فى 29 مايو الماضى شهدت العاصمة الكازاخية «آستانا» توقيع رؤساء روسيا وبيلاروس وكازاخستان إتفاق إنشاء إتحاد إقتصادى آوروأسيوى . ووفقاً للموقع الرسمى للكرملين على الانترنت سيدخل هذا الاتفاق حيز النفاذ إعتباراً من أول يناير 2015 بعد تصديق برلمانات الدول الاعضاء عليه. ويستهدف الاتفاق تحقيق التكامل التدريجى بين إقتصاديات الدول الثلاث وانشاء منطقة تجارة حرة فيما بينها . وخلال مراسم التوقيع، ذكر الرئيس الروسى بوتين «ننشئ اليوم مركز ثقل للتنمية الاقتصادية وسوقاً إقليمية واسعة توحد أكثر من 170 مليون نسمة». ولفهم الابعاد السياسية والاقتصادية للتجمع الجديد وأهداف روسيا من وراء إنشائه، تجدر الاشارة الى ما يلى : يجئ إنشاء الاتحاد فى إطار المحاولات الحثيثة من موسكو لإنشاء تجمع إقتصادى يضم دول الفضاء السوفيتى السابق لجذب هذه الدول بعيداً عن الهياكل الاقتصادية والسياسية والامنية الاوروبية . وتمثلت أولى هذه المحاولات فى إنشاء كومنولث الدول المستقلة (CIS) عام 1993، والذى لم يحقق أياً من أهدافه، و جاءت المحاولة الثانية فى إنشاء اتحاد جمركى بين روسيا وبيلاروس وكازاخستان عام 2010، وهو التجمع المفترض أن يخلفه الاتحاد الجديد. وتشير تقديرات عديدة الى إمكانية إنضمام كل من أرمينيا وقيرجستان الى التجمع الجديد، قبل نهاية العام الجارى . على حين يؤكد الكرملين دائماً ان عملية التكامل الاقتصادى فى المنطقة الاورواسيوية لا تقف وراءها آية طموحات سياسية روسية، الا أنه يمكن تبرير حماس بوتين لإنشاء التجمع الاقتصادى الجديد بالقناعة بعدم الاستعداد للاندماج فى الهياكل الاوربية ، كما يعد هذا الحماس واحداً من أهم مظاهر المنافسة الجيوسياسية بين روسيا والغرب، والتى تجسدت بوضوح فى الازمة الاوكرانية، خاصة وان موسكو سعت كثيراً لجذب أوكرانيا لعضوية الكيان الجديد وسلفه، بما يرتبه ذلك من وزن «جيوسياسى» كبير له، دون جدوى. وفى التقدير لن تتخلى روسيا عن هذا الهدف بسهولة، لخصوصية أوكرانيا فى الفكر الإستراتيجى الروسى. وقد كشفت قمة روسيا / الاتحاد الاوربى الاخيرة (بروكسل / يناير الماضى) عن تواضع أجندة التعاون بين الجانبين، حيث قصرها الجانب الاوروبى على بندين رئيسيين: إنشاء نظام لدخول الرعايا الروس دول الاتحاد بدون تأشيرات، وتقييد فرص نفاذ شركة جازبروم الروسية العملاقة للاسواق الاوربية . وقد أضاف الاوربيون الى هذين البندين ملف الازمة الاوكرانيية، الامر الذى أدى الى فشل القمة فشلاً ذريعاً. يقدر بعض المراقبين ان الضغوط التى يمارسها الغرب على روسيا والتى تبدت بوضوح فى الازمة الاوكرانية، ستزيد من اعتماد روسيا على الصين. وقد تطلب هذه الاخيرة ثمناً لصداقتها، لن يقف عند طلب شراء الغاز الروسى بأسعار خاصة، وإنما قد يشمل طلب الانضمام الى الاتحاد الاقتصادى الجديد إحياء لطريق الحرير، خاصة وان الحضور الاقتصادى والتجارى القوى للصين فى منطقة آسيا الوسطى بات حقيقة واقعة ، كما وان بعض دول المنطقة أعضاء