تكتسب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي روسيا اليوم الثلاثاء اهمية خاصة، كونها الأولي لدولة خارج الدائرة العربية والإفريقية. كما تجيء الزيارة في توقيت تتعرض فيه موسكو لعزلة اقتصادية وسياسية من قبل الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد فرض عقوبات اقتصادية عليها، وتجميد التعاون السياسي والأمني معها وذلك ارتباطا بالأزمة الأوكرانية. في المقابل يزور الرئيس السيسي روسيا بعد انتخابه رئيسا لمصر وتدشين مرحلة جديدة تشهد إعادة ترتيب البيت المصري من الداخل، وبذل جهود مكثفة للخروج بالبلاد من ازماتها الاقتصادية وإعادة الاستقرار السياسي والأمني التي حرُمت منه مصر علي مدي السنوات الماضية. هذا فضلا عن الفوضي السياسية والأمنية التي تضرب دولا عربية عديدة، منها ما هو جار مباشر لمصر، بجانب حرب إسرائيل في غزة. في السياق عاليه فإن الزيارة في ذاتها -التي تأتي في إطار الجهود المصرية لخدمة قضايا الاقتصاد والأمن بمنزلة تأكيد واضح علي عودة الاستقلالية و التوازن في سياسة مصر الخارجية، وهو توازن ظل مفقودا الي حد كبير حتي ثورة 25 يناير 2011. ومن المهم الإشارة الي ان الزيارة سبقتها زيارة وزير الدفاع المصري السابق موسكو، وهي الأولي من نوعها منذ 40 عاما، ثم امتناع مصر عن التصويت علي قرار غير ملزم للجمعية العامة الأممالمتحدة (68/11493) تبنته الدول الغربية في مارس الماضي، يدين ضم القرم لروسيا وميناء سيفاستوبول علي البحر الأسود، ويدعو الدول والمنظمات الدولية إلي عدم الاعتراف بأي تغييرات في وضعية شبه الجزيرة او الميناء. ومما لاشك فيه ان موسكو استخلصت من هذه التطورات نتيجة مفادها ان هناك نهجا مصريا مستقلا وإرادة سياسية لإعادة التوازن في علاقات القاهرة بالقوي الكبري. والواقع ان الزيارة وأهدافها تتسق وجوهر سياسة مصر الخارجية، كما طرحه الرئيس السيسي إبان حملته الانتخابية. فقد اكد- في لقائه الصحفي بالأهرام في 17 مايو الماضي، في معرض إجابته عما تعنيه كلمة «سياسة» انها «ستكون كلمة جيدة» لو تم توظيفها لمصلحة الوطن والمصلحة الوطنية. ويعني ذلك في مفهوم الرئيس- انه سيتم تبني سياسة خارجية تتسم بالواقعية بعيدا عن أي اعتبارات ايديولوجية. فكل ما يحقق المصلحة الوطنية سيتم طرقه في إطار الحفاظ علي المصالح المصرية والكرامة الوطنية. وفي هذا السياق، وبجانب بحث آفاق التعاون العسكري مع الجانب الروسي وتبادل وجهات النظر بشأن قضايا التعاون الاقتصادي لاسيما جذب الاستثمارات والدعم الفني الروسي لقطاعي الطاقة والنقل المصريين وحث موسكو علي المشاركة في المشاريع الكبري التي طرحت أخيرا كتنمية إقليم قناة السويس وتعزيز المبادلات التجارية بما يعيد التوازن في الميزان التجاري بين البلدين، وذلك من خلال الإسراع باستئناف المفاوضات حول اتفاق تجارة حرة بين مصر والاتحاد الجمركي (يضم كلا من روسيا وبيلاروس وكازاخستان) والذي سيخلفه الاتحاد الاقتصادي الأورو- آسيوي مع بداية العام المقبل. ومن المهم الإشارة في هذا الصدد الي ان بوتين ذكر مصر بالاسم في مقدمة مجموعة من الدول (كالمغرب والصين ودول امريكا اللاتينية وكومنولث الدول المستقلة)، ذكر انها يمكن ان تغطي احتياجات روسيا من السلع الغذائية التي حظر الرئيس استيرادها من دول الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة وكندا واستراليا، رداً علي موجات العقوبات الاقتصادية التي فرضتها هذه الدول علي روسيا. واللافت للنظر هنا أن الدول الغربية اعتبرت أن مرسوم الرئيس بوتين، بفرض حظر علي السلع الغذائية التي تستوردها روسيا منها، تقف وراءه اعتبارات سياسية، وأنها _ لذلك _ ستلجأ إلي المنظمة العالمية للتجارة للطعن في مرسوم بوتين بفرض الحظر. والحال علي ما تقدم فان ما فرضته الدول الغربية من عقوبات علي روسيا لن يؤثر علي الشركات المصرية _ وغيرها _ المتعاملة مع السوق الروسية. اخيرا، وارتباطا بالموقف الغربي الحالي من روسيا لاينبغي النظر الي الزيارة ونتائجها والتي تصب في اتجاه تطوير علاقات استراتيجية مع موسكو بما يحقق مصالح الجانبين- علي انها تحول في استراتيجية السياسة الخارجية المصرية لمصلحة موسكو علي حساب علاقاتنا بالقوي الكبري الأخري في العالم، لاسيما الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي. ففضلا عن حقيقة ان روسيا لا تسعي الي تحالفات، كما كان الحال في الفترة السوفيتية، وانما الي مصالح متبادلة مع الدول الأخري من خلال تبني سياسة واقعية بعيدا عن الأيديولوجية، اكدت مصر غير ذي مرة علي لسان رئيسها المنتخب ووزيري خارجيتها السابق والحالي- ان علاقاتها بدولة ما لن تكون بديلا عن، او علي حساب، علاقاتها بدولة أخري، وانه لا ينبغي ربط علاقاتها بروسيا بعلاقاتها بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فالهدف هو تأمين مصالح مصر وكرامتها الوطنية، وكما ان مصر لا تتدخل في شئون الآخرين، فانها لا تقبل منهم التدخل في شئونها. لمزيد من مقالات د. عزت سعد