمتع «داعش» بموارد مالية متنوعة، من بينها البترول الذى سيطر عليه، بالإضافة إلى اللجوء -ويا للعجب- إلى زارعة الحشيش وتصديره! أما الجيش فداعش تنظيم عسكرى لديه العدة والعدد والعتاد. السمة الثانية أن داعش تُعد نتاجاً لسياقات ظرف وتراكم فكر ساد العالم الإسلامى خلال العقود الأخيرة أدى إلى ظهور الجماعات الإرهابية المسلحة بشكل خجول فى البداية، وأخذت الأمور تتطور شيئاً فشيئاً حتى وصلت الظاهرة إلى قمة تجلياتها وأوج اشتعالها على يد «داعش». فقد لعبت سياقات العلاقة بين السلطة والشعوب داخل العالمين العربى والإسلامى، والتى تأسست فى جوهرها على رؤية استبدادية، دوراً معتبراً فى ميلاد الإرهاب، وتضافر مع هذا الأمر «مدد فكرى» ينتمى إلى التراث الإسلامى الذى يغذى، فى بعض مواضعه، فكرة اللجوء إلى السلاح والتغيير باسم الدين كتعبير عن العجز عن الإصلاح بأدوات الدنيا. وسيكون لنا مع هذه السمة بعض الوقفات التفصيلية، فى ظل أنظمة أهملت تعليم وتثقيف شعوبها، لأنها كانت ترى أن سياسة شعب جاهل أسلس من نظيره المتعلم، فكانت النتيجة تركه فريسة لأفكار تُنتزع من سياقها ولا يتم تمحيص مصادرها تتمحور حول فكرة اللجوء إلى العنف. السمة الثالثة أن ظهور «داعش» يُعد مؤشراً على وصول ظاهرة «الجماعات الإرهابية» إلى أقصى نقطة على منحنى الصعود، ووصول ظاهرة إلى هكذا موضع يعنى أنها أصبحت بصدد واحد من مسارين، إما الوصول إلى نقطة النهاية والتلاشى والاضمحلال، أو التحول فى طبيعتها لتأخذ شكلاً جديداً فى الفكر أو التنظيم أو الدور داخل المجتمعات التى تعمل فيها. «الداعشية» فكر صاحب هذه الأمة سنين عدداً، وصعود «الدواعش» بالصورة اللافتة التى نشاهدها هذه الأيام، يُعد، من وجهة نظرى، مؤشراً متوقعاً على الانكفاء المقبل!