فى منظمة شنغهاى للتعاون. وفيما يختص بفرص إنضمام مصر لهذا التجمع أو التوافق حول صيغة للتعاون معه بما يحقق المصالح المشتركة للجميع من المهم الاشارة الى الآتى: - لقيت العلاقات المصرية / الروسية دفعة قوية خلال الاشهر الماضية بعد إحياء بنود إتفاق الشراكة الاستراتيجية الموقع بين الجانبين فى القاهرة فى يونيو 2009، لاسيما الزيارة المتبادلة بين وزيرى دفاع وخارجية البلدين فى ديسمبر 2013 (الجانب الروسى) ومارس 2014 (الجانب المصرى)، فضلاً عن إمتناع مصر عن التصويت على قرار الجمعية العامة رقم 11493 والذى دعا الدول الى عدم الاعتراف بالتغييرات فى وضعية منطقة القرم . فقد ادى ذلك الى قناعة موسكو بجدية القاهرة فى تبنى سياسة خارجية مستقلة تقوم على التوازن فى العلاقات بين القوى الدولية المختلفة، وهو ما خلق مناخاً سياسياً إيجابياً، إنعكس على موقف موسكو من طلب كانت مصر قد تقدمت به قبل عدة سنوات (2009 2010) لعقد اتفاق تجارة حرة بين الجانبين، إذا انه بعد تردد وحذر ابلغت موسكوالقاهرة خلال الدورة الاخيرة للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادى والفنى فى موسكو فى ابريل الماضى - بموافقتها على ذلك شريطة التفاوض مع كل من كازاخستان وبيلاروس أيضاً، بإعتبارهما أعضاء فى الاتحاد الجمركى مع روسيا . وفى حالة نجاح المفاوضات مع سكرتارية الاتحاد والتوصل الى صيغة للتجارة الحرة بين الجانبين، ستدخل الصادرات المصرية لأسواق الدول الثلاث دون عوائق جمركيةودون مشروطية سياسية. ومن شأن ذلك تحقيق مزايا مؤكدة للاقتصاد المصرى الذى يعد تكاملياً بإمتياز مع إقتصاديات الدول الثلاث بالنظر الى أن طبيعة هيكل الصادرات المصرية لأسواقها (زراعية بالأساس)، فى الوقت الذى يمكن لمصر تغطية نسبة كبيرة من وارداتها من تلك الدول وعلى رأسها الحبوب (القمح بصفة خاصة) التى تعد روسيا وكازاخستان من كبار منتجيها فى العالم. بجانب حركة التبادل التجارى والفرص الواعدة لتطوير حركة السياحة الوافدة من دول الاتحاد لمصر وجذب إستثماراتها لمصر فى هذا القطاع، سيستفيد الاقتصاد المصرى من السياسات المنسقة المنتظر أن ينفذها الاتحاد الاقتصادى الجديد فى قطاعات اقتصادية رئيسية بما فيها الطاقة والصناعة والزراعة والنقل ، فضلاً عن حرية انتقال الاشخاص والسلع ورأس المال والعمالة. هكذا يوفر الكيان الجديد خياراً إضافياً للإقتصاد المصرى بجانب إتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبى الشريك الاقتصادى والتجارى الاكبر لمصر حالياً والعلاقات الاقتصادية والتجارية مع الولاياتالمتحدةالامريكية والمرشحة لدفعة جديدة فى المستقبل القريب على قاعدة المصالح المشتركة للجانبين , هذا وفضلاً عن إتفاق التجارة الحرة الذى وقعته مصر مع تجمع الميركوسور فى أمريكا الجنوبية (البرازيل / الارجنتين / أورجواى / باراجواى) فى يوليو 2010 والذى لابد من تفعيله لخدمة الاقتصاد المصرى فى المرحلة الصعبة القادمة. لمزيد من مقالات عزت سعد السيد