نساء تخطين الحواجز وحطمن القيود شاركن فى الثورات وخرجن إلى الميادين وهتفن فى المظاهرات جنبا إلى جنب مع الرجال ليؤكدن أنهن نصف المجتمع وعنصر فاعل فى تنمية الأوطان.. نساء مصر رحلة طويلة خاضتها لتحقيق وجودها بالمجتمع ولتصبح هى نقطة التحول فى تاريخ الدولة المصرية بداية من ثورة 1919ثم ثورة 23يوليو وأخيرا ثورة يناير 2011 لإثبات حق المواطنة. سألناهن.. ماذا تبقى من ثورة يوليو 1952؟ فأجابوا.. كانت أول مكسب وأول صدام فقد سقطت الثورة فى عيون عائشة راتب ولكنها أدركت إخفاقها حينما انتصر عبد الناصر فى تعيين حكمت أبو زيد كوزيرة للشئون فى ذلك الوقت.
الحق المتساوى فى التعليم.. ورفض وجودها بالقضاء لا يمكن التعامل مع الاستحقاقات المتحققة للمرأة على أساس الزمان السابق لزماننا السياسى لمجرد أنه كان نظاما بائدا بالتالى لابد من إلغائها. فاستحقاقات المرأة لا يمكن أن نتعامل معها على أساس النظام السياسى الذى تحققت فيه، وإنما لابد أن نتعامل معها على أساس أن تراكمها يصب فى التقدم العام لكل مجتمع ويجب احترامها والإضافة إليها.. هذا ما قالته أمنية شفيق الكاتبة الصحفية فى أحد مقالاتها عن استحقاقات المرأة المصرية.. وذكرتنا باللقاء الذى تم بين يحيى باشا إبراهيم رئيس وزراء مصر عام 1923 وبين السيدة هدى شعراوى ومعها لجنة الوفد النسائية وهو اللقاء الذى وافق فيه رئيس الوزراء على منح المرأة المصرية الحق المتساوى فى التعليم ولكنه لم يوافق على منحها الحقوق السياسية، وإذا تابعنا حركة الرفض المجتمعى العام لحقوق المرأة السياسية فسوف نلمح حالة «الفوقية» التى أحاطت قرار جمال عبد الناصر المعترف بهذه الحقوق عام 1956 قبل صدور أول دستور بعد ثورة يوليو عام 1952. وقالت الكاتبة أمينة شفيق.. إن ثورة يوليو منحت المرأة المصرية كثيرا من الحقوق، ففتحت الباب أمامها فى التعليم فى وقت كانت تخلو كلية الهندسة من أى سيدة فى ذلك الوقت.. ولكن تم رفض وجود المرأة فى القضاء حينما تقدمت د.عائشة راتب - وزيرة الشئون الاجتماعية وأستاذة القانون بجامعة القاهرة - بعد تخرجها فى كلية الحقوق بتقدير ممتاز، ورفض المجلس تعيينها على أساس أن الشرع الإسلامي لا يسمح بتولى المرأة القضاء، ورفعت الدكتورة عائشة راتب دعوى أمام محاكم مجلس الدولة، وساقت الحجج الشرعية والقانونية التي تثبت أحقيتها فى التعيين، ولكن الفقيه القانونى الكبير الدكتور عبد الرزاق السنهوي رئيس المجلس فى ذلك الوقت، حكم برفض الدعوى، وقال فى أسباب الحكم أن الرفض يرجع إلى الملاءمة (السلطة التقديرية) وليس لسبب آخر، لأن المجتمع المصرى لم يصل إلى الدرجة التى تجعله يتقبل جلوس المرأة على منصة القضاء والحكم. ورفض وجود المرأة فى القضاء، وعن سن الزواج قالت أمينة شفيق إن تعليم البنات فى ذلك الوقت كان يؤدى بطبيعة الحال إلى رفع سن الزواج حتى الانتهاء من التعليم الجامعى، وأكدت أن وجود المرأة الآن فى كثير من المناصب ومجالات العمل المختلفة هو أكبر دليل على أن هناك مكتسبات تبقت من ثورة يوليو إلى الآن.
شاهدة على العصر.. "يا بنت بلادى" أول أغنية تخاطب زهرة بنت الريف حولت ثورة 23 يوليو 1952 المرأة المصرية إلى قوة اجتماعية كبرى بداية من "مجانية التعليم" وفتح الباب لتعليم البنات مما أدى إلى اتساع شريحة التعليم فى كل الطبقات الاجتماعية المختلفة... هذا ما بدأت به د. هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة الزقازيق وذكرت أنها كانت واحدة ممن ذهبن إلى دفع المصروفات المحدودة جداً فى المرحلة الإعدادية عام 1960، وبعد عدة أيام طالبوها للمجيء لاسترداد المصروفات، وهنا انتابها إحساس أن الدولة تتحيز للنساء المصريات. "يا بنت بلادى" كانت أول أغنية خاطبت زهرة بنت الريف وبنت القاهرة، وكانت هذه الأغنية رسالة من القيادة السياسية لجميع البنات، كذلك "الصور القديمة والوثائق" نجد أن شكل البنات فى الخمسينيات والستينيات يتماشين بثقة ويتكلمن بجدية وغير متظاهرات بجسدهن.
