إذا كان لك أن تنصح الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن يقرأ شيئا ما هذه الأيام مع علمك التام بمدى الجهد والوقت اللذين يبذلهما الرجل لتحقيق الإنجازات التى وعد بها شعبه.. فبماذا تنصحه أن يقرأ؟ أرجوك انصحه بأن يطلب من مساعديه وضع ملف « الحالة الأرجنتينية» على مكتبه فى الصباح.. وليبدأ القراءة.. فماذا سيجد؟ صدّق أو لا تصدّق.. سوف يجد الرئيس تشابها كبيرا بين الحالة الأرجنتينية فى بداية القرن الحالى والحالة المصرية الآن! .. وكيف كان ذلك؟ فى عام 2001 تم إعلان الأرجنتين دولة مفلسة (الشر برّه وبعيد عن مصر) .. لقد عجزت الأرجنتين عن دفع ديونها للدائنين الأجانب، وباتت سمعتها على كل لسان، واقتصادها فى الحضيض. وفى العام نفسه شهدت الأرجنتين اضطرابات اجتماعية، واحتجاجات فئوية وعمالية أوقفت النشاط الاقتصادى بالبلاد. ببساطة كادت الأرجنتين أن تتوقف عن كونها دولة.. وهرب منها المستثمرون. .. ولم يأت عام 2003 إلا وكانت الأرجنتين قد غيرت ثلاثة رؤساء فى غضون ثلاث سنوات، بعد أن ترك الرئيس كارلوس منعم السلطة فى 10 ديسمبر 1999 وهؤلاء الرؤساء هم: فيرناندو دى لا روا الذى حكم لمدة عامين، ثم أدولفو رودريجيز- الذى لم يمكث فى الحكم سوى ثمانية أيام ثم استقال- فجاء بعده إدوارد دوالده ( فبقى فى الحكم عاما واحدا وخمسة أشهر) ليأتى بعد ذلك الرئيس الأسطورة! إنه الرئيس نيستور كيرشنير الذى غير وجه الأرجنتين! ألا توحى لك تلك الحكاية بحكايتنا هنا فى مصر؟ فنحن أيضا غيّرنا ثلاثة رؤساء فى ثلاث سنوات وشويه.. مبارك ثم مرسى ثم منصور. ونحن ظللنا طوال السنوات الثلاث نشهد اضطرابات واحتجاجات عمالية ووقفات احتجاجية كادت أن تشل حركة البلاد، ناهيك عن الخوف الناتج عن الانفلات الأمنى.. ثم نحن عانينا- ومازلنا نعانى- من أزمة اقتصادية خانقة. وإن كنا بفضل من الله لم نصل إلى الإفلاس.. وإن شاء الله تعالى لن يحدث. اختاروا هم كيرشنير.. واخترنا نحن السيسى. ومادامت الأحوال متشابهة فلا ضير من الاستفادة من تجارب الآخرين.. فلنقرأ ملف كيرشنير- الذى حكم فى الفترة من 25 مايو 2003 وحتى 10 ديسمبر 2007 ولنحاول أن نستفيد. فماذا فعل الرجل؟ وعلى فكرة- وحبا فى الرجل- اختار الأرجنتينيون زوجته السيدة كريستينا فيرنانديز كيرشنير رئيسة لهم.. وماتزال رئيسة للبلاد حتى كتابة هذه السطور. فماذا فعل كيرشنير لهم؟ مع الوضع فى الاعتبار مدى اختلاف الأرجنتين عن مصر فى أمور كثيرة فربما يكون من الأفيد التركيز على المسألة الاقتصادية. كيرشنير- أولا- ضاعف الدعم الحكومى للسلع والخدمات للفقراء بينما خفضه على المقتدرين (ألسنا نحاول فعل شىء مماثل لذلك عندنا الآن؟) وبالمناسبة لقد حدد كيرشنير حدا أدنى للأجور، مع زيادة دخول أصحاب المعاشات. والرجل- ثانيا- لجأ إلى زيادة الإنفاق الحكومى بشكل لم تعرفه الأرجنتين من قبل لاستيعاب العاطلين فى المشروعات الجديدة.. وكانت النتيجة أن انخفض عدد العاطلين بمقدار النصف، وبلغ معدل نمو الاقتصاد 9 % . والرئيس- ثالثا- منح الدولة مزيدا من السيطرة والإشراف على الاقتصاد القومى، فأعاد العديد من المشروعات الضخمة لملكية الدولة كان الأجانب وكبار رجال الأعمال يمتلكونها. ثم إنه - رابعا- قلّص الاعتماد على القروض الخارجية، ووقف بصلابة فى وجه الدائنين فخاض معهم حربا ضروس لخفض أسعار الفائدة على الديون. إن كيرشنير رفض ببساطة تسليم رقبة الاقتصاد الأرجنتينى لسكين الأجانب الباردة. .. وخامسا: قلب الرجل المعادلة- أو لعله أعادها إلى وضعها الطبيعى- فلم يعد أصحاب الأعمال فى حقبته هم الأقوى ذراعا بل زادت جدا قوة العمال والاتحادات النقابية.. الذين هم الأكثر أعدادا. إلا أن أهم ما حققه رئيس الأرجنتين الأسطورة- سادسا- أنه أعاد إيمان الجماهير العريضة بقدرة الدولة والحكومة على وضع سياسات ناجحة وواقعية وقابلة للتنفيذ بعد أن كانت الجماهير قد فقدت ثقتها تماما فى الحكومة.. بل وفى الحكم! على كل حال، فإن تجربة الرئيس نستور كيرشنير أزالت عن بلاده سبة الدولة المفلسة، وأوقفت الاضطرابات، وحدّت من موجات الغضب بين الناس.. فعادت الأرجنتين للانطلاق من جديد. وبكل تأكيد فإن كل تجربة لها خصوصيتها.. ومصر طبعا ليست الأرجنتين.. لكن هل فى قراءة تجارب الآخرين أى ضرر؟ فلنقرأ إذن .. لعل وعسى نستفيد! ملحوظة الختام: تجربة كيرشنير لها يقينا منتقدوها داخل الأرجنتين وخارجها، إلا أن القول الفصل فى الموضوع هم أهل البلد أنفسهم، وقد جعل منه أهل البلد أسطورة- أسطوره كيرشنير- رغم تبجح المتبجحين! لمزيد من مقالات سمير الشحات