عبد الناصر: نساء مصر كلهن سيدة أولى وأضافت د.هدى إن المرأة المصرية فى ذلك الوقت اعتلت المناصب العليا فنجد أول وزيرة عربية فى قارتى أسيا وإفريقيا هى د.حكمت أبو زيد وكانت هى السيدة الأولى بناء على حريتها ووطنيتها فقد كانت حاصلة على دكتوراة من بريطانيا ولذلك أصبحت وزيرة الشئون الاجتماعية، مما دعا عبد الناصر لاختيارها معه فى كل الزيارات الخارجية واستقبال الزعماء والشخصيات السياسية، فقد كان عبد الناصر مغرما بالسيدة المصرية لأنها قادرة على القيام بدورها مما شجع نساء مصر على أن يمارسن أدوارا فى منتهى الأهمية. وعندما سئل جمال عبد الناصر على أن تقوم زوجته تحية عبد الناصر بعمل اجتماعى رد قائلا: تحية كاظم تتقن عدة لغات ولها نشاطات اجتماعية وتستطيع أن تقوم بأدوار عديدة ولكن أرفض أن تكون السيدة الأولى لأن كل نساء مصر هن سيدة أولى . وعلى مستوى سن الزواج أضافت د.هدى أن الفتيات كانت مهتمات بالدراسة وكن يؤجلن الزواج حتى نهاية فترة التعليم الجامعى، وذلك لإثبات الجدارة فى التعليم، إلا أنه فى السبعينات تأثر المجتمع بالخطاب الدينى وبدأ التيار الإسلامى يعتلى المنابر ويبثوا السم فى عقول الناس، وبدأ اختزال النساء فى صورة جسد فقط، ويجب أن يحجب حتى لا نرى الطاقة الإبداعية لهن حتى فقدن الثقة فى نفوسهن. منذ الثمانينات بدأ الموقف يتغير وأصبح مطلوب من النساء الاعتذار للخروج للعمل وأصبح المجتمع الذكورى يستخدم بعض المصطلحات مثل "عودة المرأة الى مملكتها" وتم التعامل معهن بشكل انتهازى، واستخدام جهد وحركة المرأة خلال الثورات والانتخابات ثم تتنكر لهن بعد ذلك وينتزعون عنهن صفة المواطنة. كنت أظن أنه لم يتبق شئ من ثورة يوليو ولكن النساء رجعوا الأمل ولم تنته ثورة يوليو فقد تركت روح مستقبل النساء، ونستعد لقبول النساء اللائى يثبتن جداراتهن، فليس هناك فرق بين الرجل والمرأة طالما نتعامل مع الوطنية. وأنتصر عبد الناصر للمرأة المصرية ورفض فرض زى للنساء ثورة 23 يوليو هى محطة مهمة جداً فى تاريخ الحركة النسائية المصرية لأنها ولأول مرة تمنح حقوقا للنساء بموجب سياسة الدولة وفى إطار فكرة العدالة الاجتماعية التى كانت من مبادئ الثورة وخاصة فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتى كانت فى صالح المرأة.. هكذا بدأت كلامها دكتورة سامية قدرى أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس.. وأضافت أن المرأة المصرية فى ذلك الوقت كان لها الحق فى العمل وفى الأجر المساوى للرجل بالإضافة لحقها فى التعليم بكل مجالاته وكانت الحقوق متساوية، كما منحت أيضاً حق المشاركة فى البرلمان بالرغم من قلة نسبة المشاركة، وتم تعيين أول وزيرة للشئون الاجتماعية فى مصر. وقد كان حصول المرأة على حقوقها السياسية كاملة بما تضمنه دستور 1956 هو بداية لتمتعها بمزيد من الحقوق الأخرى كالحق فى تقلد المناصب والوظائف، وفى اقتحام مجالات العمل التى كانت محرومة منها.. بل وتم الاعتراف بها كقوة إنتاجية على قدم المساواة مع الرجل . ومما يدعو للفخر بثورة يوليو عندما رفضت حكومة الثورة فرض زى للنساء "الحجاب" واعتبرت الدولة ذلك تدخلا بالشأن الخاص بالمرأة وتعديا على الحريات الخاصة وأضافت د.سامية قدرى أن هناك فيديو لعبد الناصر متداولا الآن يحكى قصة حينما طلب منه فرض الحجاب على المرأة المصرية إلا أنه رفض، فقد كان هناك محاولات من التيار الإسلامى لاقتحام الحياة الخاصة للمرأة إلا أن الدولة بموجب الدستور 1954 اعتبره تعديا على حريات المرأة، وأيضاً تفشى بعض القيم الدينية المتطرفة والصارمة فى مناحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتى استمرت حتى عصر السادات ومبارك واختتم بعصر الإخوان.